آراء وتحليلات
هل تصبح إيران صلة وصل بديلة بين الشرق والغرب؟
د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي
أعادت المواجهة بين روسيا والغرب في أوكرانيا تسليط الضوء على أهمية الموقع الجيوسياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومزاياها الاقتصادية وبناها التحتية، لا سيما في ظل التطورات الدولية المستجدة ـ في روسيا واوروبا ومناطق آسيا الوسطى والقوقاز ـ وفي مقدمتها المقاطعة الغربية الجماعية لموسكو في المجالات كافة باستثناء مجال الطاقة، واحتمال قيام الدول الأوروبية المحاذية لروسيا، بسد طرق العبور بين الشرق والغرب التي تمتد عبر الأراضي الروسية إلى أوروبا، بما في ذلك ما يسمى بالممر الشمالي لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ومع أن الدول الأوروبية أصبحت تنظر إلى الممر الأوسط أو طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين (TITR)، الذي يبدأ من جنوب شرق آسيا والصين، ثم يمتد عبر كازاخستان مرورًا ببحر قزوين، وصولًا الى أذربيجان وجورجيا، وانتهاء بالبلدان الأوروبية، كبديل محتمل لطرق التجارة التي تعتمد على روسيا، غير أنها وجدت ضالتها في ايران.
كيف أصبحت ايران ضمن البدائل الأوروبية بعد المقاطعة لروسيا؟
بعد تأزم العلاقات بين موسكو وأوروبا، اكتشفت الأخيرة خيارًا ناشئًا آخر (أكثر أهمية من طريق الممر الأوسط أعلاه)، وهو يتمثل بالاستفادة من تطوير شبكات النقل البري الإيرانية والربط بينها، كونها توفر وصلات إلى تركيا والشرق الأوسط وأوروبا، وكذلك إلى الموانئ البحرية الإيرانية على الخليج الفارسي وخليج عُمان.
وعليه، فإن هذا الخيار، سيمنح طهران دورًا رئيسيًا على مستوى الروابط التجارية لا سيما بين اوروبا ودول آسيا الوسطى التي تفتقد الى منافذ بحرية مباشرة، ويؤهلها لأن تكون صلة الوصل الرئيسية بين الشرق والغرب مستقبلًا، والطريق البديل (عن الأراضي الروسية) الأسهل والأكثر أمانًا والأقل تكلفة (على صعيد النقل).
تبعًا لذلك، اتفقت جمهوريتا أذربيجان وايران في 11 آذار الماضي على إنشاء خطوط جديدة للسكك الحديدية والطرق السريعة والاتصالات وإمدادات الطاقة، تربط البر الرئيسي لأذربيجان في "منطقة شرق زانغزور الاقتصادية"، بمقاطعتها ناخشيفان، عبر أراضي إيران.
يبدأ هذا الطريق السريع، الذي سيبلغ طوله 55 كيلومترا، من قرية أغبند الأذربيجانية في مقاطعة زنجيلان. الجدير بالذكر، أنه خلال حرب كاراباخ الأولى كانت القرية تخضع لسيطرة القوات العرقية الأرمينية في تشرين الأول 1993، لكن أذربيجان استعادت السيطرة عليها في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، في حرب كاراباخ الثانية.
ما علاقة قرية أغبند بالممر الإيراني؟
تتميز قرية أغبند، بموقعها الاستراتيجي الكامن في الركن الجنوبي الغربي من مقاطعة زنجيلان، بالقرب من الحدود مع إيران وأرمينيا. وكون نهر آراس (الذي يشكل في الوقع الحدود الأذربيجانية الإيرانية في تلك المنطقة) يفصل هذه القرية فعليًا عن إيران، تبعًا لذلك ـ بالإضافة إلى الطريق السريع المذكور أعلاه ـ تخطط طهران وباكو لبناء جسرين للسكك الحديدية، وجسر لطريق بري يمر فوق آراس، ويصل إلى الأراضي الإيرانية.
كما سيمر الطريق السريع عبر مقاطعة أذربيجان الشرقية الإيرانية وسيتصل عبر الحدود مع مدينة أوردوباد (الاذربيجانية) في جنوب ناختشفان. لكن للوصول إلى أوردوباد سيتعين على البلدان بناء المزيد من الجسور (سكة حديدية وطريق واحد) عبر هذا الجزء الغربي من نهر أراس.
كيف تنظر أذربيجان الى هذا الطريق السريع؟
عمليًا، ترى أذربيجان أن بناء هذا الطريق السريع بين أغبند وأوردوباد عبر إيران، مهم لها انطلاقًا من أسباب ثلاثة:
أولًا، أنه سيشكل استمرارًا للطريق السريع هوراديز ـ جبرائيل ـ زنجيلان ـ أغبند الذي يمر عبر مقاطعات فوزولي وجبرائيل وزنجيلان (التي استعادتها اذربيجان مؤخرا من ارمينيا)، ويربط فعليًا هذه المناطق الجنوبية المتاخمة لكاراباخ، بناخشيفان ومن ثم بتركيا وبالطبع الى اوروبا والشرق الأوسط.
ليس هذا فحسب، فالجدوى الاقتصادية لخط العبور هذا، ستكون كبيرة لجمهورية أذربيجان التي تسعى إلى إعادة بناء ما هدمته الحرب في أراضيها الجنوبية الغربية بعد حرب كاراباخ الثانية. وفي هذا الإطار قال رئيس قسم السياسة الخارجية في الإدارة الرئاسية الأذربيجانية حكمت حجييف: "ستكون باكو وطهران وأنقرة مؤسسي خط العبور الجديد".
ثانيًا، سيعتبر الطريق السريع الذي يبلغ طوله 55 كيلومترا عبر إيران، بديلا عن "ممر زانغيزور" عبر جنوب أرمينيا، والذي لم يتحقق بسبب التجاذبات السياسية الارمينية الداخلية.
ثالثًا: سيسمح الاتفاق مع طهران، لباكو بإعادة إنشاء خط سكة حديد بين البر الرئيسي لأذربيجان، ومقاطعة ناخشيفان لأول مرة منذ ثلاثة عقود. فبين سنوات 1930 و 1940، كان الاتحاد السوفيتي قد بنى خط سكة حديد من باكو إلى ناخشيفان عبر منطقة ميغاري في أرمينيا (نفس المنطقة التي تريد أذربيجان تطوير ممر زانغيزور عبرها) ولكن بعد حرب كاراباخ الأولى، تم قطع خط السكك الحديدية بين ناخشيفان والبر الرئيسي لأذربيجان.
ومع أن وقف إطلاق النار (بين ارمينيا واذربيجان) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، عزز التوقعات بكسر الجمود المستمر منذ ثلاثة عقود بشأن استئناف تطوير النقل الإقليمي، وخاصة السكك الحديدية، غير أن الاعتراضات والاعتبارات الأرمينية بشأن "ممر زانغيزور" قد بددت الآمال حتى الآن في تحقيق تقدم سريع.
وانطلاقًا من هنا، قررت الحكومة الأذربيجانية أن خط السكك الحديدية إلى ناخشيفان، عبر إيران، يمكن أن يكون بديلًا آمنًا وقابلًا للتطبيق.
ما هي الفوائد التي تعود على طهران من هذا الطريق السريع؟
إن البراغماتية الإيرانية وسياسة الاحتواء التي انتهجتها مع باكو (بعد خلافات بينهما حول عدد من القضايا الاقليمية في تلك المنطقة)، فضلًا عن اعتباراتها ومصالحها الخاصة، كانت الدافع الرئيسي للسماح ببناء طريق سريع وخط سكة حديد بين زنجيلان وناختشيفان عبر أراضيها.
ففي أعقاب حرب كاراباخ الأولى، جرى استخدام الأراضي الإيرانية كطريق عبور للحافلات والشاحنات بين البر الرئيسي لأذربيجان وناختشيفان لمدة ثلاثة عقود.
ما يجب معرفته هنا، أن طهران لم تعارض إعادة إنشاء منفذ مباشر إلى ناختشفان لجمهورية أذربيجان عبر ممر زانغيزور، لكنها أعلنت رفضها لإنشاء هذه الممر بالقوة أو عن طريق تغيير الحدود الدولية ـ لا سيما الحدود التي يبلغ طولها 38 كيلومترًا بين إيران وأرمينيا.
وبناء على ذلك، ترى طهران إنشاء طريق سريع مخصص وخط سكة حديد بين زنجيلان وناختشيفان عبر إيران، سيكون بديلًا مناسبًا لممر زانغيزور، ولهذا وصف أحد الخبراء الإيرانيين اتفاقية 11 آذار/ مارس بين إيران وأذربيجان بأنها "مصالحة باكو مع الحقائق الجيوسياسية".
في الختام، إن بناء خط سكة حديد بين زنجيلان وناختشيفان في أذربيجان يعبر الأراضي الإيرانية، يعود بفوائد كبيرة جدًا على كل من باكو وطهران. فأذربيجان، ستستعيد اتصالًا بريًا (ذو قدرة عالية على نقل البضائع) مع مقاطعتها. أما بالنسبة لإيران، فإن الوصول بالسكك الحديدية إلى جمهورية أذربيجان يعني اتصالًا ماديًا بالاتحاد الروسي، مما يسمح للشركات الإيرانية بالاستفادة بشكل أكمل من اتفاقية التجارة التفضيلية بين ايران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تعمل موسكو لتطويره.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024