آراء وتحليلات
بايدن يحرم الأمريكيين من 40 مليار دولار ويستخدمها لمواجهة موسكو
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
خرج الدعم الأميركي لأوكرانيا بمختلف أشكاله، عن اطاره العام، وأخذ منحى تصاعديًا وصل إلى حد المواجهة المفتوحة والعلنية بين موسكو وواشنطن التي باتت تضع كسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واضعاف روسيا نصب أعينها، وهدفا رئيسيًا تسخّر من أجل تحقيقه كافة قدراتها وإمكاناتها العسكرية والاستخباراتية والتسليحية.
على أن الجديد في كل هذا هو الضخ المالي غير المسبوق لأوكرانيا، لا سيما الرزمة الأخيرة من المساعدات التي أقرّها الكونغرس الأمريكي، وعُدّت الأضخم والأكبر على الاطلاق، وهي بالمناسبة تم اقتطاعها من صحة المواطن الامريكي، وجاءت أيضًا على حساب عملائهم الأفغان الذين فروا الى الولايات المتحدة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في آب 2021.
ما هي قيمة المساعدات التي أقرتها واشنطن لأوكرانيا مؤخرًا؟
في 10 نيسان الحالي، وافق مجلس النواب بشكل قاطع على حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار، بناء على طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما يشير إلى التزام كبير من الحزبين بإحباط المخططات الحربية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه اوكرانيا كما يأملون.
ما يجدر التوقف عنده، هو إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي واتحادهما على قضية مواجهة روسيا والنيل منها، حيث حظي هذا الإجراء بدعم كل الديمقراطيين المصوتين، ومن قبل ما يقرب من 3 من أصل 4 جمهوريين.
تم تمرير هذا الإجراء بهامش غير متوازن: 368 صوتا، مقابل 57، مما وفر 7 مليارات دولار أكثر من تلك التي طلبها بايدن، حيث قسمت هذه الزيادة بالتساوي بين البرامج الدفاعية والإنسانية.
كيف ستُستخدم هذه الأموال؟
عمليًا، سيمنح مشروع القانون هذا أوكرانيا المساعدة العسكرية والاقتصادية، فضلًا عن تجديد الأسلحة التي شحنها البنتاغون إلى الخارج، وايضاً، توفير 5 مليارات دولار أمريكي لمعالجة نقص الغذاء العالمي الناجم عن العملية العسكرية التي أعاقت أوكرانيا عن إنتاج العديد من المحاصيل التي كانت تنتجها قبل المعارك.
وتعليقًا على ذلك، قالت رئيسة لجنة التخصيصات في مجلس النواب الأمريكي النائبة روزا ديلاورو: الشعب الأوكراني يحتاج إلينا وهو في حاجة ماسة إلى دعمنا". وأضافت "يجب أن يتحمل بوتين وأعوانه المسؤولية. هذا القانون يفعل ذلك من خلال حماية الديمقراطية، والحد من الهجوم الروسي وتعزيز أمننا القومي"، حسب تعبيرها.
وفي موقف متماه مع الديمقراطيين، يعتبر الجمهوريون أن هذه المساعدة هي بمثابة رسالة قوية وحازمة لكل من الصين وإيران وكوريا الشمالية - كون جميع هذه الدول باعتقاد الادارة الامريكية، تراقب عن كثب رد واشنطن على السياسات الروسية - بأن أمريكا تقف بحزم مع حلفائها وستفعل ما هو ضروري لحماية مصالحها في الخارج.
الجدير بالذكر أن بايدن كان التقى في غرفة العمليات بالبيت الأبيض قبل إقرار المساعدة، رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي وستة أعضاء ديمقراطيين آخرين سافروا مؤخرًا إلى أوكرانيا وبولندا. وعند عودتهم رفع هؤلاء توصياتهم - الى الادارة الامريكية - التي تضمنت الدعوة الى مساندة الأوكرانيين الذين يحتاجون إلى طائرات بدون طيار متقدمة، وأسلحة بعيدة المدى مثل المدفعية والصواريخ والصواريخ المضادة للسفن.
كم بلغت القيمة الاجمالية للدعم المادي الأميركي المقدم لأوكرانيا منذ بداية الازمة؟
في الحقيقة، إن إصدار هذا القانون تم في الوقت الذي أصبحت فيه واشنطن متشددة بشكل متزايد بشأن أهدافها واستعدادتها لمدّ أوكرانيا بأسلحة أكثر تطوراً. وهو ما عكسه تصريح وزير الحرب لويد أوستن الذي جاهر في الفترة الماضية بأن "الولايات المتحدة تريد روسيا ضعيفة لا يمكنها استعادة قدرتها على مهاجمة دول أخرى بسرعة". زد على ذلك أن هذا الإجراء التشريعي، تزامن مع تكثيف الهجمات الروسية على ميناء أوديسا بجنوب أوكرانيا، فيما يبدو أنها محاولة لعرقلة تسليم أسلحة غربية.
وتبعًا لذلك، جاء هذا التشريع الجديد الذي رفع الدعم الأمريكي لجهود المساعدة لأوكرانيا إلى ما يقرب من 54 مليار دولار، بما في ذلك 13.6 مليار دولار أمريكي من الدعم الذي سنّه الكونغرس في اذار الماضي. المفارقة، انه يزيد بمقدار 6 مليارات دولار عما أنفقته الولايات المتحدة على جميع مساعداتها الخارجية والعسكرية في العام 2019، وفقا لتقرير صدر عن خدمة أبحاث الكونغرس غير الحزبية، التي تدرس القضايا للمشرعين.
أما الأهم فهو أن هذه المساعدة، تمثّل أيضًا حوالي 1 في المائة من الميزانية الفيدرالية بأكملها.
ماذا عن موافقة مجلس الشيوخ على هذه المساعدات؟
يبدو أن موافقة مجلس الشيوخ على المساعدات الأوكرانية مؤكدة، إذ إن أعضاء من كلا الحزبين شددوا على ضرورة الحاجة إلى اتخاذ إجراء سريع لوضع هذه المساعدات موضع التنفيذ.
ومع أنه لم يتضح متى سيتصرف مجلس الشيوخ تجاه هذا الدعم، لكن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (بولاية كنتاكي) أعلن موافقته المبدئية، وقال للصحافيين: "أعتقد أننا في طريقنا لإنجاز ذلك". وذهب مكونيل الى أبعد من ذلك، حيث دعا لتذليل العقبات الداخلية أمام هذا الدعم، وربطه مباشرة بمساعدة الأوكرانيين على كسب المعركة.
رغم ذلك، ارتفعت أصوات بعض الجمهوريين، متهمة الرئيس الامريكي جو بايدن، باستغلال موسم الانتخابات (النصفية)، كما طالبوا بوضع خطة صريحة تشرح الى اين ستصل أمريكا في ظل كل هذا الدعم.
المفاجئ أن أوكسانا ماركاروفا، سفيرة أوكرانيا لدى الولايات المتحدة، كانت قد حضرت مأدبة غداء منفصلة في الكونغرس الامريكي في نفس اليوم الذي أقرت فيه المساعدة، وأعربت عن امتنانها للدعم الذي تلقته بلادها. وأبلغت ماركاروفا أعضاء المجلس من الديمقراطيين والجمهوريين، ان بلادها استنفدت مخزونها من الأسلحة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، مؤكدة أن "استمرار دعم حلف شمال الأطلسي أمر حيوي".
كيف توزعت الـ40 مليارًا لأوكرانيا؟
خصصت هذه الرزمة المالية الجديدة من المساعدات لاوكرانيا، 6 مليارات دولار لتسليح وتدريب القوات الأوكرانية، و 8.7 مليار دولار لاستعادة مخازن الأسلحة الأمريكية التي كان تم شحنها إلى أوكرانيا و 3.9 مليار دولار للقوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
ليس هذا فحسب، يتضمن هذا المبلع دعما اقتصاديا بقيمة 8.8 مليار دولار لأوكرانيا، و4 مليارات دولار لمساعدة أوكرانيا وحلفائها في تمويل شراء الأسلحة والمعدات، و900 مليون دولار للإسكان والتعليم ومساعدات أخرى للاجئين الأوكرانيين في الولايات المتحدة.
الصادم في الامر أن بايدن والديمقراطيين ــ وفي أكبر تنازل لهم ـــ تخلوا عن خطط لإدراج مليارات الدولارات إضافية لزيادة إمدادات الولايات المتحدة من الأدوية واللقاحات والاختبارات لكوفيد-19. ويأتي هذا الرضوخ استجابة لسياسة الجمهوريين القائمة على خفض الإنفاق على الوباء.
ففي حال ذهبت هذه الأموال الى القضايا الصحية، فإن ذلك كان سيؤخر المساعدات لأوكرانيا في مجلس الشيوخ الذي يضم 50 صوتا مقابل 50 صوتا، حينها ستكون هناك حاجة إلى 10 أصوات على الأقل من الحزب الجمهوري لإقراره.
في المحصلة، فإن السخاء الأمريكي كما تشير التطورات ليس كرمى لعيون الشعب الاوكراني، بل إن أبعاده وأهدافه تتجاوز كييف، وباتت تتصل بمحاولة واشنطن شطب موسكو كقوة مؤثرة على الساحة الدولية وتحويلها الى دولة عادية، ولذا يبدو أننا أمام مواجهة ستطول بين البلدين وربما ستخرج من الحيز الجغرافي لاوكرانيا، وتمتد الى ساحات أخرى. وطبعًا ستكون الشعوب وقودها، وهذا أمر بديهي ما دامت مصالح مقاولي السلاح الأمريكي في أوج ازدهارها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024