معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

نتنياهو والملفات الحساسة.. هل ينجح بمواجهتها كما يريد؟
04/11/2022

نتنياهو والملفات الحساسة.. هل ينجح بمواجهتها كما يريد؟

شارل ابي نادر

 نشر إعلام العدو الاسرائيلي مساء الخميس 3 /11 /2022 النتائج الرسمية لانتخابات "كنيست" الكيان بعد فرز جميع الأصوات، مُظهِرًا تصدّر تحالف حزب "الليكود" بزعامة رئيس حكومة الاحتلال الأسبق بنيامين نتنياهو النتائج، بحصوله على 64 مقعدًا، بينما نال تحالف الحكومة الحالية برئاسة يائير لابيد 51 مقعدًا. وفيما أصبحت واضحة وشبه أكيدة عودة نتنياهو إلى السلطة، تبقى أعين المتابعين على طريقة مقاربته المرتقبة في الحكومة التي سوف يشكلها، لكثير من الملفات التي يواجهها الكيان حاليًا مع تركيز هؤلاء المتابعين على الملفين الأكثر حساسية: ملف التعامل مع التطور الصادم لمسار المقاومة الفلسطينية وخاصة  في مخيمات ومدن الضفة الغربية، وملف اتفاقية تحديد الحدود البحرية.

* لناحية التعامل مع المقاومة الفلسطينية:

نظريًا، لا شك أن نتنياهو ووزراء الأمن ومسؤولي الحرب سوف يحاولون الالتزام بسياسة التشدد ضد المقاومة الفلسطينية، وذلك بمواجهة انتفاضة الضفة الغربية، وأيضًا بمواجهة كل ساحات المقاومة الأخرى في فلسطين المحتلة، والسبب - بالاضافة لتشددهم الشخصي أساسًا - أن نجاحهم  في الحصول على الأغلبية في الكنيست، استند إلى أصوات الناخبين والأحزاب المتشددة، والتي تطلب دائمًا من أجهزة الأمن ومن الجيش التعامل بقسوة مع المقاومين، وربما كان هذا السلوك الاجرامي المتشدد والمطلوب اعتماده، أساس نجاحهم في الانتخابات.

من جهة أخرى، ومن الناحية العمليّة، لن يكون باستطاعة الحكومة المتشددة بزعامة نتنياهو أن تُطلق يدها كما تريد بمواجهة المقاومة الفلسطينية، حيث هناك الكثير من المتغيّرات التي تحيط وترعى طريقة التعامل مع المقاومة اليوم، والتي سوف تحتم على أجهزة أمن العدو الالتزام بسياسة استثنائية، ومن أهم هذه المتغيرات اليوم النقاط التالية:

 1 - ما طرأ على بنية وتجهيز فصائل المقاومة الفلسطينية والمختلف بشكل جذري عن السابق، وعلى رأسها أسلحة نوعية جديدة من صواريخ ومسيّرات، حيث كانت سلسلة المواجهات الأخيرة كمعركتي "سيف القدس" و"وحدة الساحات" بعض نماذج عملها الفعالة، والتي أظهرت عجزا ولو جزئيًا في قدرات "الدفاع" الاسرائيلية، في مواجهتها أو في منعها من الوصول الى عمق مواقع ومستوطنات ومدن الكيان.

2 - وحدة ساحات المقاومة الفلسطينية التي أصبحت حقيقة ثابتة، حيث ارتبطت كل المواجهات أو أعمال المقاومة على كامل تراب فلسطين المحتلة ببعضها بعضا ارتباطًا وثيقًا، لتُطلق صواريخ غزة مقابل أي اعتداء في أحياء القدس المحتلة، أو مقابل أي توغل للعدو في مخيمات الضفة، ولتطلق العمليات الصاعقة لأبطال مخيمات الضفة وتتمدد ردًا على أي استهداف في رفح أو في بيت حانون أو في غزة أو في جباليا.

3- تخلي أبطال مخيمات الضفة الغربية أنفسهم عن اتفاق اوسلو - مثلما تخلى عنه نتنياهو، ليتجاوزوا  بهذه العمليات البطولية اللافتة التي نشهدها كل اجراءات السلطة الفلسطينية، لا بل استطاعوا أن يجرّوا معهم على طريق المقاومة والعمليات البطولية ضد المستوطنين وأجهزة الامن الصهيوينة،  الكثير من عناصر أجهزة أمن هذه السلطة.

4- المعطيات الأخرى الخارجية غير المتعلقة بتطور مستوى العمل المقاوم، والتي سوف تقيّد أو تؤثر على حكومة نتنياهو في اعتمادها مسارًا متشددًا، يمكن استنتاجه مما قاله مؤخرًا مسؤولان أميركيان كبيران لموقع "والاه" الإسرائيلي، بأنّ "إدارة الرئيس الأميركي لا تتوقع أن تعمل مع إيتمار بن غفير، إذا تمّ تعيينه وزيراً في الحكومة التي سيشكلها نتنياهو، وإذا رفضت الإدارة الأميركية العمل مع بن غفير، فإنّ هذا الأمر سيشكّل تطوراً لافتاً في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة". وفيما يطالب إيتمار بن غفير صاحب الكتلة الفائزة مع نتنياهو بوزارة الامن في حكومة الأخير المرتقبة، وهو الأكثر تشددًا بانتمائه لليمين المتطرف والمشارك بأكثر من مرة في محاولات اقتحام المسجد الأقصى، سيخلق في رفض طلبه مشكلة غير بسيطة لنتنياهو، قد تؤثر على تحالف الأخير الذي سوف يستعين بكتلته لتشكيل الحكومة.  

* لناحية ملف الترسيم مع لبنان:

صحيح أن نتنياهو كان قد أكّد سابقًا في حديث لاذاعة جيش العدو ردًا على سؤال بشأن الغاء ما سمي بـ"اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان" حال فوز حزبه في انتخابات الكنيست المقبلة "أنني سأتعامل معه تمامًا كما تعاملت مع اتفاق أوسلو" (بمعنى انه سوف يتجاهله)، واصفا إياه بأنه "اتفاق استسلام تاريخي"، حيث وافق يائير لابيد على كل مطالب حزب الله، وكان خائفًا، ولهذا السبب استسلم. ولكن ايضًا هناك الكثير من المعطيات التي رعت هذا الاتفاق وأجبرت لابيد على السير به مرغمًا، والتي سوف تجبر نتنياهو على الالتزام به، وحمايته أكثر من لابيد ربما، وهي:
1 - قدرات حزب الله النوعية، والتي كان نتنياهو يعلم بها وحاول محاربة اكتمالها بشتى الوسائل وفشل. ولكن اليوم، مثّلت محاولة "اسرائيل" الاستخراج من كاريش قبل تسوية الأمر مع لبنان، وتدخل حزب الله عمليًا بالمسيّرات لمنعهم، فرصة عملية لتتعرف أجهزة العدو العسكرية والأمنية ومسؤولوه على هذه القدرات النوعية الحساسة مباشرة وعلى الارض وفي البحر، ولتتعرف ايضًا على جدية حزب الله وجرأته والتزامه بالمعادلة التي وضعها أمينه العام سماحة السيد حسن نصرالله تحت مسمى كاريش وما بعد بعد كاريش، وهذه القدرات التكتية والنوعية أو هذه المواقف الواضحة والجريئة، لن ينخفض مستواها مع تبدل الكتل في الكنيست أو مع تبدل رؤساء الحكومات في الكيان، بل انه مع وجود سلطة متشددة خاصة بقيادة نتنياهو، سوف يرتفع مستواها (قدرات وجرأة حزب الله) أكثر من الفترة التي واكبت مفاوضات وتوقيع وثيقة تعيين الحدود.

2- المعطيات الخارجية الدولية والمتعلقة بحاجة الغرب الى مصدر نسبي من شرق المتوسط كبديل للغاز الروسي ما زالت موجودة، لا بل تتقدم وتكبر هذه الحاجة يوما بعد يوم، وحاجة هذا الغرب ايضًا لإبعاد أي مواجهة أو حرب في هذه المنطقة تشتت تركيزه عن معركة مواجهته لروسيا في أوكرانيا، أيضًا ما زالت هذه الحاجة موجودة وتتقدم أكثر وأكثر.
 
من هنا، قد يشهد الداخل الاسرائيلي مع حكومة نتنياهو مستوى أعلى من التشدد في مقاربة الكثير من الملفات، خاصة اعلاميًا ودينيًا وسياسيًا، ولكن عمليًا، سوف تبقى هذه الحكومة مقيدة بالالتزام بوثيقة تعيين الحدود البحرية، وسوف تتقيد بما هو الأنسب والأقل خطرًا على المستوطنات وعلى عناصر أجهزتها الأمنية، في مقاربتها بمواجهة التغييرات المفصلية والنوعية التي ظهرت مؤخرًا في مسار تطور عمل واستراتيجية المقاومة الفلسطينية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات