معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الانتخابات الأميركية: الديمقراطية نفقت داخليًا.. والمؤامرات مستمرة خارجيًا ‎‎
14/11/2022

الانتخابات الأميركية: الديمقراطية نفقت داخليًا.. والمؤامرات مستمرة خارجيًا ‎‎

يونس عودة

لا شك أن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية كرّست في واحد من وجوهها المتعددة الانقسام الأميركي، ولكن بشكل أكثر حدة، لا سيما بعد الانتخابات الرئاسية الماضية التي كان أبرز افرازاتها اقتحام الكابيتول، اذ أظهر استطلاع للرأي أن الحزب الجمهوري -وشعاره "الفيل" - يفوز بدعم أكبر من الناخبين السود وتحسن موقعه بين الناخبين اللاتينيين، ما يظهر تزايد جاذبية الجمهوري بين الأقليات التي كانت تفضل الديمقراطيين وشعارهم "الحمار".

أما في المضمون السياسي الآخر، فقد عبّر غالبية الناخبين الأميركيين (70%) عن هاجس مركزي وهو المتعلق بـ"الديمقراطية" داخل المجتمعات الأميركية، جراء احتدام المنافسة بين الحزبين الوحيدين في الولايات المتحدة وما يؤدي الى سحق الشعار الممجوج، أي الديمقراطية، بين أقدام الفيلة، وحوافر الحمير.

بهذه الحالة، ليست الانتخابات الأميركية إلا مسألة صراع داخلي على السلطة، توزع الأدوار فيها الدولة العميقة التي تتحكم بإداراتها كبريات الشركات الناهبة لثروات العالم، بينما السياسات الخارجية لكلا الحزبين واحدة في العداء لكل من يرفض سياسة الاملاء والخضوع للتجبّر الأميركي، ويبقى الخلاف بينهما في التكتيك للوصول إلى الهدف الواحد.

لقد حافظ الحزب الديمقراطي على أكثرية بسيطة في الكونغرس (50 مقعدًا)، واعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن النجاح غير المتوقع للديمقراطيين في انتخابات منتصف الولاية قد وضعه في موقف أقوى، مضيفًا: "أشعر أنّني بحال جيدة وأتطلع إلى العامين المقبلين".

بلا شك أن أمام الإدارة الحالية ملفات ثقيلة بسبب أوكرانيا وانعكاسات الحرب هناك على الاقتصاد العالمي، ولا سيما مسألتي الغاز والنفط والحبوب، وبالأخص حل معضلة الغاز لاوروبا، وبهذا المجال، ليس أمام واشنطن صاحبة الوعود الاغراقية سوى 3 مصادر مضطرة للجوء اليها: روسيا حيث العقوبات هي أساس العلّة لأوروبا المتورطة والغريقة بالوعود الأميركية الوهمية، والسعودية الرافضة للتفاعل مع الإدارة الحالية في هذا المطلب، والجمهورية الإسلامية في ايران، حيث الصراع المفتوح مع الولايات المتحدة منذ عام 1979. وطبعًا ايران غير مستعدة لملاقاة واشنطن في منتصف الطريق، لا بل تريد الوصول إلى ما التزمت به واشنطن في الاتفاق النووي، ولا تزال أميركا تهرب إلى الأمام وتأخذ معها الأوروبيين إلى الهاوية، بالتوازي مع محاولة منع تعزيز العلاقات بين روسيا وإيران، وهذه واحدة من أحلام واشنطن الكابوسية.

إن قادة الكيان الصهيوني المؤقت يفاخرون بإجهاضهم الاتفاق النووي ومنع تطبيقه، سواء عندما كان الجمهوريون في السلطة أو بعد عودة الديمقراطيين الذين وافقوا سابقًا على مندرجات الاتفاق وتعاونوا للوصول إليه، ليصبح الأمر حاليًا أكثر إلحاحًا بالنسبة إليهم بعد عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة في الكيان.  

ليس أمام إدارة بايدن إلا العودة إلى المفاوضات النووية مع الجمهورية الإسلامية بالتوازي مع ما ينقل من مخاوف منسوبة إلى دبلوماسيين غربيين بأنه: "إذا فشلت المفاوضات المتوقفة منذ اشهر بشأن الاتفاق، فقد تعلن روسيا عن نية رعاية الاتصالات النووية مع إيران، وبالتالي إجبار المجتمع الدولي على الموافقة على صياغة قد تكون مفيدة للإيرانيين اكثر".

طبعًا الوضع في جنوب شرق آسيا ملف يؤرق الولايات المتحدة بغض النظر عن المتربّع على عرش السلطة، أكان الجمهوريين أو الديمقراطيين، فالمشكلة تتفاقم مع الصين رغم مناورات واشنطن في محاولات إبعاد الصين عن روسيا، مع استفزازات أميركا المبرمجة سواء في بحر الصين أو ما يتعلق بتايوان، لا سيما مع تعاظم قوة الصين العسكرية، والرسالة الصارمة للرئيس شي جين بينغ خلال تفقده منطقة عسكرية باللباس العسكري، ودعوته القوات المسلحة للاستعداد النوعي للقتال، بعد المؤتمر العام للحزب الشيوعي الحاكم، وابعاد كل الشخصيات التسووية مع الولايات المتحدة من القيادة، بغض النظر عما سيسفر عنه لقاء بايدن مع الرئيس الصيني في قمة العشرين التي تنعقد في اندونيسا.

كان لافتًا تشخيص ساسة أوربيين وطبعًا من جراء التجربة الحية سياسة الولايات المتحدة المجبولة بالاكاذيب والتضليل، ومن هنا كانت دعوة النائبة في البرلمان الألماني، سارة واغنكنخت، واشنطن إلى التخلي عن سياسة "فرق تسد" في استراتيجيتها لمواجهة روسيا والصين، واتهمت النائبة الألمانية البيت الأبيض بتأجيج الصراع في أوكرانيا بهدف استعادة أمجاده، وبسط نفوذه على العالم الذي لا يروق لواشنطن أن يصبح متعدد الأقطاب، وقالت ان "حماقة ساسة البيت الأبيض تكمن في محاولاتهم كبح جماح موسكو وبكين، عوضا عن السعي لبناء أسس الشراكة معهما".

وقد أعلنت النائبة السابقة في البرلمان الأوروبي من أيرلندا كلير ديلي، أن واشنطن شنت بسبب أوكرانيا واحدة من أكثر الحروب الدعائية في عصرنا ضد روسيا، وقالت في حديث لصحيفة "Junge Welt": يتهم البعض روسيا بالدعاية، لكن في حقيقة الأمر فإن كل شيء هنا تفرضه مراكز التحليل ووسائل الإعلام التي تمولها الولايات المتحدة".

طبعًا، هذه المواقف ليست اكتشافًا بقدر ما هي محاكاة حقيقية للواقع، فالرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما أعلن ومن دون رمشة عين، وفي محاضرة له في كيفية السيطرة على العقول وتدجينها، أنه "تحتاج فقط إلى افساد الرأي العام لبلد ما بالبريد العشوائي وطرح أسئلة كافية، ونشر ما يكفي من الشائعات وزرع نظريات مؤامرة كافية لارباك مواطني هذه البلدان بما يجب تصديقه، وبمجرد أن يفقدوا الثقة في قادتهم في وسائل الاعلام الرئيسية، في المؤسسات السياسية... في الحقيقة، نحن نفوز" أي أميركا تفوز.

بغض النظر عمن يكون في السلطة الأميركية، فإن السياسة الأميركية هي واحدة، لا مكان فيها للحقيقة ولا للديمقراطية، ولذلك فإن نتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي بحد ذاتها، لن تكون مطابقة للحقيقة وانما للواقع الأميركي وليست الاتهامات المتبادلة دوما بين الحزبين بان الحملات الانتخابية عادة ما يتخللها التلاعب والتزوير، إلا دليل ساطع على ما هو جوهر اميركا، وبالتالي هناك استحالة أن يتغير الوضع في مجال السياسة الخارجية، إلا من خلال الفرض على الولايات المتحدة، وهذا الفرض لا يكون إلا من خلال بناء القوة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات