آراء وتحليلات
التمديد لليونيفيل في صيغته الجديدة: "سلطة" ميدانية مقابل الغذاء
علي عبادي
شكّل القرار 2650 الصادر في 31 آب/ أغسطس الماضي عن مجلس الأمن الدولي علامة فارقة في التعامل مع مهام قوة اليونيفيل الدولية. وصدر القرار في إطار التمديد المعتاد للقوة المؤقتة والتي تعمل على أرض جنوبي لبنان منذ العام 1978 تاريخ أول اجتياح صهيوني للأراضي اللبنانية. لكن القرار حمل روحية جديدة إتخذت طابعاً "هجومياً" من خلال التأكيد المتكرر على إعتداد القوة بصلاحياتها في حركتها الميدانية. ولا يمكن عزل هذا التوجه عن مجرى الأحداث الجارية في الجنوب، سواء بالنسبة للتغييرات والممارسات الاسرائيلية التي تجري على الحدود وعبرها، أو بالنسبة لموضوع ترسيم الحدود البحرية.
تفصيلاً، يمكن تسجيل الآتي:
1- يلحظ القرار الجديد باهتمام استثنائي المهام الإستقلالية لليونيفيل، وهو ما يسترعي الإنتباه الى الغايات الكامنة وراءه. ويؤكد القرار "من جديد ما للقوة المؤقتة من سلطة في اتخاذ جميع الاجراءات اللازمة في مناطق عملياتها وحسبما تراه في حدود قدراتها" (مقدمة الفقرة)، و"عدم احتياجها الى ترخيص أو إذن مسبق للإضطلاع بالمهام الموكلة اليها وأنها مأذون لها بالإضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة" (الفقرة 16)، والمطالبة بـ "السماح بمرور الدوريات المعلن عنها وغير المعلن عنها" (الفقرة 17)، ويشير الى "الإذن الذي منحه مجلس الأمن الدولي للقوة المؤقتة باتخاذ جميع ما يلزم من اجراءات في مناطق انتشار قواتها وحسبما تراه في حدود قدراتها" (الفقرة 23)، إضافة الى الطلب من القوة "إذكاء الوعي بولايتها ودورها والصلاحية التي تتمتع بها للعمل بشكل مستقل" (الفقرة 24). ولم يتم ربط أداء هذه المهام بالعودة الى التنسيق مع الجيش اللبناني.
2- من دون الحاجة الى تأكيد وقوف الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها خلف هذا التوجه، يمكن الإفتراض أن الجانب الصهيوني مارس دوراً من وراء الستار لتعزيز مهمة اليونيفيل لمصلحته وعلى حساب السيادة اللبنانية. وإذا أخذنا في الاعتبار ضيق العدو بتراجع عمل طائراته المسيَّرة خلال الفترة الماضية على ضوء تهديد المقاومة بإسقاطها، يتبين أنه يبحث عن منافذ جديدة من أجل سدّ الثغرة المعلوماتية لديه عما تختزنه المقاومة من قدرات، ولو جاء ذلك عن طريق وضع القوة الدولية في قبالة المقاومة.
3- ينبع التشدد الظاهر في القرار الدولي، والنابع من رؤية أميركية في الأساس، من الإحتياجات الأمنية الاسرائيلية المستجدة المتعلقة بأمن المنصات النفطية والغازية البحرية. وهذه المنصات سيكون لشركات أميركية دور في تشغيلها والإستفادة من عائداتها، مضافاً الى الاهتمام التقليدي الأميركي بأمن "إسرائيل" وتفوقها النوعي على محيطها.
4- يدرك الجميع أن مهمة القوة الدولية لم تعد فاعلة منذ زمن بعيد، لأن الجهات الدولية المسؤولة عنها إرتضت أن تلعب القوة دور "الشرطي الجيد" في التعامل مع الخروق الاسرائيلية للحدود البرية والبحرية والجوية اللبنانية، حيث تكتفي بتسجيل محاضر عن الخروق من دون القيام بأية خطوة ميدانية لوقف التعديات الحاصلة. لكن القوة نفسها تلعب دور "الشرطي السيء" في بعض الحالات من خلال القيام بمهام توغل إستطلاعية مسلحة في داخل أحياء البلدات اللبنانية البعيدة عن الحدود، بدعوى منع وجود أي "نشاطات عدائية" في المنطقة. عملياً، تتيح هذه المهام الوقوف على إمكانات المقاومة وقدراتها، في وقت يعجز العدو عن الوصول إليها عبر أنشطة تجسسية من الجو. والسؤال الذي يُطرح هنا: أين تذهب المعلومات والصور التي تحصل عليها القوة الدولية في عمليات الإستطلاع عبر دورياتها "المعلن عنها وغير المعلن عنها"؟ وهل هذه المعلومات والصور محصَّنة من وصول العدو إليها بشكل أو آخر، لاسيما ان العديد من افراد القوات الدولية يتنقلون عبر الأراضي المحتلة؟ في المقابل، ماذا تفعل القوة الدولية لوقف الخروق البرية الاسرائيلية للحدود اللبنانية وهي يومية وتتفوق عددياً ونوعياً على ما تعتبره الأمم المتحدة "انتهاكات" من مجموعات لبنانية للقرار 1701 الصادر في نهاية حرب عام 2006. هل يتم بذل الإهتمام الكافي من الأمم المتحدة بانتهاكات العدو، أم يجري التسامح معها على أنها تنبع من مخاوف أمنية إسرائيلية؟
5- لا يخصص القرار 2650 مساحة مهمة للإنتهاكات الاسرائيلية، باستثناء فقرة عابرة تحثّ "حكومة اسرائيل على التعجيل بسحب جيشها من شمال قرية الغجر دون مزيد من التأخير" (الفقرة 20)، علماً أن هذا الأمر كان ينبغي أن يتم منذ عام 2000. وبدلاً من تحقيق هذه الأُمنية، قام الاحتلال بُعيد صدور القرار الجديد بضم الجزء اللبناني من الغجر عملياً الى مناطق سيطرته وأتاح للسياح من المستوطنين التجول فيه بحرية! كل ذلك ولم يصدر أي تعليق من القوة الدولية. في المقابل، يخصص التقرير فقرات طويلة لما يجري في الجانب اللبناني المحرَّر باعتباره مشكلة ينبغي حلها بالتعاون مع الجيش اللبناني أو من وراء ظهره إذا اقتضى الأمر عن طريق دوريات "بدون إذن أو ترخيص"!
6- ما يلفت الإنتباه في نص القرار التوقف عند "ما تُخلّفه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والانسانية الراهنة في لبنان من أثر سلبي شديد على قدرات الجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية"، ومن هنا إنطلق الى طلب "تقديم مساعدات عاجلة وغير فتاكة الى الجيش من وقود وطعام وأدوية ودعم لوجستي لمدة ستة أشهر" (الفقرة 11). واذا وضعنا هذه المساعدة في سياق الهدف الأوسع للقرار وهو توسيع سلطة اليونيفيل، تظهر شبهة في أن طرح مساعدة الجيش اللبناني لوجستياً في متن القرار يهدف الى تسهيل المجال أمام القوة الدولية للقيام بدورها الموسّع المأمول، على الأقل من منطلق "طعمي التمّ لتستحي العين"، وهذا شكل من أشكال استغلال أزمة لبنان الاقتصادية لمساومته على حدود سيادته على أرضه، حيث تصبح القوة الدولية قوة انتداب غير معلنة تمارس عملياً دور الوصي على إدارة الأمن في جنوب نهر الليطاني من دون العودة الى الحكومة اللبنانية.
7- يشار أيضاً الى ان القرار دعا الى "مشاركة ذات مغزى للمرأة في صفوف الأفراد العسكريين" (الفقرة 9) و"زيادة تمثيل المرأة في جميع مستويات قوى الامن والحكومة اللبنانية" (الفقرة 27)، وهو تدخل في شأن سيادي يخرج عن أهداف القرار الذي صدر بناء على طلب الحكومة اللبنانية بتمديد مهام اليونيفيل، وليس لتحديد تركيبة قوى الأمن والحكومة اللبنانية! ومرة أخرى يتبين أن الأمم المتحدة تعمل وفق منظومة قيمية غربية تبث سياساتها بمناسبة أو من دون مناسبة.
برغم كل الملاحظات السالفة، لا بد من الـتأكيد أن لبنان تمكن خلال ما يزيد على أربعة عقود من نسج علاقة تعايش مع القوة الدولية، على أمل أن تركز أولوياتها على وقف الخروق الاسرائيلية ومساعدة لبنان على استعادة أراضيه التي لا تزال محتلة. بل ونشأت علاقات تعاون بين القوة الدولية والأهالي في العديد من البلدات، ما دام أن هذه القوة لا تتدخل في الحياة اليومية للأهالي ولا تضطلع بأدوار أمنية يمكن أن تخدم العدو. ويمكن في حالات محددة التمييز بوضوح بين وحدات دولية تضطلع بدور أمني إختراقي ووحدات أخرى تقوم بوظائفها الإعتيادية من دون تصادم مع الأهالي.
يبقى أن نراقب كيفية تطبيق القرار المذكور بروحيته الجديدة، وهل يمكن أن يتأثر ذلك باحتمال فشل أو نجاح مهمة ترسيم الحدود البحرية؟
قوات الطوارىء الدوليةاليونيفيل
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024