آراء وتحليلات
لا بيْعة شعبية لحمد وانتخاباته
لطيفة الحسيني
وحده النظام البحريني يرتقب الانتخابات النيابية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. وحده تعنيه نتائجها التي يرسمها مسبقًا. مقاطعةٌ واسعة مُتوقّعة قد تفوق مقاطعة 2018. المُعارضة مُغيّبة ومعزولة عن الساحة الداخلية وكلّ من في الصورة لا يُبايع سوى آل خليفة على التدهور المعيشي والغلاء المطرد في المملكة والفساد المستشري.
التوصيفات الأقرب لمشهد الانتخابات القادمة في البحرين تصبّ في اتجاه واحد: السلطة تنتظر استفتاءً شعبيًا محدودًا لاستعراضه أمام الرأي العام الغربي والأجنبي.
الغوْص في الأزمة الممتدّة منذ عام 2011 يُحيلنا الى قاعدةٍ ثابتة لدى السلطة: التعامل مع المِحنة المستمرّة لم يتبدّل بل زاد تعقيدًا. الإصلاحات غائبة، نهبُ الثروات سائد، الملك يُسيطر على كلّ الدولة، الحكومة لا تمثّل أيّة فئة من الشعب، لا دستور تعاقدي مع الناس، العمل السياسي متوقّف.
يعرف أبناء الديرة جيّدًا أن الملك غير مهتمّ بشؤونهم وأحوالهم، ولو كان كذلك لما سمح، بصلاحياته المُطلقة، باستفحال أوضاعهم السيّئة. هل عدّل الرواتب "المُجمّدة" منذ حوالي 12 سنة؟ هل حقّق في المعاشات الخيالية لبعض الموظّفين؟ هل التفتَ الى ثروته المُتضخّمة والعائلة الحاكمة فيما يعاني المواطنون الأمرّيْن؟ هل أوعز الى مجلس النواب بتحسين أوضاع الناس؟ ماذا عن ضريبة الـ10% على السلع والخدمات؟ من يُصدّق أن هؤلاء يشكون الفقر والغلاء في بلد نفطيّ يُفترض ألّا يفكّر أبناؤه بارتفاع أسعار السلع والمصاريف يوميًا؟
على المستوى الحقوقي، يُسأل أيضًا هل تراجع عن قانون العزل السياسي؟ هل اقتنع بأهمية العمل السياسي وإطلاق العنان للحريات ليُعبّر من أرادَ عن مطالبه وهواجسه؟ هل رخّص للصحافة التي لا تُغرّد في سربه؟ هل تركَ للنقابات مجالًا لتنشطَ على سجيّتها؟ هل وجد مخرجًا إنسانيًا وعادلًا لآلاف المعتقلين والمظلومين في السجون؟
لا مكانَ في عقل الملك والمسؤولين في أجهزة الدولة وحاشيتِه كذلك لأيّة مقاربة تُحاول حلحلة الأوضاع. الاستعدادات المبذولة لانتخابات 2022 تدحض أيّ ادعاء بجبْر ما سلف من نكبات على مستوى الوطن. من يثق بأيّة نيّة إصلاحية لدى السلطات عليه فعلًا أن يرى ماذا يجري وما الذي يُخطّط له من سيناريوهات على الأرض. يكفي إلغاء أسماء كلّ المواطنين الذين قاطعوا انتخابات 2018 من لوائح الناخبين اليوم، ليُدرك حجم التواطؤ على أبناء الأرض. خطوةٌ واضحة على طريق إقصاء فئة أساسية في البلد، كيف؟ يريد النظام شطب كلّ مُقاطعٍ للعملية الانتخابية السابقة وهو يعرف أنه سيكرّر خياره هذا في استحقاق تشرين الثاني/نوفمبر. هؤلاء قُدّروا في حينها، أي عام 2018، بنحو 30%. قُرابة الـ300 ألف ناخب بحريني يستطيعون التصويت، لكن في ظلّ شطب هذه النسبة يمكن الحديث اليوم عن 200 ألف ناخب ستعلن أجهزة الدولة أنهم شاركوا في الانتخابات، لكن من يكونون؟ نسبةٌ كبيرة منهم مُجنّسون، نسبةٌ لا بأس منها أيضًا في السلك العسكري ومجبورون على الاقتراع، والباقي يُستدعى الى العملية بعد استقطابه بالمال الانتخابي الذي يُدار من الديوان الملكي مباشرة، أو تهديده أمنيًا أو في الحدّ الأدنى برفع بطاقة استبعاده عن البعثات. وعند إعلان النتائج ماذا يحصل؟ يظهر للمتابع الغربي أن نسبة الإقبال من أصل 200 ألف ناخب مرتفعة، ما يعني أن الشعب المُستفتى أيّد النظام وشخصيّاته أو نوابه. هكذا يقول آل خليفة للرأي العام الأجنبي إنه أقام انتخابات "ديمقراطية" جدّد خلالها المواطنون له البيْعة.
لعبةُ الإقصاء والديمغرافيا اليوم في البحرين هي السائدة. يجنح النظام باتجاهها في الآونة الأخيرة. بعد تجنيس آلاف الأغراب عن البلد، وإسقاط جنسيات الأصيلين، تغرق السلطات في وحْل التطبيع. تمنح اليهود والصهاينة جنسية البلد، ليتملّكوا أراضيَ ويبنوا ما يُشبه المستوطنات في أحياء العاصمة المنامة. تنهمك بهم وبأحوالهم كي تؤمّن لهم عيشًا طيبًا مقابل حصارٍ معيشي خانق لعموم الشعب.
يعمل النظام على إقناع البحرينيين بالرضا بفُتات ما يُقدّمه لهم. بقسيمةٍ لا تتعدّى الـ25 دينارًا مُخصّصة لشراء حاجات تعليمية يريد أن يشتري عقولهم. يتوق لسماعهم يُطبّلون لمكْرُمَته التاريخية على غرار انطباح معصومة عبد الرحيم (نائب ونائبة في آنٍ معًا)، ولا يرى حرجًا في مراكمة ثروته الخيالية.
لا يحتاج البحارنة اليوم لمن يُقنعهم بجدوى مقاطعة الانتخابات. ربّما يسيرون على قاعدة أن من لا يهتمّ لشأنهم لا يكترثون لشؤونه. طالما أن نيّة التغيير غائبة تمامًا عند أهل الحكم والملك تحديدًا، فإهمال الاستحقاق القرار الأنسب بالنسبة إليهم. المشطوبون عن اللوائح الانتخابية يؤمنون بعسْر الوضع. ولأنّ الشيعة يُمثّلون غالبيّتهم، يُدركون أن إقصاء هذه الفئة من المناصب في الدولة والعسكر سيُقابل بإغفال أكثر ما يهمّ النظام، أيْ الانتخابات. لا إقرارَ بشرعية كلّ ما يقوم به، بما يتماهى تمامًا مع النداءات الخمسة للمرجع الوطني الكبير آية الله الشيخ عيسى قاسم: فالمشاركة فيها خدمة للظّلم والمطلوب البراءة من الانتخابات والابتعاد عمّا يزيد من طُغيان الحكم واستبداده.
الملك "المعظّم" اذًا ينتظر انتخاباته ليحتفل بالتجديد لانفراده في الحكم بلا شركاء أو خصوم، والواجب الوطني يفرض على كلّ حرّ في البلد مقاطعتها. أمّا استدراجُ الضعفاء الى رِجسها فهو خيانة واضحة لكلّ من ضحّى واعتُقل وهُجّر ونُفي كرمى الأرض والمبدأ، واصطفافٌ علنيٌّ في مُعسكر الفساد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024