آراء وتحليلات
المقاومة ومعادلة أسراب "الدرونز"... الجحيم القادم على "اسرائيل"
د. علي دربج- باحث ومحاضر جامعي
لنتخيل المشهد التالي: سرب مؤلف من 200 أو 300 طائرة من دون طيار، المسلّح منها والانتحاري، ينطلق من مكان ما في لبنان أو ايران، ويصل مدينة حيفا المحتلة، وفي لحظة واحدة تنقض كافة هذه الطائرات معًا، على مرفئها الاستراتيجي، ومرافقها الحيوية والنفطية وبناها التحتية، والمنصات الغازية في المنطقة بما فيها حقل "كاريش"، فضلًا عن مطاراتها وقواعدها العسكرية. أمّا ردة الفعل الصهيونية المتوقعة، فأمر نتركه للميدان، ولقدرة "إسرائيل" على امتصاص الصدمة، وهذا ما لا يمكن التنبؤ به.
لكن مهلًا، ما نتحدث عنه ليس فيلمًا خياليًا من صناعة السينما الهوليودية أو البوليودية، بل سيناريو حقيقي تتوقع "اسرائيل" حدوثه عند اندلاع أية حرب مستقبلية بين المقاومة ومحورها والكيان الغاصب، وبات موضوع نقاش دائم وقائم بين القيادات العسكرية الصهيونية، وداخل أروقة جيش الاحتلال ومكاتب جنرالاته الذين يخشون هذه الجحيم القادم عليهم، بعدما حققت طهران قفزات نوعية في مجال تطوير أسراب طائرات من دون طيار، فيما الرعب الأكبر بالنسبة إليهم، هو حصول حزب الله على هذه التقنية.
كيف نشأت نظرية السرب لطائرات الـ "درونز"؟
مع النمو الهائل للشبكة المتكاملة بين الفضاء والجو والأرض، وروبوتات الأسراب، والذكاء الاصطناعي (AI)، والانتشار السريع للطائرات من دون طيار، تتابع الجيوش في جميع أنحاء العالم ومنها ايران، ومعها المقاومة في لبنان، بنشاط جهود البحث والتطوير، للوصول الى تقنية الأسراب، المستوحاة من أسراب الحشرات، بحيث تكون أعداد كبيرة من الطائرات دون طيار قادرة على "التنظيم الذاتي والتعاون وإكمال مهام متعددة معًا"، خصوصًا بعدما أصبح هذا النوع من الطائرات العسكرية، أكثر تطوراً وحداثة، وأصغر حجمًا بكثير، وأخف وزناً، وأرخص ثمنا، إضافة الى قدرتها على العمل على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة.
ساعدت التطورات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك تقنيات التعلم العميق، في تحقيق تقدم كبير في ذكاء الأسراب. في تموز/ يوليو 2017، أظهرت شركة (China Electronics Technology Group Corporation "CETC" تقدمها المذهل في ذكاء الأسراب، من خلال اختبار 119 طائرة من دون طيار، ثابتة الجناحين، متجاوزة الرقم القياسي السابق البالغ 67 طائرة. وقد شارك هذا السرب في الإقلاع بمساعدة المنجنيق، وأظهر أيضًا تشكيلات معقدة. وقد وصف الخبير الصيني Zhao Yanjie في شركة "CETC"، الأسراب الذكية المستقبلية بأنها "قوة تخريبية من أجل تغيير قواعد اللعبة في الحرب".
بالمقال، أطلقت وزارة الحرب الأمريكية في العام 2017، سربًا من الطائرات الصغيرة من دون طيار فوق كاليفورنيا حيث اتخذت أكثر من 100 طائرة قرارات دون مساعدة بشرية. كما قامت بريطانيا بتطوير أنظمة الطائرات من دون طيار للوصول الى السرب، وفي السنوات الأخيرة انضمت إيران الى نادي الدول التي تطور الأسراب.
كيف تعمل هذه الأسراب؟
وفقًا لأدبيات روبوتات السرب، فإن الأسراب هي مجموعة من الأنظمة التي تعمل كفريق. في السرب، تتفاعل الوحدات الفردية مع بعضها البعض ولها أهداف مشتركة تقوم بتنفيذها كمجموعة. وفي هذا الاطار، قال مسؤول في القوات الجوية الأمريكية أشرف على برنامج "بيرديكس"(طراز من طائرات من دون طيار) للصحفيين في مجلة القوات الجوية: "إنهم سيفعلون ما يريدون".
علميًا، يمكن فهم الأسراب بشكل أفضل من خلال النظر الى نظيراتها في المملكة الحيوانية: أسراب من الأسماك، أو أسراب من الطيور، أو مجموعات من الذئاب. سرب حقيقي يعمل معًا لتحقيق المهمة، واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي. الكل أكبر من مجموع أجزائه. يعمل بشكل تعاوني، دون وجود مشغل بشري يعتمد على الاتصال بكل طائرة على حدة.
هل يمتلك محور المقاومة "اسراب" درونز؟
كانت جمهورية إيران الإسلامية، واحدة من أوائل الدول في العالم التي نشرت عمليًا مركبات جوية قتالية من دون طيار، خلال الحرب المفروضة مع العراق من 1980 إلى 1988.
طورت إيران بحسب موقع "فوربس الامريكي"، صناعة عسكرية كبيرة للطائرات من دون طيار على مدار الأربعين عامًا الماضية. وبالرغم من أنها مُنعت من استيراد التكنولوجيا العسكرية، الا أنها نجحت بجهودها الذاتية، ببناء قدرة تقنية كبيرة، وانتجت بالتالي مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنواع المختلفة. ويلفت الموقع الى أن إيران قامت بشكل ملحوظ بتصدير طائراتها من دون طيار لتحقيق أهدافها الخاصة، مثل تزويد حزب الله بطائرات من دون طيار لمهاجمة "إسرائيل".
لاحقا، توسعت ترسانة الطائرات بدون طيار الإيرانية لتشمل نسخًا ابرزها طائرات RQ- 170 Sentinel الأمريكية، وطائرات "الشبح" PGM، و munters عالية الدقة، إضافة الى طائرات من طراز شاهد- 136 التي تحتوي على رأس حربي، مما يجعلها سلاحًا يحتمل أن يكون خطرًا، وربما لا يسهل اكتشافه بسبب حجمها وصغر المقطع العرضي للرادار، وقدرتها ليس فقط على إخفائها، بل وضع خمس طائرات بدون طيار في هذه الأنواع من الشاحنات المحولة. فضلًا عن امكانية إطلاق العشرات من هذه الطائرات على هدف في شكل "سرب".
بالنسبة للولايات المتحدة فإن التهديد الأكبر الذي تواجهه في منطقة الشرق الاوسط، يأتي من ايران الدولة الأكثر استخدامًا وتوظيفًا لسلاح طائرات بدون طيار، في المنطقة، بحسب تقرير لموقع الإذاعة الوطنية الامريكية NPR الذي قال "تفتخر إيران بامتلاكها لانظمة طائرات بدون طيار متطورة للغاية (تذكر الاذاعية بالتحديد مقاتلة قاهر 313" الشبح "، والعديد من ادعاءاتها حول التكنولوجيا العسكرية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار".
ومع انه نادرًا، ما يتم ذكر الجمهورية الإسلامية في قوائم التكنولوجيا المتطورة على مختلف الصعد، (إذ تحاول والولايات المتحدة والغرب، دائما التعمية وحجب، انجازات ايران العسكرية وتقليل من مستوى التقدم الذي احرزته خصوصا في صناعة الطائرات بدون طيار)، فإن ايران تسير بخطى متسارعة للوصول الى هدف السرب وهي قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال، مسخّرة كافة خبراتها وقدراتها العلمية، بحيث "اصبحت قادرة على التحكم في عدة طائرات بدون طيار باستخدام تطبيق واحد، وإرسال الأوامر إليهم جميعًا مرة واحدة" وفقا لموقع فوربس.
أكثر من ذلك، في السنوات الأخيرة، أنتجت القوات المسلحة الايرانية مجموعة من الذخائر (المتسكعة) الجوالة، والتي يطلق عليها غالبًا طائرات بدون طيار "انتحارية" أو "كاميكازي" (تستخدم كأسراب)، التي من شأنها أن تحدث ثورة في طريقة خوض الحروب في منطقة الشرق الأوسط الشديدة الاضطراب.
قال مايكل نايتس الخبير العسكري والأمني في منظمة العفو الدولية إن إيران أظهرت قدرتها على شن هجمات "سرب" بطائرات بدون طيار - بما في ذلك طائرات بدون طيار انتحارية متعددة حشدت ضد هدف واحد - وستراقب الحكومات الغربية عن كثب لمعرفة ما إذا كانت الطائرات بدون طيار الإيرانية يمكنها تنفيذ مثل هذه العمليات في ساحة معركة شديدة التنازع.
وفي الاطار ذاته، كشف موقع "اسرائيل ديفينس" ان الصناعة الإيرانية أنتجت طائرة بدون طيار يمكنها العمل كجزء من سرب طائرات بدون طيار.
ووفقًا لتال إنبار، الخبير الإسرائيلي في الطائرات بدون طيار والصواريخ، فإن هذه الطائرات قادرة على العمل في سرب يصل إلى 10 طائرات بدون طيار ، ويمكنها التواصل مع بعضها البعض لمهاجمة هدف بشكل أكثر فاعلية بكثير من طائرة واحدة.
أما ما يعزز نظرية حرب الأسراب التي تضعها طهران في حساباتها المستقبلية، فهو خبر اطلاق إيران مناورة عسكرية بعنوان تدريبات "الجيش 1401" المشتركة على استخدام الطائرات المسيرة، بمشاركة أكثر من 150 طائرة مسيرة.
ماذا عن حزب الله؟
غني عن التعريف، ان حزب الله شديد الكتمان فيما يتعلق بقدراته العسكرية، والتطور الذي وصل إليه، لكن من الثابت انه تمكن من تحقيق خطوات نوعية في مجالة تصنيع وامتلاك طائرات بدون طيار متعددة الطرازت والقدرات. وكان الأمين العام لحزب الله قد كشف في ذكرى الشهداء القادة عام 2016 أن المقاومة بدأت منذ مدة طويلة تصنيع الطائرات المسيّرة داخل لبنان.
علاوة على ذلك، ثمة قاعدة مسلم بها وتقوم على التالي: ما تمتلكه ايران، يصل لحلفائها وفي مقدمتهم حزب الله الذي يعمل دوما على محاكاة التطورات التكنولوجية الحاصلة في عالم الصناعات العسكرية.
من هنا، تشير التقارير الأخيرة الصادرة عن مركز أبحاث "ألما ـ alma"، الى أن حزب الله قد يكون لديه حوالي 2000 طائرة بدون طيار - العديد منها يعتمد على نماذج إيرانية. ولهذا يتزايد خطر سرب طائرات بدون طيار على "اسرائيل"، خصوصا النوع الذي تمتلكه طهران، ونقلته حتما الى حزب الله، استنادا للمركز.
في المحصلة، ان أساطيل الطائرات الصغيرة من دون طيار التي يمتلكها محور المقاومة برمته ــ لا سيما ايران وحزب الله وربما حماس ايضا ــ ويتم إطلاقها في وقت واحد من الجيل التالي، ستكون سمة رئيسية للعمليات العسكرية المستقبلية في أية حرب مقبلة مع "اسرائيل"، إذ ستُستخدم حينها للتغلب على الدفاعات الجوية للعدو، أو مهاجمة طائرات العدو في معارك جوية، أو تطويق السفن الحربية، أو مراقبة مناطق واسعة، أو إنشاء شبكات كبيرة من الألغام تحت الماء، أو السيطرة على الأراضى المحتلة خصوصا منطقة الجليل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024