معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الخلفية الايديولوجية ـ الجيوبوليتيكية للتدخل الروسي في كازاخستان وأوكرانيا
27/04/2022

الخلفية الايديولوجية ـ الجيوبوليتيكية للتدخل الروسي في كازاخستان وأوكرانيا

صوفيا ـ جورج حداد

خلافًا لأي مظهر مغاير فإن الدولة الروسية بقيادة فلاديمير بوتين تنطلق في سياستها العامة الداخلية والخارجية، وفي جميع الحقول الثقافية والاجتماعية والدينية والتربوية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، من منطلقات أيديولوجية وفكرية ثابتة، حية ومتفاعلة، تشكل الأساس الفكري لوجود وحراك الدولة.

ثلاثية: الوطنية الروسية ــ الاورثوذوكسية ــ  الأوراسية

وفي مقدمة الأيديولوجية المعتمدة للدولة الروسية، ما بعد المرحلة الغورباتشوفية ــ اليلتسينية، تأتي المنطلقات التالية:

الأيديولوجية الوطنية الروسية المعتدلة والمنفتحة، التي تؤمن أن روسيا هي وطن ذو أديان وقوميات واثنيات ولغات وثقافات اثنية متعددة، ومنها كلها يتشكل الشعب الروسي والهوية الوطنية الروسية.

الاعتراف والممارسة الواقعيان بأن الانتماء التاريخي لغالبية الشعب الروسي هو إلى العنصر القومي والحضاري السلافياني؛ والديانة المسيحية الشرقية (الارثوذوكسية). وهذا الانتماء هو الأساس الذي ينبني عليه التكوين الوطني لروسيا، كثقافة وشعب ودولة. ويتجلى ذلك اليوم في إعادة الاعتبار للمؤسسة الكنسية وللطقوس الاورثوذوكسية الروسية التي يشارك فيها الرئيس بوتين نفسه، كتعبير عن الوحدة الجسدية وقوة الروح والارادة الموحدة للجماعة او الشعب.  

ـ3ـ تبني الفكرة " الأوراسية"، كمفهوم حضاري تاريخي تمتد جذوره الى الفلسفة الاغريقية القديمة، وبالأخص فكرة الدولة العالمية، التي تتآخى فيها وتتفاعل بحرية جميع الشعوب والاتنيات والحضارات والثقافات والديانات والمذاهب، الكبيرة والصغيرة؛ وهي الفكرة التي طرحها ارسطو، وحارب لاجلها، وقُتل بالسم بسببها، الاسكندر الكبير (المقدوني ـ الاغريقي)، تلميذ المعلم ارسطو. وقد أسست الفتوحات الاسكندرية في حينه لظهور الفضاء الحضاري للهيلينستية، التي هي مزيج من الحضارات القديمة: الاغريقية، و"المصرية" الاجيبتية ــ القبطية، والسورية (الارامية ــ الكنعانية ــ الفينيقية ــ الاشورية)، والايرانية ــ الفارسية، والهندية. وبدورها اسست الهيلينستية لظهور المسيحية الشرقية التي نادت بطهرانية ورفع شأن الانسان، ودعت الى تآخي كل البشر، في تضاد تام مع المنظومة المفاهيمية ــ الاخلاقية اللاانسانية للامبراطورية الرومانية القديمة (التي ورثتها في الازمنة الحديثة اوروبا الغربية واميركا الشمالية) والتي قامت على تأليه السلطان والسادة الرومان وحَيْوَنَة واستعباد سائر البشر.     

ومنظـّر الفكرة " الاوراسية" الروسية الحالي هو الكاتب الفيلسوف وعالم الاجتماع الروسي الكسندر دوغين، مؤسس "الحركة  الاوراسية العالمية" في روسيا. ويعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من انصار الكسندر دوغين، بالرغم من اختلافهما في بعض المواقف السياسية، ومنها ان دوغين انتقد بشدة سياسة بوتين لدى انفجار الازمة الأوكرانية في 2014، واتهمه بالتساهل واللين في معالجة تلك الازمة، وانه كان ولا يزال ينبغي حسم المسألة عسكريا وإعادة ضم أوكرانيا بالقوة كجزء من اراضي الدولة الروسية كما كانت بالاصل قبل الحرب العالمية الأولى. والعملية العسكرية الخاصة التي بدأتها روسيا في اوكرانيا في 2022 هي تبنٍ متأخر لموقف الكسندر دوغين في 2014.

ان مركـّب الكيمياء السياسي لهذه المنطلقات هو الذي يكمن في صلب السياسة العامة، الداخلية والخارجية، للدولة الروسية، بما في ذلك الخطوط العريضة لميزانية الدولة، وأفق التوجه الاقتصادي، وتحديد الأصدقاء والأعداء، وقرارات التسلح والحرب والسلم التي ــ تبعا لحجم روسيا ومكانتها الدولية ــ يتعلق بها المصير العالمي برمته.

الاوراسية الروسية بمواجهة العولمة الأطلسية الأميركية

ويمكن، في اختزال افتراضي وقسري جدًا، أن نلخص الوجه الخارجي للمنطلقات الأيديولوجية ــ الجيوبوليتيكية للدولة الروسية بـ" الاوراسية" (القائمة على التعددية الحضارية)، التي تتعارض على خط مستقيم مع الايديولوجية ــ الجيوستراتيجية الاطلسية الأميركية، التي ترى أن أميركا الشمالية هي "قلب العالم" أو "مركز العالم"، وأن كل ما هو خلف المحيط الاطلسي ليس سوى "اطراف" و"مدى حيوي" و"حوش خلفي" لا خصوصية ولا قيمة ولا اعتبار ولا أهمية لها الا بمقدار ما تكون تابعة وخاضعة لـ"المركز" الاميركي. وبناء على هذه الايديولوجية تطبق الدولة الاميركية (الشمالية) استراتيجيتها لـ"عولمة" العالم، التي لا تعني في نهاية المطاف سوى "الأمركة" أو الأصح فرض "السيادة الأميركية" على جميع الشعوب والأمم والأديان والحضارات والثقافات ووضعها تحت جزمة أرباب الاحتكارات والكاوبويات والغانغسترات الأميركيين، وخصوصًا اليهود المتسلطين في أميركا وعليها، والذين يجدون في "العولمة الاميركية" تطبيقًا للمشيئة "الالهية" في سيادة "شعب الله المختار!".

وهذا التضاد التأسيسي بين الأوراسية الروسية والاطلسية الاميركية هو ما يفسر العداء الجذري لاميركا ضد روسيا، الى درجة رفض انضمام روسيا الى الحلف الاطلسي "الناتو"، كما اقترح بوتين سنة 2004.  

الأوراسية أساس وحدة الدولة والشعب الروسيين

ولا يقتصر تبني الأيديولوجية أو المفاهيم "الأوراسية" على الأحزاب المؤيدة للسلطة الروسية، بل يتعداها الى أحزاب المعارضة أيضًا وعامة الشعب الروسي.

ومن هذه الزاوية فإن المفاهيم  الاوراسية تضطلع بدور أساسي في تأمين الوحدة الوطنية الروسية، ان بمعنى وحدة الدولة والشعب، أو بمعنى الوحدة الدينية والقومية والاتنية ــ الثقافية، أو بمعنى وحدة السلطة والمعارضة الوطنية.

وحينما حركت أميركا في 2014 عملاءها من الفاشيين القدماء ـ الجدد لتعطيل اتفاق السلطة والمعارضة في أوكرانيا، ونظمت الانقلاب ضد السلطة الشرعية، وبدأ الانقلابيون الموالون لاميركا حملة المطاردة والقتل والتنكيل والطرد ضد المواطنين الاوكرانيين الروس والناطقين باللغة الروسية، لم يكن ذلك يهدف فقط الى ضم أوكرانيا الى الكتلة الغربية وإقامة قواعد عسكرية في أوكرانيا على الحدود مع روسيا، بل ــ بالاضافة الى ذلك ــ كانت اميركا ومخابراتها تهدف الى تفكيك أو على الأقل اضعاف الوحدة الوطنية الروسية داخل روسيا بالذات عن طريق اضعاف المفاهيم والمشاريع الوحدوية الاوراسية.

درب الحرير الجديد

قلنا فيما سبق إن المفاهيم الاوراسية هي التي تحكم الخطوط العريضة والمشاريع الكبرى لروسيا. ومن ضمن ذلك كانت روسيا قد طرحت مشروع انشاء اتحاد جمركي أوراسي كبير تنضم اليه الدول الأوروبية والاسيوية، مما يزيل الكثير من العقبات امام الحركة التجارية والسكانية ويشجع الاقتصاد عامة والانتاج خاصة، لمختلف الدول الأعضاء، ومن ثم رفع معدلات الانتاج العالمي ورفع مستوى المعيشة عالميا والتوجه نحو العناية الجذرية بالبيئة الطبيعية وتكييف المجتمع البشري معها. ولعدم وجود عراقيل فيما بينها ولعلاقاتها الإيجابية القديمة منذ العهد السوفياتي، تشكلت النواة الأولى لهذا الاتحاد العتيد من ثلاث دول هي: روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان.

أوكرانيا حكمت على نفسها بالزوال كدولة

وكانت روسيا تأمل في التوصل الى حلول مقبولة للمشاكل مع أوكرانيا، خصوصا حول ترانزيت الغاز الروسي الى أوروبا، وان يتغلب المنطق المعتدل، العقلاني والبراغماتي في السلطة الأوكرانية، وان تكون أوكرانيا هي الدولة الرابعة التي تنضم الى الاتحاد الجمركي الاوراسي. ونظرا للعلاقات السكانية والاقتصادية المميزة بين روسيا واوكرانيا، ورغبة أوكرانيا في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، كانت روسيا تأمل ان تضطلع أوكرانيا بدور جسر تعاون ثلاثي بنـّاء بين الأطراف الثلاثة: روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي؛ وليس الى نفق تهريب وتخريب ضد روسيا كما صارت بعد استقلالها سنة 1991.

وكانت حكومة فكتور يانوكوفيتش تميل الى تبني الموقف الروسي. ولكن الانقلاب الفاشستي ـ الأميركي المعادي لروسيا والاوكرانيين الروس،  في كييف في 19 شباط/ فبراير 2014، اسقط إمكانية قيام أوكرانيا بهذا الدور التاريخي، وفي الوقت ذاته اسقط وحدة الدولة الأوكرانية، حيث انتفض السكان الروس والناطقون باللغة الروسية في شبه جزيرة القرم، واجروا استفتاء شعبيا طلبوا فيه العودة للانضمام الى روسيا كما كانت شبه جزيرة القرم تاريخيا حتى عام 1954؛ ووافقت روسيا على انضمام القرم؛ وفي الوقت ذاته انفصلت مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا وأعلنتا نفسيهما جمهوريتين شعبيتين مستقلتين. وطوال السنوات التالية حاولت السلطات الانقلابية في كييف والعصابات الفاشية في غرب أوكرانيا اخضاع و"استرجاع" هاتين الجمهوريتين بالقوة، ولكنها عجزت تماما عن ذلك، لان "الجمهوريتين" أعلنتا التعبئة العامة، وشكلتا "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" التي قاتل جنودها المتطوعون بصلابة دفاعا عن بيوتهم وأهاليهم. وتحت الضغط الشديد للرأي العام في روسيا كان تجاوب السلطات الروسية لتقديم المساعدات الإنسانية الضرورية للسكان المدنيين لجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، والسماح لهم بالعمل داخل الأراضي الروسية والحصول على أجورهم ولتقديم الذخائر والأسلحة الخفيفة والمتوسطة وبعض الآليات الحربية الضرورية لـ"قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في الجمهوريتين. كما بدأ عشرات الآلاف من المتطوعين القوزاق يتدفقون من مناطقهم في جنوب شرق روسيا الى منطقة الدونباس الأوكرانية القوزاقية المنفصلة، للقتال الى جانب إخوانهم وأبناء جلدتهم، ضد الفاشست والانقلابيين في اوكرانيا، ولم يكن في مقدور السلطات الروسية وليس في صالحها منع أولئك المتطوعين، بل على العكس. ولما لم يتم التوصل الى حل مقبول من جميع الأطراف ذات الصلة حول البنية الجديدة لبقية أجزاء أوكرانيا، فإن "قوات الدفاع الشعبي الذاتي" في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بالتعاون مع المتطوعين القوزاق القادمين من المناطق الاخرى لروسيا، أمسكت زمام المبادرة وشنت هجومًا مضادًا واسع النطاق على السلطات الانقلابية والعصابات الفاشستية في كييف وغرب أوكرانيا بهدف تحرير كامل الاراضي الاوكرانية من الفاشست وعملاء المخابرات الاميركية والحلف الاطلسي، كي يتم في نهاية المطاف اجراء استفتاء عام في أوكرانيا للانضمام الى روسيا. وهذا ما يطالب به الآن أنصار  الأوراسية وأعداء العولمة الأميركية في روسيا. ولكن هذا الهدف لم يتحقق بسبب المساعدات العسكرية الكبرى والأسلحة المتطورة التي قدمتها أميركا ودول حلف "الناتو" للجيش الانقلابي والفاشست الاوكرانيين. وهذا ما دفع روسيا للقيام بالعملية العسكرية الخاصة الحالية في اوكرانيا.

دور اوراسي خاص لكازاخستان

وفي مقابل الدور الهام الذي كانت القيادة الروسية مصممة على إعطائه لأوكرانيا فيما لو كانت انتسبت الى الاتحاد الجمركي الاوراسي والاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه... في مقابل تلك الفرصة الأوكرانية الضائعة، فإن القيادة الروسية تخطط لاعطاء دور مماثل لجمهورية كازاخستان (السوفياتية السابقة). وقد ظهر ذلك بوضوح في الاحتفال والعرض العسكري الروسي في عيد النصر في 9 أيار/ مايو 2019، حيث جلس الرئيس الكازاخي السابق نور سلطان نزارباييف على المنصة الرئيسية الى جنب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم رافقه وشاركه في وضع الزهور على قبر الجندي المجهول وقبور كبار القادة العسكريين الذين قادوا القوات السوفياتية الى النصر في "الحرب الوطنية الكبرى" (الحرب العالمية الثانية).

ويبلغ تعداد سكان كازاخستان أكثر من 19 مليون نسمة حوالى 65%  منهم كازاخستانيون وحوالى 20% روس (حوالى 4 ملايين) والباقون من قوميات واثنيات مختلفة من الجمهوريات السوفياتية السابقة و2% من الاوْيْغور المسلمين الصينيين. وحوالى 70% من اهالي وسكان كازاخستان هم من المسلمين. والكازاخستانيون يعودون بأصولهم القومية الى الاتراك الطورانيين القدماء والى المغول والتتار. ولغتهم الوطنية قريبة جدا من اللغة التركية القديمة ومشتقة منها.

وتقيم روسيا علاقات ممتازة مع الكازاخستانيين أفضل مما كان في العهد السوفياتي ذاته، وهي تأمل أن تكون هذه العلاقات مثالًا يحتذى للعبور الى تشجيع الجمهوريات الإسلامية السوفياتية السابقة لاقامة أفضل العلاقات مع روسيا، وكذلك الى تحسين العلاقات مع تركيا والبلدان الإسلامية بشكل عام، جنبًا الى جنب مع التحسين والتطوير المتواصل للعلاقات الأخوية مع الجناح الإسلامي الشيعي وعلى رأسه الجمهورية الإسلامية الإيرانية والشيعة العراقيون والطائفة العلوية الكريمة في سوريا وحزب الله في لبنان.

أميركا محشورة في الزاوية ولا تجد مخرجًا سوى في التخريب والارهاب

الولايات المتحدة الأميركية، الخاسر الأكبر فيما لو نجحت خطة إقامة الاتحاد الجمركي الاوراسي، وهي متأزمة جدًا من إمكانية قيام كازاخستان بدور خاص على هذا الصعيد.

وللخروج من هذا الوضع تعمل الان الأجهزة الأميركية على عدة خطوط:

ـ1ـ من أجل كسر هيبة النظام وتشجيع "المعارضة" على التحرك، جرى إعداد المجموعات الاجرامية من "الدواعش" الذين سبق وقدموا من الجمهوريات السوفياتية السابقة، والذين يفرون الآن من سوريا والعراق، وتوجيه بعض تلك المجموعات الى كازاخستان للقيام بالعمليات الإرهابية ضد الأهداف المدنية بصورة خاصة.

ـ2ـ استغلت البروباغندا الغربية وابواقها المأجورة مظاهر الفساد وبعض السياسات الخاطئة للدولة، وخصوصًا التردي النسبي لمستوى المعيشة، لأجل تحريك الاحتجاجات ونشر الفوضى، واستغلال ذلك لـ"تشغيل" المجموعات الارهابية ضمن مخططات المخابرات الاميركية. وقد "تصيدت" القرار الخاطئ للحكومة الكازاخستانية برفع أسعار الغاز المسال، وحركت وركبت موجة الاحتجاجات على القرار في 2 كانون الثاني/ يناير الماضي. ولكن المخابرات الأميركية كانت على عجلة جدًا من أمرها وزجت في اليوم التالي للاحتجاجات "السلمية" بالمجموعات الارهابية في الميدان وتم احراق عدة مقرات بلدية وحكومية والسيطرة على مطار ألماتي، العاصمة القديمة وأكبر المدن الكازاخستانية، وقتل أكثر من 20 رجل أمن وقطع رأس أحدهم على الطريقة الداعشية. وهذا ما أعطى الحافز والمبرر للرئيس الكازاخستاني قاسم توكايف لطلب المساعدة العسكرية من "منظمة الامن الجماعي" التي تقودها روسيا وتشارك فيها كازاخستان وارمينيا وعدد من جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية السابقة. وقد لبت المنظمة الطلب بسرعة قصوى، مما ساعد الجيش والقوى الأمنية الكازاخستانية للسيطرة على الوضع في 48 ساعة، وأعطى الرئيس توكايف الأمر باطلاق النار على المخربين والارهابيين بهدف القتل وبدون انذار، وتحدثت الأنباء عن سقوط أكثر من 150 قتيلًا واعتقال أكثر من 10 آلاف شخص للتحقيق معهم. وكان المخربون، بتوجيه من المخابرات الأميركية، ينوون انشاء "ميدان" لتجمع المخربين والارهابيين، على غرار "الميدان" الذي أنشئ للفاشست والانقلابيين في كييف خلال انقلاب شباط 2014 في اوكرانيا. ولكن هذه المهمة باءت بالفشل وأجهضت قبل أن ترى النور.

ـ3ـ بدأت حملة تشويه للتاريخ الكازاخستاني وزعزعة الأخوة الروسية ـ الكازاخية والتشكيك بوطنية المواطنين الروس الكازاخستانيين، بالافتراءات القائلة إن الوجود الروسي العريق في كازاخستان هو وجود كولونيالي (استعماري) في العهدين القيصري والسوفياتي على السواء وحتى الان. واستنادا الى هذه الافتراءات بدأت بعض الأصوات الشوفينية تطالب بوقف اعتبار اللغة الروسية لغة رسمية للدولة الى جانب الكازاخية، وقصرها على المناطق ذات الأغلبية الروسية.

ـ4ـ لم تكن المعارضة المأجورة والعميلة تترك فرصة تفوتها للتشكيك وزعزعة الاستقرار في الدولة. وقد أثيرت الضجة قبل أكثر من سنتين ضد الاقتراحات التي قدمها وزير الاقتصاد في حينه في مجلس النواب لادخال تعديلات في قانون الأراضي تقضي بالسماح للأجانب باستئجار الأراضي في كازاخستان لمدة 25 سنة من أجل جذب الاستثمارات الاجنبية. وقال المعارضون إن تصديق هذه التعديلات هو في صالح المستثمرين الصينيين. وقد تم تجميد مناقشة التعديلات في البرلمان وقبول استقالة وزير الاقتصاد، وتشكيل لجنة برلمانية جديدة للبحث في اصلاح قانون الأراضي. وفي الوقت ذاته صرحت المراجع العليا للدولة: اننا نمر بأوقات صعبة، ولكننا لن نسمح بنقل "سيناريو أوكرانيا" الى بلادنا. واي محاولة من هذا النوع سنرد عليها بقسوة شديدة.

تفكيك الاتحاد السوفياتي عملية غير دستورية

ومنذ بضع سنوات صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق كان خطأ تاريخيًا جسيمًا. ويطرح بعض الاوراسيين الروس اقتراح إجراء استفتاء شعبي في كازاخستان كي تنضم الى الفيديرالية الروسية كجمهورية ذات استقلال ذاتي. ويقولون إن الاتحاد السوفياتي السابق كان دولة موحدة، يجمع جمهورياتها المختلفة دستور واحد ذو صفة تعاقدية ملزمة لكل جمهورية اتحادية سوفياتية سابقة.

واذا أجرى الخبراء تحليلًا محاسبيًا اقتصاديًا يظهر بوضوح أن كل الجمهوريات "السوفياتية" غير روسيا كانت، لدى تفكيك الاتحاد، مديونة للميزانية الاتحادية السوفياتية بآلاف وآلاف مليارات الدولارات؛ في حين أن الجمهورية الروسية السوفياتية السابقة كانت دائنة بنفس المقدار للميزانية الاتحادية السوفياتية السابقة. وهذا يعني عمليًا ان الجمهوريات السوفياتية السابقة، المستقلة حاليًا، هي مديونة فعليا للجمهورية الاتحادية الروسية، المستقلة حاليًا، ووريثة الاتحاد السوفياتي السابق. وقد جرى حل الاتحاد السوفياتي بطريقة لا شرعية مخالفة للدستور التعاقدي السوفياتي ومخالفة للقوانين الدولية. واذا تجردنا عن أي مسألة أخرى، واخذنا الجانب الحسابي المالي والاقتصادي فقط، فإن فك "الشراكة السوفياتية" بهذه الطريقة اللاشرعية يمثل عملية نصب واحتيال ونهب لا مثيل لها للشعب الروسي الكادح والدولة الروسية.

*كاتب لبناني مستقل

اوكرانيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات