معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عبث أميركي - بريطاني على الساحة العراقية
11/05/2022

عبث أميركي - بريطاني على الساحة العراقية

بغداد - عادل الجبوري

   الظاهر على سطح المشهد السياسي العراقي منذ اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة قبل سبعة شهور، هو أن الخلافات والتقاطعات الحادة بين الفرقاء السياسيين، تسببت في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، وايصال البلاد الى حالة الانسداد السياسي والشلل شبه التام - ان لم يكن التام - في ظل تفاقم الازمات والمشاكل الاقتصادية والحياتية لعموم المواطنين، والتصدعات والخروقات الأمنية هنا وهناك.

   لأول وهلة، يبدو هذا التصور صحيحًا إلى حد كبير، بحيث بات المواطن العادي يحمل قناعة كاملة بأنه ما دامت الخلافات والتقاطعات بين القوى والشخصيات السياسية قائمة، فإن الحكومة الجديدة لن تبصر النور، وإن معاناة الناس ستتفاقم وتزداد. بيد أن التعمق والتدقيق بصورة أكبر في مجمل الوقائع والمعطيات، وفي طبيعة الاصطفافات والتحالفات، يكشف عن وجود تأثير قوي لاطراف دولية -وتحديدا الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا- في مجمل مجريات الأمور، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من  خلال أطراف اقليمية معينة.

   في مطلع شهر نيسان-ابريل الماضي، التقي رئيس تحالف الفتح هادي العامري في مكتبه بالعاصمة بغداد السفير البريطاني في العراق مارك باريسون ريتشاردسون، وقد شهد اللقاء نقاشات حادة، حينما اكد العامري للسفير بأنه يمتلك معلومات موثقة من أجهزة مخابرات أجنبية تثبت تدخل الحكومة البريطانية بالشأن العراقي. وبحسب المكتب الاعلامي للعامري، قال الاخير للسفير البريطاني "لدينا معلومات من جهات مخابراتية اجنبية تؤكد تدخلكم المستمر في الوضع السياسي، ونعتقد أن استقرار العراق هو استقرار المنطقة وعلى الجميع معالجة الانسداد السياسي من أجل استقرار المنطقة".

  وما يعزز اتهامات رئيس تحالف الفتح، التحرك المحموم للسفير ريتشاردسون وأعضاء من فريقه الدبلوماسي في السفارة على جهات متعددة خلال الشهور التي أعقبت اجراء الانتخابات الأخيرة، فضلا عن لقاءاته مع نخب سياسية واعلامية عبر ولائم افطار خلال شهر رمضان بمقر السفارة، وحديثه الدائم عن ضرورة استبدال الصيغ والمعادلات السياسية السابقة في تشكيل الحكومة وادارة الدولة، ووضع معادلات جديدة تكفل عدم تكرار الأخطاء السابقة. وهو كان يروج بطريقة أو بأخرى لما يسمى بحكومة الاغلبية التي يتبناها التحالف الثلاثي المؤلف من التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، لاضعاف وتحجيم قوى الاطار التنسيقي.

   وتتداول العديد من الصحف والمواقع الاخبارية والتحليلية الاميركية والبريطانية، معلومات ومعطيات تذهب الى أن واشنطن تتطلع الى تشكيل حكومة جديدة من القوى القريبة منها، لتتولى مهمة تطويق الفصائل المسلحة ونزع سلاحها، الأمر الذي يقلل من حجم المخاطر والتهديدات للمصالح الاميركية الغربية في العراق والمنطقة.

   وفي هذا السياق، نشرت شبكة "المونيتير" الاخبارية في الرابع من شهر نيسان-ابريل الماضي تقريرا اشارت فيه الى "ان الحكومة الامريكية كثفت من اتصالاتها مع الأحزاب السياسية العراقية للتعجيل بتشكيل الحكومة المقبلة، في محاولة منها لاستخدامها كحائط صد أمام الفصائل المسلحة وجعلها تحت سلطتها، كواحد من الإجراءات التي تحاول واشنطن من خلالها تقليل الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيّرة على قواعدها".

   في ذات الوقت تقريبًا نشرت صحيفة "تايمز اوف اسرائيل" تقريرًا عن "ضربات أميركية استهدفت مواقع في سوريا يعتقد انها تابعة لفصائل مسلحة محسوبة على ايران"، كنوع من الضغط لتمرير صفقة حكومة الأغلبية، ناهيك عن اعتبارها ردًا أو جزءًا من الرد على استهداف القوات والقواعد الاميركية في داخل العراق.

   والى جانب تحركات السفير البريطاني، فإن زميله السفير الأميركي ماثيو تولر قام بتحركات مماثلة، بعضها معلن وبعضها الأخير احيط بقدر من الكتمان والسرية، فضلًا عن أنه كان هناك تنسيق بين الاثنين، ووفق مصادر وأوساط مختلفة، فإن جهود تولر تمحورت حول ردم الهوة بين الفرقاء الاكراد بما يضمن حلحلة عقدة رئاسة الجمهورية والحؤول دون انفراط عقد التحالف الثلاثي، اذ ان قناعة تبلورت لدى مراكز صناعة القرار في واشنطن بأن التوافق الكردي يعد المخرج الوحيد وقارب النجاة للتحالف الثلاثي، لا سيما في ظل التصدعات والاهتزازات الكبيرة داخل المكون السني، خصوصا بعد عودة بعض اقطاب ذلك المكون الى الساحة، مثل الوزير الاسبق رافع العيساوي، والزعيم العشائري علي حاتم سليمان، ناهيك عن فضائح الفساد التي راحت تعصف بعدد من اركان تحالف السيادة بزعامة محمد الحبلوسي وخميس الخنجر.  

  وعن الخلافات والتقاطعات الكردية-الكردية، تقول صحيفة "ذي هيل" الاميركية "ان الحزبين الكرديين الرئيسيين فشلا في تحقيق أهداف واشنطن في العراق من خلال الدخول بتحالف مع التيار الصدري لتمرير حكومته المقبلة بشكل لا تشارك أحزاب البيت الشيعي في بنائه، حيث أن الخلافات الكردية دفعت بواشنطن الى إعادة النظر بتعاونها القديم مع الأحزاب الكردية"، وبحسب الصحيفة "ترى واشنطن أن تمرير حكومة الصدر كان ممكنا لو وافقت الأحزاب الكردية على الدخول بالتحالف الثلاثي مع التيار الصدري، حيث يمكن معا تحقيق النسبة المطلوبة لتمرير رئيس الجمهورية، وبالتالي اختيار رئيس الوزراء المقبل للعراق".

   وتقول الصحيفة في تقريرها "المثير لسخرية القدر، ان الحلفاء الذين تعتمد عليهم الولايات المتحدة في العراق، الأحزاب الكردية، لم يتمكنوا من وضع خلافاتهم السياسة جانبا لتحقيق الرغبة الامريكية لشكل الحكومة المقبلة في بغداد.. وان تفويت الأحزاب الكردية لفرصة تحقيق الأهداف الامريكية في العراق ضمن العملية السياسية، ستؤدي بالنتيجة الى إعادة الانتخابات وتحقيق نتائج أخرى ربما لا تكون مناسبة لما ترغب به الولايات المتحدة، الامر الذي يعني أن حلفاء واشنطن في العراق، الاكراد، أصبحوا عامل تقويض لاهداف البيت الأبيض"، مضيفة "ان الولايات المتحدة قد تقرر وقف دعمها المالي للأحزاب الكردية البالغ 240 مليون دولار، وتقديم التسهيلات الدبلوماسية عبر اروقتها في بغداد، في حال إعادة الانتخابات وفشل الأحزاب الكردية بالتحالف مع التيار الصدري".

  أكثر من ذلك، السفيرة الاميركية الجديدة في العراق التي من المفترض ان تخلف السفير الحالي قريبا، الينا رومانوسكي، بدأت هي الاخرى تحركات بذات الاتجاه حتى قبل وصولها والتحاقها بعملها في بغداد.

   هذا الاضطراب والقلق الاميركي البريطاني، الذي عكسته التحركات والجهود المحمومة لتوجيه دفة سفينة العملية السياسية العراقية بما ينسجم ويتوافق مع مصالح واشنطن ولندن وحلفائهما واصدقائهما الاقليميين، يفترض ان يكون بمثابة جرس انذار لطبيعة الاجندات التي يراد تمريرها في العراق ولعموم المنطقة عبر البوابة العراقية، وتجربة الاعوام التسعة عشر الماضية -وما قبلها ايضا- اثبتت ما تريده وتخطط له تلك الاطراف، وما خلفته سياساتها من مآسٍ وويلات وكوارث.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات