آراء وتحليلات
على هامش انقلاب الموازين الاستراتيجية في الإقليم
إيهاب شوقي
لا شك أن تطورات الأحداث في الإقليم وتحديدًا بعد معادلة "كاريش" التي أرستها المقاومة، كشفت للعلن تطورات الموازين الاستراتيجية الإقليمية، وذلك على غرار الخطوة الروسية التي انطلقت معها العملية العسكرية في أوكرانيا، والتي كشفت تطورات الموازين الاستراتيجية الدولية.
ونظرًا لتداخل الموازين الدولية والإقليمية، ولا سيما أن الإقليم هو ملتقى الصراعات ومطمع الثروات، وهو يشكل "قوس الأزمات" في مفهوم الصراع الدولي، فإن تسارع التطورات كشف انقلاب الموازين بشكل حاد. ويتمثل هذا الانقلاب في نهاية عصر التفوق الصهيوني إقليميًا، والقطب الواحد الأمريكي دوليًا، وهو ما ولد انقلابات في الهوامش بسبب تغير قواعد اللعبة الدولية والإقليمية وأدوار اللاعبين سواء من الحلفاء أو التابعين للمعسكر الصهيو - أمريكي.
ومن هذه الهوامش يمكن رصد بعض الارتباك في الملفات والذي يمكن تفسيره في ضوء انقلاب الموازين وما نتج عنه من تداعيات على مسار الصراعات الإقليمية:
1- العدو الصهيوني أصيب بالارتباك والهلع من مجرد فكرة المقاومة أو تشكيل أي بذور لها، وهو ما يبدو أنها صدمة استراتيجية لم يكن مهيأً لها، بعد تخطيط طويل المدى يهدف للقضاء على ثقافة المقاومة، وبالتالي وأد أي فكرة أو بذرة تنظيمية، وخاصة في الداخل الفلسطيني، وتحديدًا في القدس والضفة.
وهو ما يفسر الهلع الصهيوني من تنظيم "عرين الأسود" والحرب التي يشنها عليه بطائرات مسيرة وقذائف مضادة للدروع، وبقيادة وزير الحرب ورئيس الأركان ورئيس الشاباك، وهو ما جعل المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، يندهش من هذا المستوى من القيادة ويقول نصًا: "وصلنا إلى وضع يقوم فيه رئيس الأركان ورئيس الشاباك بإدارة عملية عسكرية في القصبة في نابلس وهو أمر لا يبشر بالخير.. في الماضي كانت هكذا عملية تدار على مستوى قائد فرقة..".
وهذا الهلع الصهيوني له أبعاد متعددة تتعلق بتراجع القوة الأمريكية وتنامي صواريخ ومسيّرات المقاومة وأجواء المصالحة بين سوريا و"حماس" وتعزيز وحدة المحور المقاوم، ناهيك عن توتر علاقات الكيان مع روسيا في مقابل تنامي التنسيق الروسي مع إيران وسوريا.
2- ارتباك السعودية غير المسبوق، وتوتر علاقاتها العلنية مع إدارة بايدن، وهو توتر يعكس أزمة وتوترًا سعوديًا، ولا يعكس تحولًا استراتيجيًا أو خروجًا من الفلك الأمريكي، حيث الارتباطات الاستراتيجية العميقة لم تمس، ناهيك عن تزايد أرقام حيازة المملكة لسندات وأذون الخزانة الأمريكية في شهر أغسطس الماضي والتي بلغت مستوى 122.1 مليار دولار، بعد أن كانت مطلع العام الجاري 119.2 مليار دولار.
وهذا الارتباك السعودي والمتمثل في إغضاب أمريكا مع البقاء تحت سيطرتها، بسبب سلوك ولي العهد، والذي يبدو أنه لا يجيد اللعب مع أمريكا ولا يمتلك الحنكة الكافية للحفاظ على شعرة استقرار طموحه للحكم، ولا يمتلك مهارة ولا فرصة اللعب بين القوى الكبرى، قد تكون له تداعيات خطيرة على استقرار النظام السعودي وملفاته الخارجية والخاضعة للرعاية الأمريكية.
3- تسعى بعض الدول لاستغلال الفراغ الناشئ بسبب الانشغال والتركيز في جبهات الصراع المباشرة، بالتموضع في جبهات أخرى للحصول على موطئ قدم في النظام العالمي الجديد، وأبرز هذه الدول هي تركيا، والتي تلعب ألعابا خطرة في القوقاز وفي ليبيا سعيًا لمشروعات تتعلق تارة بالغاز، وتارة بالمشروع الطوراني للدول الناطقة بالتركية، وهي ألعاب قد تكلف تركيا الكثير بسبب حدة انقلاباتها والوصول بالمناورات بين مختلف القوى لحافة الهاوية.
في أوضاع كهذه على هوامش الانقلاب الاستراتيجي في الموازين تبقى هناك شعرة دقيقة بين التسويات وبين الحروب على جبهات مختلفة وهو ما يستدعي الجهوزية المستمرة وإبقاء اليد على الزناد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024