آراء وتحليلات
"اسرائيل" رافضة للاتفاق النووي مهما كانت بنوده.. فما هي خياراتها؟
شارل ابي نادر
يسافر رئيس "الموساد" دايفيد بارنياع الأسبوع القادم إلى واشنطن، في إطار المحاولات الإسرائيلية لعرقلة التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران.، وسيتحدث أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، بحسب صحيفة "يديعوت احرنوت". وستكون هذه الزيارة أحدث المحاولات الإسرائيلية لثني القوى الغربية عن العودة إلى الاتفاق المبرم مع طهران في العام 2015.
وتعتبر "إسرائيل" أن "الاتفاق سيسهل تمويل المسلحين المدعومين من عدوها اللدود إيران ولن يمنع طهران من تطوير سلاحها النووي، وهو ما تنفي الجمهورية الإسلامية السعي إلى تحقيقه". ووفقًا لرئيس وزراء العدو يائير لابيد، فإن الاتفاق الجديد: "يجب أن يتضمن تاريخ انتهاء صلاحية وأن يخضع لإشراف أكثر إحكاما ويساهم في معالجة برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية وتورطها في الإرهاب في كافة أنحاء الشرق الأوسط"، على حد تعبيره.
في الواقع، ما يقوله لابيد ليس جديدًا، وكذلك ما يقوله غيره من المسؤولين العسكريين أو الأمنيين أو السياسيين في الكيان، فهم جميعًا يرددون نفس العبارات والتعليقات حول كل ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، وهذا الأمر لا يحصل فقط مع قرب إمكانية اعادة العمل بالاتفاق، بل إن هذا التوجه الشامل تقريبًا كان وما زال على نفس المستوى من السلبية والتشدد لدى كل مستويات العدو.
فما هي حقيقة هواجس العدو حول الاتفاق النووي؟ ولماذا هذا الرفض المطلق؟ وماذا يريد بالتحديد في هذا الإطار؟
اذا انطلقنا من النقطة الأساس، والتي تتمحور حول منع ايران من الحصول على قنبلة نووية، أو منعها من الوصول لأن تكون دولة نووية، (وبمعزل عن أن ايران صرحت وتصرح دائمًا بأن هدفها لم يكن بتاتًا الحصول على قنبلة نووية) فإن كل الدول الكبرى، الغربية أو الشرقية، والمعنية بادارة وضبط الأسلحة النووية لدى الدول الأخرى، رأت منذ ما قبل الاتفاق النووي مع إيران بنسخته الأولى عام 2015 أن السبيل الوحيد لمنع ايران من الحصول على "قنبلة نووية" ـ حسب مزاعمهم ـ هو ما تم الاتفاق عليه حينها، وراعية "إسرائيل" الأولى والأقوى أي الولايات المتحدة الأمريكية، هي أول من لمس هذه المعادلة واقتنع بها حينها، والتي رأت آنذاك أن مصلحة وأمن "إسرائيل"، مؤمّنة بالحد المناسب في هذا الاتفاق.
حينها، وبعد مخاض طويل من النقاشات والخلافات التي لم تفض الى اقتناع الكيان الصهيوني بجدوى الاتفاق، ومع إصرار "إسرائيل" على "خربطة" الاتفاق، وبعد حملة صهيونية عنيفة وواسعة، رضخ وانسحب الرئيس الاميركي الأسبق دونالد ترامب من الاتفاق بحجة أن الأخير لم يستطع ضبط تطور امكانيات وقدرات ايران الاخرى، المتعلقة بالصواريخ والمسيّرات، أو بكل ما يرتبط بالقدرات العسكرية التقليدية، وبالنفوذ أو العلاقات القوية التي نسجتها مع قوى ودول فاعلة في المنطقة مناهضة للكيان الصهيوني.
اليوم، ما زالت المعزوفة نفسها تتردد على ألسنة كل المسؤولين الإسرائيليين بأنه "اتفاق سيئ لن يراعي معالجة قدرات إيران العسكرية التقليدية، وعلاقاتها ونفوذها في المنطقة"، يضاف إليها، ما سوف تجنيه طهران من عودة الأميركيين الى الإتفاق: عشرات أو مئات مليارات الدولارات، بين أموال سابقة مجمدة ومداخيل جديدة ضخمة، بدل كميات هائلة من النفط والغاز الإيراني التي سوف تتدفق بسرعة على أوروبا، لتكون بديلًا مقبولًا للطاقة الروسية، وهذه الأموال ـ بحسب الإسرائيليين ـ ستكون رافدًا قويًا لتطوير القدرات الإيرانية أكثر وأكثر، وهي نفسها التي شكلت الهواجس القاتلة للكيان، أي القدرات العسكرية الاستراتيجية التقليدية (صواريخ ومسيرات، يضاف اليها منظومات متطورة من الدفاع الجوي) والنفوذ والعلاقات في المنطقة.
اذًا، بالنسبة لـ"اسرائيل"، سيبقى الخطر الايراني يدور في نفس الدائرة: ايران نووية تساوي كارثة عليها، أو ايران غير نووية تساوي إيران غنية وقادرة على الاستفادة من ثرواتها، لخدمة إمكانياتها العسكرية والعلمية ونفوذها وعلاقاتها ودعمها لقوى وأطراف وأحزاب وحركات مقاومة، تعادي الكيان ومقتنعة بالكامل بوجوب انهاء احتلاله على الأقل، وبالحد الأعلى، إزالته من الوجود.
ما هو الحل بالنسبة لـ"اسرائيل"؟
طبعًا، لن يكون هناك حل للكيان الذي لن يقبل بأي اتفاق أو تسوية أو وضعية، تكون فيها ايران موجودة بامكانياتها العلمية والاقتصادية والفكرية والعقائدية والعسكرية. وستبقى "إسرائيل" غير راضية ولا مقتنعة بأي اجراء أو مسار يتعلق بعلاقة ايران مع المجتمع الدولي، إلّا اذا.. وهنا بيت القصيد في استراتيجية الكيان:
طالما بقيت ايران قائدة لمحور مواجهة المحتل إلاسرائيلي، وراعية لحركات مقاومة هذا الكيان المغتصب للارض وللمقدسات العربية الاسلامية والمسيحية، ومهما كان موقعها في المنظومة الاقتصادية والسياسية الاقليمية والدولية، دولة نووية أو غير نووية، دولة نفطية أو ممنوعة من الاستفادة من ثرواتها، ستبقى "إسرائيل" رافضة لأي نوع من أنواع التفاهمات والتسويات الدولية أو الاقليمية مع ايران، مهما كانت بنود هذه الاتفاقات والتسويات، إلا اذا تخلت ايران عن قيادة ورعاية محور مقاومة "إسرائيل"، وتنازلت عن مطالبتها وسعيها لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي وللمقدسات العربية والإسلامية، وهذا ما لن يحصل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024