آراء وتحليلات
الكابيتال كونترول حاجة.. ولكن؟
هاني ابراهيم
ما زال مشروع قانون وضع بعض الضوابط الاستثنائية على بعض العمليات المصرفية الـ"كابيتال كونترول" الذي نادى به كثيرون مهمًّا رغم التأخير في إقراره.
جمعيات ولجان نادت ولا تزال تنادي بهذا القانون علّها تجد ضالتها ببعض المواد التي تحد من السحوبات وتساوي بين المودعين دون أن يكون هناك مودع محظي يستطيع تحويل وسحب ما يشاء من وديعته بطريقة أو بأخرى، ومودع آخر مغبون لا يُعطى حتى قوت يومه، أو حتى تكلفة طبابة أو تعليم.
وعقد مجلس النواب جلسات لمناقشة مشروع القانون المرسل من الحكومة، لكن بالرغم من أهميته وضرورة وجوده، إلا أن دون ذلك عوائق مختلفة ومتعددة في شتى الاتجاهات. ما سنطرحه في هذا المقال هو الجانب القانوني للمشروع والتساؤلات المطروحة حول مدى نضوج المشهد العام المُهيّئ لإقرارهذا المشروع.
شهدنا في الآونة الأخيرة مجموعة من التجاذبات والاعتراضات حول مشروع القانون هذا لا سيما حق المودع باللجوء إلى القضاء لاستعادة وديعته، وهو حق مطلق ومقدّس، فكيف قارب مشروع القانون هذا الأمر؟ وهل لحظ القانون الدعاوى التي تقام خارج البلاد؟
يدرك كل من يعمل في القانون أو يتابع شؤونه أن مصطلح الأثر الرجعي للقانون أو ما يعرف بالـretroactive action هو مصطلح - على قدر أهميته في الساحة القانونية - محصور في أمور محدّدة، لا بل تُحدد تفاصيله بالقانون الموضوع على ساحة التشريع، وتُذكر بشكل واضح، فهل تطبيقه من عدمه في الكابيتال كونترول في مكانه القانوني؟
ذهب بعض من أعطى رأيه في هذا الاطار الى أنه في حال اقرار قانون الكابيتال كونترول يجب اقراره بالأثر الرجعي له وبالتالي تكريس للحق الواضح والصريح للمودع بمقاضاة المصارف تحت عنوان ممارسة حق مقدس مكرس بالقانون والدستور وبالتالي تبقى الدعاوى قائمة.
فيما ذهب مشروع القانون إلى المناداة بتجميد كافة الدعاوى السابقة أي بأثر رجعي وبالتالي تصبح دون أي قيمة قانونية كما ومنع مداعاة المصارف لاحقًا بعد اقرار القانون وحرمان المودع ليس فقط من ممارسة حقه، بل نسيان ما وقع من عمليات اقتطاع من رأس ماله ووديعته، بل يصبح المبلغ المتبقي في مصرف لبنان من أموال المودعين كافة دون تمييز على قاعدة المساواة بينهم.
لكن ما غاب عن بال المشرع ضرورة أن يترافق مع ذلك العمل على تحديد الخسائر في هذا السياق وبالتالي على كل مودع أن يعلم نسبة خسارته بالنظر الى وديعته، وبالتالي لا يكون هناك مودع محظي وآخر مغبون.
ولكن ماذا عن المقاضاة التي تحصل خارج لبنان؟ جزء لا يستهان به من اللبنانيين والأجانب قد ذهبوا باتجاه القضاء الأجنبي في الخارج، وذلك لعدة اعتبارات لا مكان لمناقشتها الآن، وقد كسبوا هذه الدعاوى وبالتالي استرجعوا كل أموالهم فيما اللبناني في لبنان يستجدي المصرف قوت يومه. لم يقرب قانون الكابيتال كونترول الى هذه الحيثية، فهل سيسترجع الاموال من المودعين الذين استعادوا أموالهم من المصارف بموجب أحكام قضائية في الخارج؟ وماذا عن المودعين الذين لا يملكون قدرة مقاضاة المصارف في الخارج؟ ما يعني أننا أمام مودع قادر على المطالبة والحصول على أمواله كافة دون اقتطاع، وآخر مغبون لا حول له ولا قوة، وهذا أمر يجب أن يناقش في هذا الاطار.
أما الجانب الآخر فهو في موضوع تركيبة اللجنة المقترحة والتي تتألف من المجلس المركزي في مصرف لبنان الى جانب خبيرين اقتصاديين، بالنظر لما يملكه هذا المجلس من معلومات واشارات ومعطيات تساعده على اتخاذ القرارات المناسب في الوقت المناسب وبالسرعة المطلوبة التي تتناسب مع حركة السوق. لذا أكثر من اشكالية تطرح عند هذه النقطة. ألم يكن المجلس المركزي والمصرف برمته مسؤولًا عما وصلنا اليه من وضع مهترىء ماليًا ونقديًا؟ أليست تعاميمه وقرارته التي ما زالت تصدر حتى اللحظة تساعد وتساهم في التدهور أكثر فأكثر؟ فكيف نضع هذا الأمر بعهدة الجاني وبالتالي نطبق قول الشاعر "أنت الخصم والحكم"؟ أين القضاء من هذه اللجنة؟ ومن سيراقبها؟ من سيقيّم قراراتها وصحتها؟ يجب تقييد حركة المجلس في هذا الاطار واعطاؤه صلاحيات ضيقة والعودة إلى مجلس النواب إذا اقتضى الأمر لجهة تفسير أو تعديل أو شرح أي نص أو مادة وأن لا يترك الأمر على غاربه للمجلس المركزي.
تبقى سقوف السحوبات الشغل الشاغل للمودع وهمّه الأول، كونها تُعتَبر مدخلًا أساسيًا ورئيسيًا للحصول على وديعته أو أقله بداية حل لهذا الأمر، فهل يجوز وضع تحديد هذا السقف بيد المسؤول عن ضياع الأموال؟ وهل من الطبيعي أن يكون الأمر منوطًا بالمجلس المركزي بالتنسيق مع المصارف تحت ذريعة أنها الجهة القادرة على تحديد قدرات المصارف على الدفع للمودعين؟ ألا يعتبر ذلك قوننة للتسلط على المودعين وأموالهم وتحكم برقاب العباد وبالتالي يصبح الأمر الواقع قانونًا تتجرأ به المصارف على المودعين؟
لذا، فإن قانون الكابيتال كونترول ورغم أهميته، لا يمكن اقراره بمعزل عما يترافق معه من سلسلة قرارات وقوانين وخطط تساهم بطريقة أو بأخرى في إكمال المشهد النقدي والمالي العام في البلاد، حيث ذهب البعض إلى الاعتراف بأن هذا القانون لا يمكن إقراره دون خطة متكاملة تكون من ضمنها خطة التعافي الاقتصادية وذلك بموجب قانون وليس خطة عبارة عن حبر على ورق، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توحيد سعر الصرف وتحريره وايقاف ما يعرف بالسوق السوداء والأسعار العديدة الموجودة في السوق وخاصة أنهم الآن يبشروننا بدولار جمركي جديد يضاف الى عوامل غلاء الأسعار.
لا بد اذًا من اقرار قانون اعادة هيكلة القطاع المصرفي بما يتناسب مع هذا القانون وحاجة السوق اللبناني إلى عدد معين من المصارف على قاعدة الحاجة من جهة و good banks & bad banks من جهة أخرى.
يبقى الاطار العام لهذه الخطوات كلها موازنة عامة شفافة صريحة بايراداتها معتدلة بنفقاتها تجعل من النمو والانتاج والمبادرة السمة الأساسية لها، لكن ما نشاهده من تخبط في ادارة هذا الملف يجعلنا نوقن بأن هذه الاجراءات الاصلاحية والتدابير المطلوبة لا تزال في مكان آخر لا تطاله يد المشرع اللبناني.
فهل نصل لخطة متكاملة كهذه في بلد أكثر ما يشتهر به في هذه الأيام ليس جباله وسهوله وطقسه المعتدل بل عدم قدرته على اقتناص الفرص؟ مع التأكيد أن قانون الكابيتال كونترول مهم وضروري وحاجة، ولكن الى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024