معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

طهران تنافس القوى العظمى: دلالات افتتاح خط إنتاج "درونز" بطاجيكستان
21/06/2022

طهران تنافس القوى العظمى: دلالات افتتاح خط إنتاج "درونز" بطاجيكستان

د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي

 

رغم الحصار الخانق ومختلف أنواع العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على الجمهورية الاسلامية الايرانية منذ حوالي 40 عامًا على كافة الصعد الاقتصادية والمالية والصحية والعسكرية والطاقة ـ لو قدّر لواشنطن وحلفائها منع الهواء عنها لفعلوا ـ استطاعت الجمهورية الاسلامية الايرانية ليس فقط أن تفرض نفسها بين الدول الاوائل على مستوى العالم، فيما يتعلق بصناعتها لطائرات بدون طيار وامتلاكها ترسانة ضخمة (متعددة الانواع والطرازات الحديثة والمتطورة)، بل أصبحت أيضًا منافسًا قويًا للقوى العظمى في انتاج وتصدير هذه الطائرات وتطوير قدراتها، وهذه ميزة تقتصر على بعض الدول الكبرى فقط.

 

ما بين  16 إلى 17 أيار الفائت، وفي ذروة الاهتمام في أوراسيا بالمعارك الروسية ـ الأوكرانية، زار رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري طاجيكستان، حيث التقى بالرئيس إمام علي رحمان وكبار المسؤولين العسكريين.

الى هنا يبدو الخبر عاديا. لكن الجديد والذي نزل كالصاعقة على واشنطن والكيان الغاصب وقضّ مضاجعهما، واعتبراه حدثًا مدويًا، هو افتتاح الجنرال باقري مع المسؤولين العسكريين الطاجيك، مصنعًا إيرانيًا للطائرات من دون طيار من طراز "أبابيل-2" في العاصمة الطاجيكية دوشانبي.

في أي عام بدأت إيران باستخدام طائرات "ابابيل"؟

في الحقيقة، تعود محاولات إيران الأولى للحصول على الطائرات دون طيار إلى ما بعد الثورة الاسلامية، ومنذ ذلك الحين نجحت طهران في إنتاج طائرات من دون طيار بقدرات متنوعة ومنها أبابيل.

تم استخدام السلسلة الاولى من الطائرات بدون طيار (Ababil-1)، التي بنتها الشركة الصناعية الإيرانية لصناعة الطائرات (HESA)، خلال المراحل اللاحقة من الحرب المفروضة على ايران 1980-1988، وفيما بعد، حققت طهران نجاحات باهرة في صناعة واستنساخ أنواع متعددة من الطائرات بدون طيار منها "ابابيل 2".

تعتبر Ababil-2 طائرة بدون طيار تكتيكية منخفضة التكلفة، مصممة لمهام الاستطلاع والمراقبة والهجوم. يبلغ مداها 200 كيلومتر، ويمكن أن تبقى في الهواء لمدة 1.5 ساعة ويمكن أن تصل إلى ارتفاع 11000 قدم. تستخدم هذه الطائرات في عمليات المراقبة والاستطلاع، بحيث تتمتع بقدرة على مراقبة مساحة 770 كيلومترا مربعا. علاوة على ذلك، لديها القدرة على الإقلاع من القوارب  العادية والسريعة، فضلا عن الشاحنات العسكرية الكبيرة.

ما هي أهمية وتداعيات هذه الخطوة الايرانية الاستراتيجية؟

حازت زيارة اللواء باقري على اهتمام غربي و"اسرائيلي" سياسي ودبلوماسي واعلامي واسع النطاق، كما أثارت عددا من التساؤلات حول أهميتها وتوقيتها والغاية منها والأهداف التي تسعى اليها كل من إيران وطاجكستان، فضلًا عن انعكاسات هذه الخطوة على مستقبل العلاقات بين البلدين، وتداعياتها على المستويين العالمي والاقليمي، بحيث يمكن تلخيص الاجابة عن هذه الأسئلة بالآتي.

أولاً، رغم أن تاريخ تصنيع الطائرات بدون طيار في إيران يعود إلى ثلاثة عقود ماضية، فهذه هي المرة الأولى التي تطلق فيها إيران رسميًا وعلناً خط إنتاج تشغيليا للطائرات بدون طيار في بلد آخر. فالمصنع هو نتيجة تنفيذ الاتفاقيات الثنائية التي توصلت إليها اللجنة العسكرية والدفاعية المشتركة في البلدين، خلال زيارة وزير الدفاع الطاجيكستاني العقيد شيرالي ميرزو إلى طهران في 5 نيسان/أبريل 2021.

طهران تنافس القوى العظمى: دلالات افتتاح خط إنتاج "درونز" بطاجيكستان

ثانيًا، يُعد التعاون العسكري بين إيران وطاجيكستان، بما في ذلك افتتاح مصنع أبابيل 2 الإيراني للطائرات بدون طيار في دوشانبي، من أهم وأبرز نتائج قضية رفع حظر السلاح عن إيران.

وغني عن التعريف، انه بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 (في تموز/يوليو 2015) الذي صادق على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بشأن البرنامج النووي الإيراني، انتهت صلاحية جميع القيود المفروضة على توريد جميع الأسلحة الرئيسية إلى إيران في تشرين الاول/ أكتوبر 2020.

وتبعا لذلك ستكون طهران قادرة قانونيا على شراء وبيع الأسلحة التقليدية بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والصواريخ والمروحيات والدبابات. أما ما يخشى منه الغرب ومعه "اسرائيل"، فهو أنه على المدى الطويل يمكن أن تصبح إيران منافسًا جديدًا لروسيا والصين وتركيا و"إسرائيل" من حيث صادرات المعدات العسكرية إلى آسيا الوسطى.

ثالثًا، يشكل تطوير التعاون العسكري والدفاعي بين إيران وطاجيكستان، دليلا قويا على تحسن العلاقات بين الدولتين، وخفض التصعيد في علاقاتهما الثنائية، حيث لعبت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى طاجيكستان في ايلول/ سبتمبر 2021 (أول رحلة خارجية له كرئيس للدولة) دورا مهما في طي صفحة الخلافات والتوترات بين البلدين بعد عام 2015.

أكثر من ذلك، بعد أيام قليلة فقط من زيارة الجنرال باقري إلى دوشانبي وافتتاح مصنع أبابيل-2، توجه الرئيس رحمان إلى طهران للمرة الأولى منذ تسع سنوات، وكان له لقاء مع الامام السيد علي خامنئي الذي قال "مثل هذا التعاون مهم للغاية. الطائرات بدون طيار هي عامل مهم في أمن البلدان اليوم".

رابعا، لا يمكن فصل هذا التعاون الأمني "النوعي" والمعزز، عن مسألة انتقال إيران الأوسع نطاقا من مراقب إلى عضو دائم في منظمة شنغهاي للتعاون. إذ ان طهران كانت انضمت بالكامل إلى "منظمة شنغهاي"، في القمة التي عقدت في دوشانبي، في الفترة ما بين 16 إلى 17 أيلول/ سبتمبر 2021. وعليه ستعزز الاتفاقات العسكرية الأخيرة مع طاجيكستان، موقع إيران العسكري والدفاعي في "منظمة شنغهاي" وتمهد الطريق لاتفاقيات مماثلة مع دول آسيا الوسطى الأخرى.

خامساً، من المتوقع أن يساهم هذا التعاون العسكري بين البلدين في تعزيز وتقوية الوسائل والامكانات الأمنية لطاجيكستان، من خلال الحصول جزئيا على قدرات عسكرية محسنة للطائرات بدون طيار بمساعدة طهران، وذلك لمواجهة التهديدات الارهابية من تنظيم "داعش" وحركة طالبان، لا سيما ان طاجيكستان، تشترك في حدود طولها 1200 كيلومتر مع أفغانستان. كما ان طهران بدورها أيضا تشترك في حدود طولها 945 كيلومترا مع أفغانستان، وواجهت مخاوف أمنية مماثلة منذ أن استعادت طالبان كابول.

وعلى الرغم من أن القاعدة العسكرية الروسية رقم 201 تقع في دوشانبي، وأن روسيا عززت هذا الموقع بدبابات وأنظمة دفاع صاروخي جديدة منذ عودة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، فإن تركيز موسكو الحالي ينصب على حربها ضد أوكرانيا.

سادسا، تساعد هذه الخطوة الطاجيكية الايرانية في تحقيق توازن عسكري بين طاجيكستان وقيرغيزستان، بعد ان شهد البلدان العديد من حوادث العنف والتوترات الحدودية خلال العام الماضي. ولذلك كانت قيرغيزستان أول دولة في آسيا الوسطى تشتري الطائرة بدون طيار القتالية من طراز Bayraktar TB2 التركية الصنع.

وانطلاقا من هذه النقطة، فإن تطوير التعاون الدفاعي والأمني بين انقرة وقيرغيزستان (العضو في منظمة الدول التركية) وكذلك النجاح المعلن للطائرات بدون طيار التركية في حرب كاراباخ الثانية وفي أوكرانيا، لعب دورًا مهمًا وحاسما في قرار حكومة طاجيكستان افتتاح المصنع الإيراني في دوشانبي.

ماذا عن موقف موسكو؟

لفت صمت موسكو فيما يتعلق بالتعاون العسكري الإيراني الطاجيكي ــ خصوصا افتتاح مصنع أبابيل 2 في دوشانبي ـــ انظار المرقبين، مع ان بعض وسائل الإعلام الروسية تفاعلت مع هذه القضية لكنها تجنبت اي خطاب نقدي. ليس هذا فحسب، إذ لم يعلق المسؤولون الروس علنًا. وبالتالي، فإن صمت موسكو قد يشير إلى مستوى من الرضا الروسي عن هذا التعاون الأمني بين إيران وطاجيكستان، وخاصة لمواجهة تهديد الإرهاب والتطرف من أفغانستان.

في المحصلة، يبدو أن منطق روسيا في هذا الصدد يشبه قبولها للتعاون العسكري بين الصين وطاجيكستان. إضافة الى ذلك تفضل موسكو أن يتلقى حلفاؤها الإقليميون المقربون دعمًا دفاعيًا وأمنيًا من إيران والصين، بدلا من تركيا والدول الغربية. والاهم ان روسيا لم يبقَ لها حلفاء اوفياء سوى بكين وطهران في هذه المرحلة.

طاجيكستان

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات