معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

كالينينغراد خنجر روسي في قلب أوروبا.. والأطلسي يحاول نزعه
27/06/2022

كالينينغراد خنجر روسي في قلب أوروبا.. والأطلسي يحاول نزعه

د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي

ما كانت تخشى منه موسكو وقع. إذ نجح حلف الأطلسي في استخدام ليتوانيا كحصان طروادة لتنفيذ مخططاته في مقاطعة كالينينغراد الروسية، من خلال اطباق الحصار عليها، وبالتالي قطع تواصلها الحيوي مع الأراضي الروسية وشد الخناق على هذه المنطقة الاستراتيجية الشديدة الأهمية لموسكو ـ بحجة تطبيق العقوبات الأوروبية ـ نظرًا لوقوعها في الجانب الأوروبي، في محاولة لفتح جبهة مواجهة جديدة مع الكرملين، بهدف اشغاله وتخفيف الضغط عن كييف.

ما قصة حصار ليتوانيا لكالينينغراد؟

في 17 حزيران/ يونيو الحالي، نشر حاكم كالينينغراد أنطون أليخانوف مقطع فيديو على قناته على "تيليغرام" يقول فيه إنه تلقى "أخبارًا غير سارة" مفادها أن ليتوانيا تحظر مرور البضائع بين البر الرئيسي لروسيا وكالينينغراد بسبب العقوبات الأوروبية.

وكشف أليخانوف أن الحظر ـ الذي تصر ليتوانيا على أنه غير موجود ـ يغطي حوالي نصف المواد التي تستوردها كالينينغراد، ويشكل "انتهاكًا فادحًا" لالتزام الاتحاد الأوروبي بالسماح بالتدفق دون عوائق للبضائع بين البر الروسي وكالينينغراد.

إلى هنا تنتهي الرواية الروسية لحصار كالينينغراد، لكن ماذا عن التنفيذ؟

في خضم التوترات المتزايدة والمتصاعدة بين "الناتو" وروسيا، تصدرت محطة سكة حديد البلطيق في الأيام القليلة الماضية الاهتمامات الدولية، بعدما وجدت نفسها في قلب منازلة جديدة محفوفة بالمخاطر بين الشرق والغرب، وربما قد تتحول الى خط تماس، قد يفجر أزمة أو حرب بين حلف الأطلسي وروسيا في أي لحظة.
 
في الحقيقة، يسهم الموقع الجغرافي لتلك المحطة باحتمالات وقوع احتكاك أطلسي ـ روسي، لا سيما وانها تقع على الحدود بين ليتوانيا ـ العضو في حلف شمال الأطلسي والداعم القوي لأوكرانيا ـ وبين كالينينغراد وهي منطقة روسية في بحر البلطيق ـ تضم ترسانة صواريخ غير تقليدية قادرة على حمل رؤوس نووية ـ ولكنها غير متصلة فعليًا وماديًا ببقية روسيا.
 
كيف استغل "الناتو" محطة البلطيق لحصار كالينينغراد؟

على أرض الواقع، تمتد خطوط السكك الحديدية لمحطة البلطيق الاستراتيجية تلك، من بلدة كيبارتاي الليتوانية ــ التي تغزوها الأعلام الأوكرانية لاستفزاز موسكو ـ غربا إلى كالينينغراد، والأهم أنها تُعد المنفذ الرئيسي لإمداد كالينينغراد بالبضائع، ولكنها في الوقت ذاته تتبع خط صدع استراتيجي يحتمل أن يكون متقلبًا على أطراف أوروبا.

لم تكن كالينينغراد خارج الحسابات الأطلسية كورقة يتم استخدامها ضد موسكو متى حانت اللحظة المناسبة. ولهذا جاء اختيار ليتوانيا للقيام بمهمة الحصار بسبب للتواصل الجغرافي بينهما. غير أنه بعد اتهام موسكو لأوروبا بالعمل على قطع طرق القطارات والشاحنات التي تزود كالينينغراد بالإمدادات الحيوية، ارتفعت حدة التوتر بين روسيا والغرب حول هذه المنطقة الهامة، والتي كانت هامدة لمدة طويلة.

ماذا عن الرد الروسي؟

في أعقاب هذه الخطوة الليتوانية المدفوعة أطلسيًا للانتقام من روسيا، هددت موسكو باتخاذ تدابير رادعة (لم يكشف عنها)، وفي هذا الاطار حذر نيكولاي باتروشيف رئيس مجلس الأمن في الكرملين وأحد أقرب مستشاري الرئيس فلاديمير بوتين في 21 حزيران/ يونيو الحالي خلال زيارة إلى كالينينغراد من أن "روسيا سترد بالتأكيد على مثل هذا العمل العدائي". وشدد على أن "موسكو ستتخذ إجراءات في المستقبل القريب، سيكون لها تأثير سلبي خطير على سكان ليتوانيا".

أثار التهديد الروسي القلق والاستنفار في واشنطن والعواصم الأوروبية، الذين سعوا منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قبل أربعة أشهر، الى تجنب المواجهة المباشرة بين روسيا والناتو.

ليس هذه فحسب، ففي ليتوانيا اجتمع الوزراء والمشرعون الليتوانيون لدراسة الردود الروسية المحتملة، ومناقشة كيف أدت العقوبات الأوروبية إلى بروز عواقب غير مقصودة وربما خطيرة على ليتوانيا. المثير للسخرية، أن لوريناس كاسسيوناس رئيسة لجنة الدفاع والأمن الليتوانية التي ترأست الاجتماع قالت "لم يكن أحد يريد أو يتوقع أي شيء من هذا.. نعلم جميعًا مدى حساسية كالينينغراد للروس".

هل يتوقع الاطلسي اقدام الكرملين على رد عسكري ضد ليتوانيا؟

حاليا يستبعد "الناتو" أن تقدم روسيا على أي عمل عسكري ضد ليتوانيا، ويعتبر أن قدرتها على القيام بذلك دون اللجوء إلى الأسلحة النووية، تقلصت بشدة. وفي هذا السياق قال بيتر نيلسن، وهو عقيد دنماركي يقود وحدة تابعة للناتو في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، إنه لم ير "أي علامات في الأيام الأخيرة على أن روسيا تستعد لأي عمل عسكري جديد ضد ليتوانيا". واضاف "لم أنم جيدا في الشهر الذي سبق الغزو الأوكراني. الآن أنام جيدا جدا".

أما سبب اطمئنان الاطلسي فيعود الى زعمه أن نحو نصف القوات والمعدات الروسية التي كانت تتمركز سابقا في كالينينغراد، أعيد نشرها في أوكرانيا. لكن مع ذلك، فإن الهواجس ما زالت مسيطرة على قادة الاطلسي، الذي يرون أن ما قد تفعله روسيا في النهاية، سيعتمد على عقل بوتين، و"لا يمكننا النظر في ذلك".

الأكثر ترجيحا، وفقا لمسؤولين في ليتوانيا، هو التدخل الروسي في ممرات الشحن بالقرب من ميناء البلطيق الرئيسي في ليتوانيا، كلايبيدا، من خلال القيام بتدريبات العسكرية، أو تعطيل شبكة الكهرباء التي تربط روسيا وبيلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا.
 
ما هي الخطوات التي اتخذها الأطلسي لحماية ليتوانيا؟

تحسبا لاي خطوة روسية مفاجأة، عززت الولايات المتحدة قوات حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا، بنشرها حوالي 700 جندي أمريكي يتناوبون الآن في البلاد لاستكمال وحدة نظامية من 1150 جنديا ألمانيا و250 هولنديا و200 جندي نرويجي. وفي هذا السياق قال العقيد الدنماركي نيلسن: "إن هذا يجعل توجيه ضربة عسكرية روسية ضد ليتوانيا أمرًا مستبعدًا إلى حد كبير حتى لو كانوا مجانين".

وبينما قلل المسؤولون الحكوميون من أهمية التهديدات الروسية، فإن أعصاب الليتوانيين متوترة ومشدودة. وللمساعدة في تهدئة هذه التوترات، تعهدت الولايات المتحدة في  22 الجاري بتقديم دعم "صارم" في حالة العمل العسكري أو أي عمل انتقامي آخر من قبل روسيا.

على المقلب الاخر، رفضت رئيسة الوزراء الليتوانية إنغريدا سيمونيت، المزاعم الروسية بالحصار ووصفتها بأنها "كذبة" وأصرت على أن ليتوانيا كانت ببساطة "ملتزمة بالعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بسبب عدوانها وحربها ضد أوكرانيا".

في الختام، يبدو أن سيناريو زج الأطلسي لأوكرانيا لمواجهة روسيا، تم نقله الى هذه المرة الى ليتوانيا التي أبدت حماستها للقبول بهذا الدور، لتكون بذلك كبش محرقة، كانت كييف سبقتها الى هذه الفخ سابقا.

ليتوانيا لم تأخذ العبر مما يحصل لاوكرانيا، بل انها تبدو مصرة على الذهاب بعيدا في المواجهة مع موسكو، حيث تنتظر الآن أن تصدر المفوضية الأوروبية مبادئ توجيهية دقيقة حول كيف ومتى بالضبط ينبغي تطبيق العقوبات المفروضة على البضائع الروسية التي يعمل على نقلها إلى كالينينغراد؟

الناتوكالينينغراد

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة