معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

معادلة كاريش الكاشفة
11/10/2022

معادلة كاريش الكاشفة

إيهاب شوقي

لا شك في أننا نعيش لحظات تاريخية مفصلية، وتتميز جميع الملفات الدولية والإقليمية بتعقيدات كبيرة، تجعل هناك ضبابية كبيرة يمكن أن نحيلها على العجز عن حسم الخيارات لا على المناورات والخداع، باستثناء المقاومة التي حسمت خياراتها وألقت الكرة في الملعب الآخر للأعداء.
 
ولا شك أن ملف كاريش من الملفات التي حظيت بحجم كبير من الجدل الذي يعكس مناخًا من فقدان الثقة داخل أمّة يبدو أنها تعاني من تداعيات التفريط وسيادة المفاهيم الخاطئة ونجاح العديد من الدعايات الاستعمارية، ناهيك عن انتشار الطوابير الخامسة من الأفراد والأبواق الإعلامية المغرضة.

ورغم أن المقاومة لم تقصّر في استعراضها لطبيعة الصراع وخلفية مبادرتها الشجاعة وحددت موقفها وثوابتها بدقة لا تقبل اللبس، إلا أن هناك قطاعات لا تزال الأمور لديها ملتبسة، إضافة إلى قطاعات يحلو لها ممارسة وظيفتها الدائمة في التشويش والخلط والافتراءات.

ولا نرى بأسًا في أن نعيد التذكير بموقف المقاومة ومحدداتها، قبل الخوض في مواقف العدو وأمريكا والسيناريوهات المتوقعة:

أولًا، موقف المقاومة:

بلورت المقاومة قراءتها للوضع في أن هناك حصارًا على لبنان وفيتو أمريكيا يمنع شركات التنقيب واستخراج الثروات وما يبدو أن قرارا أمريكيا ببقاء لبنان في حالة انهيار اقتصادي ليظل تابعا ولينقلب شعبه على المقاومة باعتبارها المعطل للرخاء والانفتاح الاقتصادي.

وبلورت المقاومة خطوتها انطلاقا من قراءة تقول إن الفرصة مواتية للبنان لينتزع حقه بأقل كلفة ممكنة انطلاقا من وضع دولي يشهد حربًا وأزمة كبرى للطاقة، وأن فرصة لبنان الأخيرة للخلاص من الانهيار تكمن في استغلال هذا الوضع الدولي لانتزاع بعض من حقوقه بخلق أزمة للعدو وأمريكا في مقابل أزمة لبنان.

وانطلقت المقاومة من ثوابتها بأنها لا تعترف بالكيان ولا تتفاوض معه ولا تعترف بحدود معه، وإنما خطوتها هي معادلة ردع وقاعدة اشتباك تتعلق بالتنقيب مقابل التنقيب.

واحترامًا للدولة، فقد أوكلت لها المقاومة التفاوض وانتزاع الحقوق ووفرت لها السند لتتفاوض من موقع القوة بدلًا من الضعف الذي لازم عملية التفاوض الطويلة والتي أدت إلى التعطيل وشبح ضياع الحقوق ونهبها والاستهانة بلبنان، وهو ما انبرت المقاومة لتضع له حدا.

هنا لا يوجد معنى للتلميحات السخيفة التي تقول إن المقاومة تفرط في خطوط للترسيم وإنها لا تمانع من الموافقة على قرار الدولة بالتفريط في حق تاريخي متعلق بخطوط بعينها، وذلك لأن المقاومة لا تتحدث عن ترسيم مع عدو، ولا حتى الدولة اللبنانية نفسها تعترف بالكيان، وكل الأمر هو أننا أمام اعتبارات عملية للتمكن من استخراج الثروات والتي تسقط بالتقادم لأنها مؤقتة ويمكن أن تنفذ ويتم سرقتها، بينما الحقوق والثوابت الوطنية لا تسقط بالتقادم.

ثانيًا، موقف العدو الصهيوني:

يعيش العدو في أزمة ومعضلة كبرى تتمثل في انكشاف أمني خارجي وداخلي بعد تنامي المقاومة في الضفة والقدس والتطورات التي أحدثتها عملية شعفاط باستهداف الحواجز الأمنية، وهو ما دشن كابوسا أمنيا للعدو عكسته وسائل إعلامه بالتساؤل عن كيفية علاج هذه المعضلة، وهل سيترك العدو المقاومة دون حواجز لتنفرد بالمستوطنين، أم يقيم حواجز ليصبح معها الجنود اهدافا؟!

إضافة إلى الانقسام السياسي الحاد والحافل بالمزايدات وتفضيل المصالح الشخصية عن مصالح الكيان، حيث يزايد نتنياهو على لابيد، ويزايد غانتس على الاثنين، ولا يستطيع لابيد اتخاذ قرارات خوفا على مستقبله السياسي، وهو وضع صهيوني غير مسبوق، تم تجسيده وبلورته بفضل مبادرة المقاومة وشجاعتها.

ولهذا لا يمكن استبعاد أن يكون تضارب تصريحات العدو، راجعا لعجزه عن حسم خياره، وليس مناورات ولا حروبا نفسية لم يعد يمتلك مؤهلاتها بوضعه الهش.

ثالثا: الموقف الأمريكي:

قد نختلف مع الرؤى التي تجزم بانهيار أمريكا ونفوذها وأنها أصبحت ضعيفة، ولكن الثابت والقدر المتيقن منه، هو أنها متراجعة، وكل ما يشغل أمريكا هو إفشال بوتين والنفوذ الروسي وملاحقته، والحفاظ على حصار المقاومة، ومن هنا يمكن أن يكون المنطلق الأمريكي في مساعيها للتصعيد أو التهدئة هو الاحتفاظ والتشبث بالكلمة النهائية في الاتفاقات والتمكن من الحفاظ على ضمانات تتيح لها قطع الطريق على تمدد الخصوم والأعداء سواء في روسيا أو إيران أو محور المقاومة عموما.

وهذه القراءة لها ما يؤيدها من تفضيل أمريكا دوما لمصلحتها على حساب مصالح حلفائها وتابعيها، ومن هنا فليس غريبا ولا مستبعدا أن تكون إدارة الملف بيد الدولة العميقة الأمريكية ومسؤولي الأمن القومي، وليس هوكشتاين ولا حتى بايدن.

هنا نحن أمام أمر معقد وقد ينطوي على فخاخ سواء في بنود الاتفاقات، أو فخاخ مؤجلة، أو غدر معتاد ونقض للعهود، والضمانة الوحيدة هنا هي معادلة المقاومة العابرة للأزمنة والاتفاقيات والحاضرة عند إتمام الاتفاق أو فشله أو حتى الغدر به لاحقا، فهي معادلة راسخة برسوخ المقاومة وثباتها.

والمتأمل لمسار الأحداث ومواقف وتصريحات الأعداء يعلم أن قوّة المقاومة هي التي تتحكم بالارادات وتمتلك المقود في صمت وتترفّع عن السجالات والشعارات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات