آراء وتحليلات
القبضة الامريكية على انظمة الخليج (2): بلاك ووتر وتدريب الجيش الاماراتي
د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
مخطئ من يظن ان الممالك الخليجية يمكن ان تفكر يوما ما بالخروج عن السياسات الامريكية المرسومة لها. وخائب من يراهن ان قادة هذه الدول يسيرون عكس رغبات املاءات واشنطن، او بامكانهم اتباع نهج مستقل في تقرير سياساتهم الداخلية والخارجية والاهم الامنية، بالرغم مما نراه من مواقف او قرارات تصدر عن هذه الدول، وتشي انها تمردت على امريكا، لكن في الحقيقة هي اقرب الى مسرحيات هزلية، لا وجود لها على أرض الواقع.
وتوخيا للواقعية، وحتى لا يضع احد كلامنا في الإطار التنظيري، لنأخذ دولة الإمارات العربية المتحدة كمثال حي، يؤكد حجم النفوذ العسكري والتأثير الأمريكي على كافة نواحي الحياة في هذا البلد، والاهم داخل المؤسسات العسكرية والامنية، وما كلام المسؤولين الإماراتيين من أن "شراكتهم الشاملة مع الولايات المتحدة أفادت البلدين بشكل كبير في التجارة والأمن" الا دليل واضح على التبعية المطلقة.
الشهادة الأبرز في هذا الاطار جاءت على لسان سفير الإمارات في الولايات المتحدة ورجلها الأقوى يوسف العتيبة، الذي قال في معرض تعليقه على هذا الأمر "على مدى السنوات الخمسين الماضية، لم تلعب أي دولة دورًا مهمًا في تقدم الإمارات وأمنها مثل الولايات المتحدة". وأضاف "لقد استفدنا من الخبرة الأمريكية في كل مجال تقريبًا لبناء المعرفة وتطوير اقتصادنا وتعزيز مجتمعنا وحمايته."
ما حجم وجود المستشارين العسكريين الأمريكيين في الامارات؟
استعانت القوات المسلحة الإماراتية وشركات الدفاع المملوكة لحكومتها، بمقاولين عسكريين أمريكيين من جميع المستويات، من خلال عرض ضعف أو ثلاثة أضعاف ما كسبوه في وطنهم الامّ.
تحافظ الإمارات العربية المتحدة على سرية الكثير من المعلومات حول قواتها المسلحة، لكن المحللين يقدرون أن الإمارات تنفق 22 مليار دولار سنويا على الدفاع، وهو نفس المبلغ تقريبا الذي تنفقه تركيا، ووفقا لوكالة المخابرات المركزية، فإن القوات المسلحة الإماراتية لديها 65 ألف جندي في الخدمة الفعلية، على غرار كندا وأستراليا.
تعتمد الامارات العربية، بشكل كبير، على الأجانب لتشغيل قواتها المسلحة، تماما كما تفعل في تشغيل الاقتصاد بأكمله، فعدد العمال المهاجرين يفوق عدد المواطنين الإماراتيين بنسبة 9 إلى 1. وقدر أندرياس كريغ، أستاذ الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن، أن الأجانب يشكلون 40 في المئة من الأفراد النظاميين في الإمارات.
من هنا، وعلى مدى السنوات السبع الماضية، سعى 280 متقاعدًا عسكريًا للحصول على إذن اتحادي للعمل في دولة الإمارات - أكثر بكثير من أي دولة أخرى - وفقًا لوثائق حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست بموجب قانون حرية المعلومات (FOIA).
تبعا لذلك، ساعد تدفق المحاربين القدامى الأمريكيين المستعدين لبيع خبراتهم العسكرية لقوة أجنبية ــ معظمهم بموافقة البنتاغون ووزارة الخارجية ــ الإمارات الصغيرة ولكن الغنية بالنفط، على بناء الجيش الاماراتي ليطلق العنان لتدخلاته العسكرية في الخارج.
الأكثر إثارة، هو من بين أولئك الذين عملوا كمقاولين عسكريين أو مستشارين للإماراتيين، جنرالات تركوا بصماتهم في خوض الحروب الأمريكية في الشرق الأوسط. ومن بين هؤلاء الجنرال المتقاعد من مشاة البحرية جيم ماتيس، الذي عمل مستشارًا عسكريًا للإمارات، قبل أن يصبح وزيراً للدفاع (الحرب) في إدارة ترامب، بحسب الوثائق.
لكن مهلا، هؤلاء المتقاعدون العسكريون الـ 280 الذين تم تحديدهم في السجلات ليسوا سوى جزء من الأمريكيين الذين يعملون متعاقدين عسكريين في الإمارات. يقدر المحللون أن المئات من قدامى المحاربين الأمريكيين الآخرين يعملون لدى الحكومة الإماراتية أو الشركات المملوكة للدولة، حيث لا يتعين على الأمريكيين الذين خدموا أقل من 20 عامًا بالزي العسكري، السعي للحصول على إذن فيدرالي لتولي وظائف أجنبية، إذ لا تتعقب حكومة الولايات المتحدة عدد الوظائف في الخارج.
تكشف الوثائق الامريكية أن الإمارات وظّفت أمريكيين للمساعدة في إدارة كل جزء تقريبا من آلتها العسكرية. إذ انهم يعملون مستشارين استراتيجيين، وميكانيكيين للطائرات، وطيارين مدربين، ومشغلي طائرات من دون طيار، وخبراء دفاع صاروخي، ومدربي مدفعية، ومتخصصين في الرادار، ومستشارين للأمن السيبراني، ومخططين لوجستيين، ومشرفين على الصيانة. وهولاء معظمهم من قدامى المحاربين في القوات الجوية والجيش الأمريكي، وحوالي الثلث من الضباط المتقاعدين.
حصل معظم الأمريكيين على وظائف بواسطة شبكة من مقاولي الدفاع تسيطر عليها حكومة الإمارات، وأكبر الشركات هي شركات تابعة لـ Edge Group، وهي مجموعة دفاعية مملوكة للدولة الاماراتية تبلغ إيراداتها السنوية 5 مليارات دولار.
ما علاقة شركة بلاك ووتر للمرتزقة بالامارات؟
إلى جانب توظيف الأميركيين كمتعاقدين مدنيين، يضم الجيش الإماراتي في صفوفه النظامية آلاف المرتزقة من بلدان أخرى، العديد منهم يأتي من دول مثل باكستان وعمان واليمن، في حين يتم تجنيد آخرين من أماكن بعيدة مثل شرق أفريقيا وأمريكا الجنوبية، بينما يقود لواء استرالي سابق الحرس الرئاسي الإماراتي، ويترأس حوالي 12 ألف جندي من قوات النخبة.
تزايدت استعانة الإمارات العربية المتحدة بالامريكيين للاشراف على الاعمال العسكرية والامنية في عام 2010، عندما احتضنت أبو ظبي إريك برنس، مؤسس شركة بلاك ووتر العالمية، وهي شركة أمنية أمريكية خاصة بارزة اكتسبت سمعة سيئة في عام 2007، بعد ان قتل حراسها 14 مدنيا عراقيا أعزل، في بغداد. خدم برنس، وهو ضابط سابق في البحرية الأمريكية، في الجيش الأمريكي لمدة أربع سنوات قبل أن يبدأ مع شركة بلاك ووتر، حيث أنشأ معسكر تدريب تبلغ مساحته 7000 فدان في ولاية كارولينا الشمالية.
ماذا كانت مهمة برنس؟
من خلال العمل نيابة عن الإماراتيين، ساعد برنس في تجنيد مئات الجنود السابقين من كولومبيا وجنوب إفريقيا ودول أخرى لتشكيل قوة كوماندوز تدربت في معسكر بالقرب من أبو ظبي. لكن ما لبثت ان فشلت خطط وحدة الكوماندوز واختلف برنس مع قادة الإمارات، غير ان الدولة الاماراتية استمرت في البحث خارج حدودها عن الخبرة القتالية والخبرة العسكرية.
وفي الوقت ذاته تقريبا، ضمت القوات المسلحة الإماراتية، أمريكيًّا آخر في صفوفها، وهو ستيفن توماجان (مقدم متقاعد خدم 20 عاما في الجيش الأمريكي) الذي أصبح قائدا لوحدة طيران العمليات الخاصة الإماراتية التي تسمى المجموعة 18. كذلك تولى لاحقا مسؤولية قيادة الطيران المشتركة في دولة الإمارات.
ليس هذا فحسب، يشغل توماجان منصب المدير العام للمركز الوطني للبحث والإنقاذ في الإمارات، ويروج علنا لعلاقته الوثيقة مع الامير محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة وزميله الطيار العسكري سابقا.
في الختام، يقرّ المسؤولون الامريكيون ان الامارتيين اكتسبوا نفوذاً هائلاً وهم يتفوقون على فئة وزنهم، وانهم استخدموا ذلك لتقويض السياسة الخارجية للولايات المتحدة ودعمها لسيادة القانون والديمقراطية ومكافحة الإرهاب كما يدعون، لكن التجربة دلت ان امريكا تقدم مصالحها على جميع الاعتبارات حتى لو كانت الامارات متهمة بارتكاب انتهاكات فظيعة وفقًا لجماعات حقوق الإنسان، حيث نقلت وكالة "أسوشيتد برس" أن بعض السجناء اليمنيين تم تقييدهم إلى "شواية" وتم تحميصهم ببطء على ألسنة اللهب المكشوفة".
الحلقة الاخيرة: الامارات توظّف وزير الدفاع في ادارة ترامب جيم ماتيس.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024