آراء وتحليلات
الانتخابات النصفية: لماذا يرشح ترامب الجمهوريين الرافضين لنتائج استحقاق 2020 الرئاسي؟
د. علي دربج ـ باحث ومحاضر جامعي.
يبدو أن الانتخابات النصفية التشريعية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، قد تشكل حدثا مفصليا في الولايات المتحدة الامريكية، حيث تعيش البلاد حالة من القلق والهلع الشديدين بسبب الخوف من التداعيات التي قد تفرزها هذه الانتخابات ـ ايا كانت نتائجها ـ خصوصًا وان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب قد عمد الى ترشيح نخبة الجمهوريين اليمينيين، وأكثرهم تطرفا وفسادا واستعدادا للاطاحة بنتائجها عندما يستدعي الامر، عدا عن كونهم يدينون له بالولاء المطلق ويعتبرونه بمثابة الأب الروحي والملهم لهم.
ففي حال خسارة الجمهوريين ستكون البلاد عرضة للفوضى والاضطرابات، وربما سنكون حينها على موعد مع تكرار مشهد 6 كانون الثاني/ يناير، بنسخته التشريعية هذه المرة، فيما فوزهم سيؤدي الى المزيد من الانقسامات السياسية، التي قد تصل الى حدّ المطالبة بعزل الرئيس الحالي جو بايدن.
ما هي أسباب خوف الامريكيين من نتائج الانتخابات النصفية؟
تعود النظرة التشاؤمية عند الامريكيين، الى حقيقة هيمنة المشككين بالانتخابات الأخيرة وبشكل متزايد على الحزب الجمهوري، بحيث يمكن أن يكتسبوا قريبا سلطة غير مسبوقة على النظام البرلماني في البلاد أو أحد مجلسيه النواب او الشيوخ، فغالبية المرشحين الجمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ والمكاتب الرئيسية على مستوى الولاية ـ يقدر عددهم بحوالي 299 في المجمل ـ إما رفضوا أو شككوا في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ليس هذا فحسب، هناك اكثر من 60 في المائة من مرشحي مجلس النواب الجهوريين، يخوضون الانتخابات في دوائر تشير إلى أنه من غير المرجح أن يخسروا. لم ترشح ولايتان فقط - رود آيلاند ونورث داكوتا - رافضًا واحدًا للانتخابات في أي من السباقات التمهيدية ، بينما رشح الجمهوريون في مونتانا وتينيسي، وفيرجينيا الغربية ووايومنغ، رافضين لنتائج الانتخابات في كل دائرة رئيسية.
وبناء على ذلك، فالمرشحون الذين تحدوا أو رفضوا قبول فوز جو بايدن، يتنافسون في كل منطقة من البلاد وفي كل ولاية تقريبًا، وعلى الرغم من أن البعض قد ترشحوا في مناطق ذات أغلبية ديمقراطية ومن المتوقع أن يخسروا، لكن من المرجح أن يفوز معظم رافضي نتائج الانتخابات المرشحين: فمن بين ما يقرب من 300 مسجلين في بطاقات الاقتراع، يترشح 174 منهم لمقاعد جمهورية آمنة، بينما سيظهر 51 آخرون على بطاقة الاقتراع، في الولايات المتنازع عليها بشدة.
بموازة ذلك، تظهر إحصاءات أجرتها العديد من الصحف الامريكية الرئيسية، واستندت فيها الى البيانات العامة ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، والإجراءات التي اتخذها المرشحون لإنكار شرعية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كيف أن الحركة الناشئة عن انقلاب ترامب الفاشل المتعلق بانتخابات 2020، هي في كثير من النواحي أقوى، حتى بعد عامين، وبعيدًا عن التنصل من المرشحين الذين يتبنون مزاعم ترامب الكاذبة بالاحتيال، فقد منح ناخبو الحزب الجمهوري، المرشحين المؤيدين لادعاءات ترامب ومزاعمه، قوة كبيرة في الانتخابات التمهيدية.
ما هي النتائج التي حققها الجمهوريون الموالون لترامب في الانتخابات التمهيدية الاخيرة؟
في الواقع، هزم مرشحو نظرية المؤامرة، الجمهوريين الذين لا يدينون بالولاء المطلق لترامب في الانتخابات التمهيدية التي أجريت هذا الصيف. فالفائزون بحسب تحليل أجرته "الواشنطن بوست"، كانوا إما من المرشحين للكونغرس، او لمنصب الحاكم ، ونائب الحاكم ، وزير خارجية الولاية، والمدعي العام.
والأكثر أهمية أنهم كانوا قد شككوا في فوز الرئيس بايدن، وعارضوا عدّ أصوات المجمع الانتخابي، أو دعموا مراجعات الاقتراع الحزبية أو الدعاوى القضائية التي تسعى لإلغاء نتائج 2020، أو حضروا "تجمع أوقفوا السرقة" في 6 كانون الثاني/ يناير 2021.
ليس هذا فحسب، يردد العديد من هؤلاء المرشحين صدى المزاعم الكاذبة للرئيس السابق دونالد ترامب، وهي الادعاءات التي تم التحقيق فيها بدقة ورفضها عدد لا يحصى من المسؤولين والمحاكم. وفي هذا السياق يقول الخبراء، إن الإصرار على مثل هذه المزاعم، على الرغم من عدم وجود أدلة، يعكس استعداد المرشحين الرافضين للانتخابات لتقويض المؤسسات الديمقراطية عندما يكون ذلك مفيدًا لهم.
من هنا، وفي حال احكم الجمهوريون قبضتهم على مجلس النواب، كما يتوقع العديد من الخبراء السياسيين الامريكيين، فإن رافضي نتائج الانتخابات سوف يسيطرون بشكل هائل على اختيار رئيس البرلمان المقبل، والذي بدوره يمكن أن يترأس مجلس النواب في انتخابات رئاسية متنازع عليها في المستقبل.
وما هي تداعيات فوز الجمهوريين بالمناصب التشريعية والرسمية في الولايات الامريكية؟
لا تقتصر الأخطار المحدقة بالانتخابات النصفية، على هيمنة هؤلاء المرشحين الذين لم يعترفوا بالانتخابات الرئاسية الماضية، على كتلة الأغلبية في مجلس النواب المقبل (وفقا للمراقبين) نظرا لولائهم لترامب، الذي قاد الحزب نحو الولاء شبه العالمي، بل ثمة عوامل اخرى، ستكون اشدّ خطورة على نتائجها، وهي تتمثل بالاتي:
1 ـ تحقق سيطرة الجمهوريين الفاسدين على المكاتب الرئيسية على مستوى الولاية، والتي ستتولى عملية الإشراف على أجزاء مهمة من العملية الانتخابية.
2 ـ امكانية قيام الحكام الجهموريين، برفض التصديق على ناخبي الولاية أو حتى التصديق على قوائم بديلة مزيفة.
2 ـ لا يتمتع وزراء خارجية الولاية، بالسلطة على إجراءات الانتخابات فحسب، بل يمكنهم أيضًا نشر انعدام الثقة العام بعد التصويت عن طريق رفض التصديق على النتائج، أو الدعوة إلى عمليات تدقيق وإعادة فرز غير ضرورية.
3 ــ امكانية شروع اعضاء الكونغرس الجمهوريين، بالاعتراض بشكل زائف على فرز الأصوات الانتخابية التي تقدمها الولايات.
زد على ذلك ان قضية ترشيح رافضي نتائج الانتخابات الرئاسية، هيمنت على ساحات المعارك الرئيسية. ففي وارن بولاية ميشيغان، قام ترامب في 1 تشرين الأول/ اكتوبر الجاري، بحملة لثلاثة مرشحين على مستوى الولاية ، وجميعهم رافضون: تيودور ديكسون لمنصب الحاكم ، وماثيو ديبيرنو لمنصب المدعي العام وكريستينا كارامو لوزارة الخارجية. وفي هذا السياق قال ترامب للجمهور "لا أعتقد أننا سنجري انتخابات نزيهة مرة أخرى... أنا لا أصدق ذلك."
بالمقابل، يعتبر دبلوماسيون غربيون، أن سيطرة منكري الانتخابات في الحزب الجمهوري، تحمل أوجه تشابه مقلقة مع الحركات الاستبدادية في البلدان الأخرى، والتي غالبًا ما تبدأ بجهود لنزع الشرعية عن الانتخابات.
وفي هذا الاطار اكدت روث بن غيات، مؤلفة كتاب "الرجال الأقوياء: موسوليني حتى الوقت الحاضر" والمؤرخة في جامعة نيويورك، ان "رفض نتائج الانتخابات هو شكل من أشكال الفساد"، وتابعت "لقد أضفى الحزب الجمهوري الآن الطابع المؤسسي على هذا الشكل من الكذب".
الملفت في الامر، ان حماسة الجمهوريين لرفع رافضي نتائج الانتخابات في هذه الدورة النصفية، تأتي في وقت يستمر فيه الحلفاء والناشطون المؤيدون لترامب في التشكيك في إدارة الانتخابات في الولايات المتحدة، ويطالبون بإجراء تحقيقات في تزوير الناخبين ويتهمون مسؤولي الانتخابات في الولايات والمسؤولين المحليين بتزوير السباقات أو باستخدام معدات اقتراع احتيالية.
الطامة الكبرى بالنسبة للديمقراطيين، هي إذا فاز الحزب الجمهوري بأغلبية، فمن الصعب عندها تخيل ان ترامب لن يستغل ذلك من خلال استخدام سلطته العامة للضغط على الجمهوريين لتنفيذ رغباته، كأن يطالب بإجراء تحقيقات في الإدارة وحل لجنة "6 كانون الثاني/ يناير" التي تحقق بمسؤوليته ودوره في التحريض على اقتحام الكونغرس، أو فرض اختيار منصب رئيس المجلس، من الحزب الجمهوري، أو إملاء ما إذا كان مجلس النواب سيصوت على عزل بايدن.
في المحصلة، من الممكن جدا ان تواجه أمريكا في الانتخابات النصفية هذه، مجموعة خطيرة من التحديات، والتي من المحتمل ان تتصاعد مع تقدمها نحو عام 2024 مع حلول الاستحقاق الرئاسي. حينها سيكون المرشحون، مرة أخرى، مطلوبين تقريبا من قبل الترامبيين، لتحدي نتائج الانتخابات وتقويضها، وبالتالي زرع بذور الصراع الأهلي وتجرع هذه الكأس التي لطالما سقتها امريكا للبلدان الاخرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024