آراء وتحليلات
خلافات داخل ادارة بايدن حول أوكرانيا.. وهيئة الأركان "اغتنموا اللحظة"
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي.
بعد الضجة التي أثارها العديد من القادة الجمهوريين البارزين، قبيل انتخابات التجديد النصفية الامريكية، وتهديدهم بوقف الدعم (المالي والعسكري) لكييف في حال فوزهم، كونه يستنزف الاقتصاد الامريكي، احتدم الجدل مجددا في واشنطن، لكن هذه المرة بين أركان البيت الواحد، مع ظهور خلافات على أعلى المستويات داخل حكومة الولايات المتحدة، حول ما إذا كان يجب الضغط على أوكرانيا ودفعها الى السير بالخيار الدبلوماسي لإنهاء المواجهة مع روسيا.
فبعدما حثّ جنرال أمريكي كبير، على ضرورة إجراء القادة الاوكران مفاوضات مع موسكو، عارض هذه الفكرة بالمقابل، مستشارون آخرون للرئيس جو بايدن، واعتبروا أن الوقت ما زال مبكرًا جدًا.
من هذا الجنرال؟ وعلى ماذا استند في طرحه القاضي باعتماد الدبلوماسية مع الكرملين؟
في الواقع يعود هذا الاقتراح، الى رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي الذي كان طرح في الأيام القليلة الماضية، في اجتماعات داخلية للادارة الامريكية، أن وتيرة القتال قد تخفت خلال أشهر الطقس البارد، مع فرصة أقل لمزيد من التغيير الأساسي على الأرض، مما يوفر فرصة للمحادثات، وأشار ميلي إلى صور الأقمار الصناعية التي تظهر أن الروس يحفرون الخنادق ويقيمون خطوطًا ثابتة عبر معظم الأراضي التي استولوا عليها، استعدادًا لفصل الشتاء، حيث من المفترض أن تستقر الجبهات.
ليس هذا فحسب، استشهد الجنرال ميلي خلال مناقشات البيت الأبيض بالحرب العالمية الأولى عندما انخرط الطرفان في سنوات من حرب الخنادق مع تغيير طفيف في الأراضي، مذكرًا بملايين الضحايا الذي قضوا بلا جدوى، وهو مثال استخدمه في خطابه في نيويورك ايضًا.
كما أوضح ميلي في مقابلة على قناة CNBC الخميس الماضي "اننا رأينا الجيش الأوكراني يقاتل الجيش الروسي، ويصل إلى طريق مسدود... الآن، ما يخبئه المستقبل غير معروف بأي درجة من اليقين، لكننا نعتقد أن هناك بعض الاحتمالات هنا لبعض الحلول الدبلوماسية."
المثير للاهتمام، ان هذا الخلاف، خرج من داخل الغرف المغلقة الى العلن، في الأيام الأخيرة حيث أدلى ميلي بتعليقات صحفية توجه فيها بالنصح الى القيادتين الأمريكية والاوكرانية في آن معا، قائلا لهم في خطاب ألقاه في نيويورك يوم الأربعاء الفائت "اغتنموا اللحظة".
ما كان رد البيت الأبيض على طرح ميلي؟
عمليا، لم تجد نصائح ميلي آذانا صاغية لدى البيت الابيض، الذي حاول كعادته ذر الرماد بالعيون، عبر إظهار الحياد والنأي بنفسه عن أي تصور بأنه يدفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفعل أي شيء من شأنه أن يتنازل عن الأراضي للروس.
وعلى المنوال ذاته، عارض كبار المسؤولين الآخرين في ادارة بادين الفكرة، مؤكدين أن أيا من الجانبين غير مستعد للتفاوض بجدية، وأن أي توقف للقتال سيعطي فقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فرصة لإعادة تنظيم صفوفه.
وذهبت ادارة بايدن الى أبعد من ذلك، بإعلان البنتاغون الخميس الماضي أنه سيرسل 400 مليون دولار أخرى كمساعدات عسكرية لأوكرانيا. وكان من بين الأسلحة التي يتم شحنها أول أنظمة دفاع جوي متحركة من طراز Avenger، بالإضافة إلى صواريخ Stinger، ومدافع هاون، وقذائف مدفعية، وعربات همفي، ومعدات تستخدم في الطقس البارد، فضلا عن ذخيرة لأنظمة صواريخ عالية الحركة من طراز HIMARS.
المفارقة، ان وزارة الدفاع الامريكية، رفضت الطلبات الأوكرانية للحصول على طائرات من دون طيار Gray Eagle MQ-1C، والتي يخشى المسؤولون الأمريكيون من إمكانية استخدامها لتصعيد الحرب واستفزاز روسيا إلى تصعيد آخر قد لا تحمد عقباه.
على الرغم من ذلك، لم تخلُ مواقف الولايات المتحدة من التناقضات الواضحة، خصوصا بعدما سيطرت مسألة المفاوضات على المحادثات على جانبي المحيط الأطلسي في الأيام الأخيرة، بحيث يحاول المسؤولون الأمريكيون والأوكرانيون والروس والأوروبيون، فك رموز الإشارات المتضاربة أحيانا، والصادرة من واشنطن.
ما أبرز التناقضات؟
في الحقيقة، تركت الرحلة التي قام جيك سوليفان مستشار الرئيس للأمن القومي إلى كييف الأسبوع الماضي، انطباعا لدى البعض، بأن إدارة بايدن كانت تضغط على زيلينسكي لإبداء استعداده للتفاوض على الأقل، لكن المسؤولين الأمريكيين نفوا ذلك، واقروا، في نهاية اجتماع ركز بشكل أساسي على القضايا الأخرى المتعلقة بالحرب ان سوليفان اقترح أن يفكر زيلينسكي في شكل "السلام العادل".
أكثر من ذلك، تفاقم الارتباك بسبب التعليقات الغامضة التي أدلى بها بايدن في مؤتمر صحفي بعد الانتخابات الأربعاء الماضي، عندما سئل عما إذا كان يعتقد أن أوكرانيا لديها الآن النفوذ الذي تحتاجه لبدء المفاوضات، حينها ترك الرئيس الباب مفتوحًا، وقال: "يبقى أن نرى ما إذا كان سيصدر حكم بشأن ما إذا كانت أوكرانيا مستعدة لتقديم تنازلات مع روسيا أم لا". المثير للسخرية، انه بعد الضغط عليه لاحقًا بشأن ما إذا كان يقترح أن تفكر أوكرانيا في التفاوض على صفقة التنازل عن بعض الأراضي، سرعان ما نفى بايدن ذلك، وقال: "الأمر متروك للأوكرانيين. أنا أعرف شيئًا واحدًا: لن نخبرهم بما يتعين عليهم فعله".
وبناء على ذلك، اكد بعض المسؤولين الحاليين والسابقين ان الفروق الدقيقة في وجهة نظر الإدارة تؤدي الى الضياع، بينما لا تضغط حاليًا لإجراء محادثات تريد الإدارة أن تكون مستعدة للدبلوماسية في وقت لاحق عندما يكون ذلك منطقيًا.
وتعقيبا على ذلك، قال تشارلز .أ. كوبشان، الأستاذ بجامعة جورجتاون والذي عمل مستشارًا لشؤون أوروبا مع الرئيس باراك أوباما: "الإدارة الأمريكية تحاول غرز الإبرة.. يريدون تقديم إمكانية الدبلوماسية، دون أن يبدو أنهم يخبرون الأوكرانيين بما يجب عليهم فعله ".
ماذا عن موقف زيلينسكي؟
كرر زيلينسكي ومساعدوه هذا الأسبوع أن أوكرانيا اقترحت مرارًا استئناف محادثات السلام مع روسيا، وأن مثل هذه المحادثات لا يمكن أن تبدأ حتى تنسحب القوات الروسية وتعيد الأراضي التي استولت عليها. لكن اللافت، أن الرئيس الأوكراني لم يكرر تصريحاته السابقة بأن المحادثات يبدو أنها لا يمكن أن تبدأ، بينما كان بوتين يقود روسيا، وهذه تعد اشارة مهمة او مقدمة لتجاوب زيلينسكي مع المفاوضات في المستقبل، متى امرته واشنطن بذلك.
في المحصلة، مقابل القادة الأمريكيين المعارضين لفكرة ميلي باعتماد الدبلوماسية كخيار للازمة الاوكرانية، هناك على المقلب الاخر، قناعة ثابتة لدى العديد من المسؤولين الامريكيين الذي يشاطرون الجنرال المذكور الرأي، ومفادها أن النقطة ليست مكافأة بوتين، لكن ربما يكون هذا هو الوقت الذي يمكن فيه لأوكرانيا وحلفائها البدء في العمل نحو حل سياسي، لأن الحل العسكري قد لا يكون ممكنًا في المستقبل القريب.
الانتخابات النصفية في أميركامارك ميلي
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024