آراء وتحليلات
ماذا بعد تحذيرات الأسد لتركيا؟
عبير بسّام
جاء الإنذار النهائي للعمليات العسكرية التركية صريحاً في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد على قناة "روسيا اليوم" في 10 حزيران/ يونيو. تأتي أهمية التصريح بعد ازدياد وتيرة التحركات العسكرية للأتراك في الآونة الأخيرة، والمترافقة مع إعلان المجلس القومي التركي أن العمليات العسكرية المستمرة على حدود تركيا الجنوبية هي ضرورة للأمن القومي التركي. لكن العمليات العسكرية التركية ستكون في الشمال السوري، ويبدو أن قطع المياه المتكرر عن دجلة والفرات لم يكن وراءه سوى رفع حالة الاستياء بين المواطنين لدفعهم لهجرة بيوتهم وأراضيهم. فمن الواضح أن أردوغان يحاول استعادة تجربة العام 2018 بعد خروج الأميركي واحتلال باقي الشمال السوري حتى مدينة القامشلي، تحت ذريعة التخلص مما يسميه "الإرهاب الكردي"، وذلك فقط من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.
خلال اللقاء، أكد الرئيس الأسد أن سوريا ستقاوم أي غزو تركي لأراضيها، وأن أي غزو سيواجه بمقاومة شعبية. وتحدث عن الصدام الذي حصل بين الجيش السوري والجيش التركي قبل عامين ونصف وكيف تمكن الجيش السوري من تدمير بعض الأهداف التركية آنذاك، وأن الوضع سيكون نفسه وبما تسمح به الإمكانات العسكرية. وهنا لا يمكننا إلا أن نستحضر عملية تحرير منبج في العام 2019، والتي تمخضت عنها بطولات رواها أصحابها فيما بعد، ومنها محاصرة كتيبة تركية لأيام، اذ أحاط بها رجال الجيش العربي السوري دون الاشتباك معها ما اضطرها للانسحاب مذعورة بعد تدخل الوساطة الروسية.
بات الثأر من السوريين عملية لا تحتاج للشرح بعد تصريح أردوغان مساء الأربعاء الماضي خلال اجتماع لحزب "العدالة والتنمية" أن تركيا: "ستخلص منطقتي تل رفعت ومنبج من الإرهابيين". وكانت هذه هي المواجهة التي تحدث عنها الرئيس الأسد خلال اللقاء، اذ أكد أن سوريا ستتعامل مع كل وجود عسكري فوق أراضيها بوصفه احتلالاً أجنبياً، وأنه على تركيا أن تضع في حسبانها مواجهة مع الجيش السوري وجهاً لوجه في حال بدء التوغل في الأراضي السورية. وكانت جريدة "البناء" قد تحدثت قبل أسبوع تقريباً عن بلاغ دمشق الذي وصل إلى القيادة التركية بأن سوريا لن تسمح بدخول الجيش التركي وأنها ستقاتله، وذلك عبر حليفي سوريا موسكو وطهران. كما أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أكد في 26 أيار/مايو الفائت دعم بلاده لسوريا في استعادة وحدة أراضيها، وأشار الى أن الولايات المتحدة تريد الإبقاء على الوضع متأزمًا في سوريا.
جاء قرار الحرب الأردوغاني في ظل استياء جماهيري تركي متصاعد منذ أشهر من وجود اللاجئين السوريين في تركيا، وتحميلهم مسؤولية الأعباء الاقتصادية التي تعاني منها بلادهم. وجاء أيضاً بسبب استياء أردوغان الشخصي، اذ تصطدم خططه لتحسين الاقتصاد التركي مرة تلو الأخرى بالعقبة السورية. فبعد رفض سوريا مرور خطوط الغاز القطري إلى أوروبا قبل العام 2011، وقفت سوريا عقبة في مشاريع منتدى شرق المتوسط الذي يضم الكيان العبري، والذي تسعى تركيا جاهدة لتكون جزءًا منه، خاصة أن المشروع مطروح منذ سنتين تقريباً، والهدف منه مد أنابيب الغاز من مصر وحتى تركيا، قبل وصولها إلى أوروبا، عبر مشروع أنابيب شرق المتوسط، الذي لن يرى النور ما دام الكيان الغاصب يحتل مرتفعات الجولان والأراضي السورية التي احتلها في العام 1967، وبالتالي فلا أمل لتركيا بالاستفادة من مرور أية خطوط غاز متوسطي إلى أراضيها.
وجاءت المحاولة الأخيرة بفتح باب الحوار مع القيادة السورية عبر ارسال رسائل إعلامية، لخلق حالة من المصالحة مع الدولة السورية، وتزامنت مع زيارات رسمية تركية إلى دول في الخليج العربي، وتصريحات تركية بأن هناك مفاوضات مع الجانب السوري من أجل بدء نوع من التعاون الاقتصادي، وأن أردوغان سيقبل التفاوض مع الإدارة السورية الحالية دون الاعتراف المباشر بشرعية الرئيس الأسد، جاء الجواب السوري صريحاً بأن الدولة السورية لن تجلس مع الأتراك ما داموا قوة احتلال في بلادها.
الجواب السوري ينفي كل ما تسرب في الإعلام التركي أو الإعلام الذي يدور في فلكه حول أي نوع من التعاون مع الأتراك من أجل فتح طريق للاستيراد والتصدير مع الخليج العربي عبر الأراضي السورية. وبالتالي لا تعاون سوري مع الأتراك.
جاء الموقف الوطني السوري متجانساً ومدعوماً بثلة من المواقف الدولية. اذ واجه القرار التركي معارضة كل من أوروبا والولايات المتحدة، التي ابتدأت تحركاتها من أجل ثني أنقرة عن القيام بأية مغامرة قد تفقدها ماء وجهها. فبدأ أردوغان بالبحث في دفاتره القديمة عبر تصوير أن حل مشكلة اللاجئين السوريين المتفاقمة في بلاده سيكون بالذهاب نحو حرب في الجنوب والعودة إلى مشروعه القديم "30 كم منطقة أمنية عازلة في داخل الشمال السوري"، يقوم بإخلائها من سكانها وإعادة إسكان اللاجئين السوريين مكانهم.
في الحقيقة إن العملية العسكرية التي انطلقت في الشمال الغربي للعراق تحت عنوان "المخلب- القفل" ليست إلا مقدمة لبدء الحرب في الشمال السوري. فالعين التركية ترصد كلًّا من تل رفعت وعين العرب تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. والأهداف المحددة بتجريد الأكراد من سلاحهم ليست سوى البداية في المشروع التركي. اذ سيبدأ بتجريد "المنظمات الإرهابية" الكردية من السلاح، حيث تعتبر تركيا قسد "قوات سوريا الديمقراطية"، امتداداً للـ PKK. والأخيرة على علاقة وطيدة مع الاحتلال الأميركي في شرق الفرات، وبالنسبة للسوري هي بمثابة قوات سعد حداد أيام الاحتلال في لبنان، وهنا أشار الرئيس الأسد إلى العملاء، الذين لولاهم لما استطاع المحتل الأميركي فرض بقائه في منطقة الجزيرة السورية الشرقية، أو حتى في إدلب المحتلة من قبل الأتراك وإرهابييهم.
ابتدأ فصل التحرش التركي الجديد بالقصف المدفعي على تل رفعت. وتل رفعت كان وما يزال هدفاً استراتيجياً تركياً. ولكن أي هجوم تركي في الشمال السوري لن يكون إلا بتوافق روسي - أميركي. وهذا التوافق مستحيل التحقق اليوم في ظل الحرب الروسية - الأميركية في أوكرانيا. وبالتالي فإن أي موافقة أميركية على بدء المعركة تعني تخليا أميركا عن كبش الفداء الذي يحمي جنودها من ضربات المقاومة التي تشكلت فعلياً في شرق الفرات، المقاومة التي أشار إليها الرئيس الأسد، والتي بتنا نرى نتائج ضرباتها وآخرها في حقل العمر منذ أيام قليلة.
هناك ضغط يتزايد في كل يوم على كل من تركيا وحليفتها اللدودة، الولايات المتحدة في سوريا. اذ تزداد فوق رأسيهما ضربات المقاومة السورية وآخرها قصفان صاروخيان: الأول في 7 نيسان/أبريل والثاني في 29 أيار/ مايو على قاعدتها العسكرية في حقل العمر. إذً، تركيا لا يمكنها تجاوز الموقف الدولي ضد تحركها العسكري في سوريا وبات لزاماً عليها أن تحسب حسابه لأنه سيحمّلها النتائج منفردة، هجوم لن يتمخض إلا عن إنجاز جديد يسطره رجال الجيش العربي السوري كما عودنا دائماً. وتقول الأنباء اليوم إن قوات الجيش العربي السوري تزيد من تعزيزاتها في تل رفعت كما رفعت من جهوزيتها في مطار منغ العسكري، وسيبدأ فصل آخر من تمريغ أنف أردوغان بوحل منبج ثانية، أردوغان الذي لا يريد أن يفهم أن ليس أمامه اليوم سوى تطبيق اتفاق أستانة من جديد والتراجع مبدئياً شمالاً إلى الحدود الجنوبية التي منحها الفرنسيون للأتراك في كليكية ولواء اسكندرونة السوريين.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024