آراء وتحليلات
التصعيد الاقتصادي الروسي: الروبل يتحدى الدولار
د. محمود جباعي
يعتبر تاريخ 1 نيسان/ ابريل 2022 نقطة تحول استراتيجية في مسار الاقتصاد العالمي، وهو التاريخ الذي حدده الرئيس الروسي فلاديمر بوتين في خطابه الشهير لتحويل عملة الدفع مقابل الغاز الروسي من الدولار الى الروبل الروسي، وهو ما اعتبر حينها صفعة اقتصادية عملاقة وجهتها روسيا الى الغرب والولايات المتحدة كرد مشروع على العقوبات غير المسبوقة المفروضة على روسيا. الخطوة اعتبرت كسرًا واضحًا لهيمنة أميركا على الاقتصاد العالمي التي ربطت كل مفاصل التجارة العالمية بعملتها وهي الدولار. خاصةً بعد أن رافق هذه الخطوة الروسية الجريئة تحسن كبير في سعر الروبل مقابل الدولار الاميركي واليورو حيث تحسن بشكل كبير ليصل الى مستويات أفضل مما كان عليه قبل بدء العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا.
وبعد هذا القرار كثرت التكهنات والتحاليل حول مدى قدرة روسيا وجديتها في تنفيذ وعدها في قطع الغاز الطبيعي الروسي عن الدول التي لن تلتزم بالدفع بالروبل بدل الدولار. وهو ما حصل بالفعل حيث نفذت موسكو قرارها من خلال إيقاف إمدادات الغاز الى بولندا وبلغاريا واللتين لم تلتزما بتنفيذ الشرط الروسي الجديد مقابل الحصول على الغاز وهو ما يعتبر ايضًا رسالة قوية الى باقي الدول التي تشتري الغاز الروسي، ألا وهي أن روسيا لن تسلم الغاز الا من خلال الدفع بعملتها المحلية الأمر الذي أثار القلق عند العديد من الدول الاوروبية الأخرى.
إيقاف مد بلغاريا وبولندا بالغاز
صباح الاربعاء 27 نيسان/ ابريل 2022 نفّذت شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" قرار الرئيس الروسي القاضي بإيقاف إمدادات الغاز الروسي الى الدول غير الملتزمة بقرارات موسكو في هذا المجال فأوقفت إمدادات الغاز الى بولندا وبلغاريا بسبب عدم سداد البلدين مدفوعات الوقود بالروبل الروسي في أقوى رد حتى الآن من قبل روسيا على العقوبات الغربية المتنوعة المفروضة عليها بعد العملية العسكرية في اوكرانيا. حيث أكدت الشركة الروسية الأكبر في العالم في مجال الغاز والنفط في بيان نشرته على وقف إمدادات الغاز بالكامل الى بولجارجاز (بلغاريا) وبي.جي.إن.آي.جي (بولندا) بسبب عدم الالتزام بسداد المدفوعات بالروبل، كما شددت وحذرت من أن عبور الغاز عبر بولندا وبلغاريا سيتوقف إذا تم الاستيلاء عليه بصورة غير قانونية. علمًا أن معظم إمدادات الغاز الروسي التي تصل الى باقي الدول الأوروبية يمر من أراضي بولندا وبلغاريا، وهو ما يعتبر ردًا آخر قويًا وجديًا وتحذيرًا واضحًا لباقي الدول الأوروبية في حال لم تلتزم بالشروط الروسية ما سيؤدي الى وقف امدادات الغاز إليها أيضًا.
تجدر الاشارة الى أنه حتى الآن وافق عدد من الدول الأوروبية على الدفع بالروبل مقابل الحصول على الغاز الروسي وهو ما خلق ازمة جديدة في اوروبا ونقاشًا سيحتدم في الفترة المقبلة حول الخيارات المتخذة حيال القضية. وبحسب مسار الأمور، فإن الرضوخ للدفع بالروبل يطلق العنان الى عالم جديد في النقد يقضي على هيمنة اليورو والدولار خصوصًا أن روسيا تمتلك حوالي 45% من احتياط الغاز الطبيعي في العالم.
خلاصة وتحليل
يجب التسليم بأمر بديهي وهو أن أوروبا لا تستطيع الاستغناء عن الغاز الروسي وأن الطاقة الروسية تعتبر سلاحًا فتاكًا بيد الروس قادر على ضرب استقرار كل الدول الاوروبية من دون استثناء، وخاصة أن الأوروبيين فشلوا حتى الآن في التحرر من التبعية للغاز الروسي. وعلى ما يبدو، لا يوجد في المدى المنظور قدرة لدى أوروبا على تقديم حل سريع لهذه الأزمة وخاصةً أن روسيا تمتلك أكبر احتياط من الغاز الطبيعي في العالم وتوفر لأوروبا حوالي 40 % من حاجاتها الغازية. كل ذلك يقودنا الى نتيجة حتمية واحدة وهي أن مصانع أوروبا معرضة الى خطر الاغلاق وأن منازل الاوروبيين ستظل مهددة في مواجهة البرد القارس في الشتاء بسبب سلاح الطاقة الروسي الذي يعطي موسكو قوة استراتيجية في مواجهة العقوبات المتنوعة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024