معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

فوز معسكر نتنياهو يُفاقم التوتر الداخلي: حكومة يمينية ـ دينية
03/11/2022

فوز معسكر نتنياهو يُفاقم التوتر الداخلي: حكومة يمينية ـ دينية

جهاد حيدر

نجح معسكر بنيامين نتنياهو في تسجيل انتصار يسمح له بتشكيل حكومة يمينية تستند إلى تحالف ديني متطرف، بغض النظر عن الرقم النهائي الذي سترسو عليه بورصة نتائج الانتخابات العامة للكنيست. يأتي هذا الفوز بعدما نجح خصومه في الاطاحة به من منصب رئاسة الوزراء وتشكيل حكومة ائتلافية مُشكَّلة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، برئاسة تناوبية بين نفتالي بينت ويائير لبيد. لكن هذه الحكومة لم تعمر سوى سنة واحدة، ويعود ذلك إلى انها انطوت على الكثير من التناقضات الداخلية واستندت إلى أغلبية هشة، 61 عضو كنيست.

تتجاوز عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة مجرد كونه طموحاً تقليدياً لكل زعيم سياسي في كيان العدو، وتحديدًا عندما يكون رئيسًا لحزب الليكود ولمعسكر اليمين. فهي تتجاوز في أبعادها ونتائجها التنافس التقليدي على السلطة وتداولها. عودة نتنياهو تشكل معبرًا لليمين المتطرف كي ينفذ أجندته الداخلية من خلال التحالف مع الليكود.

بالتوازي يراهن نتنياهو أيضًا على أن وجوده في رئاسة الحكومة قد يُمكِّنه من تحصين نفسه في مواجهة محاكمته بتهم الرشوى الموجهة ضده. ولذلك تشكل عودته إلى هذا المنصب محطة مفصلية في تحديد مستقبله السياسي والشخصي ايضًا.

تكشف النتائج التي تبلورت حتى الآن، أن نتنياهو يستند إلى معسكر يحتل فيه التيار الديني بشقيه الحريدي والصهيوني الركيزة الأساسية. وسيُعرضه ذلك للابتزاز من قبل الطرفين الشريكين من أجل عدة عناوين من ضمنها الدفع نحو أجندات تساهم في تأجيج الوضع الأمني على الساحة الفلسطينية. ومع أنه لا يختلف عنهم على المستوى الايديولوجي إلا أن تصديه من موقع اتخاذ القرار يفرض عليه أن يكون أكثر واقعية في مقاربته ومواقفه.

في مواجهة هذا التحدي، من الطبيعي أن يحاول نتنياهو ضم بعض الكتل المنافسة له التي تندرج ضمن معسكر اليمين ايضًا، من أجل إحداث قدر من التوازن داخل الحكومة وبهدف توسيع القاعدة البرلمانية للحكومة. ولن يكون مفاجئًا أن نسمع في الأيام المقبلة بعض الذين يروجون للانضمام إلى حكومة نتنياهو من أجل الحد من تأثير تيار الصهيونية الدينية بنسخته الكاهانية.

النتيجة الأكثر بروزًا حتى الآن، نيل الصهيونية الدينية بنسختها الكاهانية (نسبة إلى الحاخام مئير كاهانا الذي قُتل في العام 1990، وكان يدعو إلى ترحيل الفلسطينيين) حوالي 15 عضو كنيست (بانتظهار النتائج النهائية). ويترأس هذا التيار الآن الثنائي ايتمار بن غفير وسموتريتش المعروفان بالمغالاة في العنصرية والتطرف.

نسبة المشاركة في التصويت سجّلت ارتفاعًا ملحوظًا بالقياس إلى بعض الجولات السابقة، حيث شارك %71.3 وهو الرقم الأعلى منذ انتخابات عام 2015. ويعود ذلك إلى حملات التحريض التي اتبعتها كل الأحزاب وتحديدًا معسكر نتنياهو في محاولة منه لكسر حالة التوازن القائمة والتي حالت حتى الآن دون عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة.

أمّا مشاركة "العرب" في الانتخابات بنسبة بلغت حوالي ٥٥٪، فيبدو أنه يعود إلى القلق من دخول الثنائي سموتريش وبن غفير إلى الحكومة ومن موقع قوة، باعتبار أن أكثر ما يميز هذا الثنائي هو حدّة عنصريته المتطرفة والاجرامية ضد الفلسطينيين بالدرجة الأولى، ولولا ذلك كان يتوقع أن تكون نسبة المشاركة أقل.

في كل الأحوال، المسلّم به أن معسكر اليمين سيهيمن على الكنيست المقبل، كما يهيمن على الكنيست الحالي وما سبقه. ويعود ذلك لأسباب ديمغرافية ولاجتياح النزعة اليمينية للساحة الإسرائيلية. لكن الانقسام داخل هذا المعسكر دفع بعض الرافضين لتولي نتنياهو رئاسة الحكومة التحالف مع خصومهم التقليديين من اليسار والعرب من أجل الحؤول دون عودة نتنياهو إلى منصب رئاسة الحكومة.

مع ذلك، فإن المعطى الأهم في هذه الانتخابات، أنها أعادت وكرّست حالة الانقسام والتشظي التي تشهدها الساحة السياسية والحزبية في كيان العدو، وهي الحالة المستمرة منذ عقود، بعدما افتقدت الساحة الإسرائيلية عنصرين أساسيين كانا يشكلان عامل استقطاب رئيسي، الأول، فقدان القائد الكاريزمي والتاريخي الذي يشكل موضع ثقة الجمهور، والثاني، لكونه لم يعد هناك أحزاب كبيرة كما كان عليه الوضع حتى التسعينيات من القرن الماضي، اضافة إلى الانقسامات القطاعية التي يشهدها المجتمع الإسرائيلي تحت عناوين متعددة.

في الخلاصة، حتى لو شكل نتنياهو حكومة يمينية فإن حالة الانقسام والتوتر بين القطاعات التي يتشكل منها الجمهور الإسرائيلي كانت ولا تزال ويتوقع أن تصبح أشد توترًا في ظل التركيبة الحكومة اليمينية المقبلة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات