آراء وتحليلات
تركيا..بين الدخول إلى شرق الفرات والأمن العربي
علي إبراهيم مطر
مع انطلاق الأحداث في سوريا وعسكرة الأزمة، رمت تركيا كل ثقلها في دعم المعارضة السورية، معتبرةً أن ما يحصل هو "ثورة" ستؤدي إلى وصول حلفائها إلى السلطة كبديل للرئيس بشار الأسد، وبدأ الدعم التركي اللامتناهي للمعارضة المسلحة التي تعمل على إسقاط الدولة السورية.
وشكل دخول تنظيم "داعش" إلى سوريا والعراق، أحد أوجه الاستفادة التركية من أجل توسيع نفوذها في دول الجوار العربية، وبالتالي توسيع نفوذها في الشرق الأوسط. ومع صعود حدة الحرب في سوريا، ودخول تركيا كأحد اللاعبين الفاعلين فيها، لما لها من أثر وانعكاسات مهمة على أنقرة خصوصًا وعلى المنطقة عمومًا، إذ تعتبر الحدود التركية - السورية الحدود البرية الأطول لتركيا، حيث تبلغ حوالي 900 كلم، بكل ما يعنيه ذلك من مصالح وتهديدات مشتركة ومتبادلة، سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، حيث تتشارك الدولتان في تعقيدات الملف الكردي في المنطقة، والذي يشكل أحد أبرز التحديات من وجهة نظر أنقرة، ويجعل حكومة أردوغان تعمل كل ما بوسعها لإبعاد هذا الخطر عنها، حيث تنظر إلى التهديد الكردي على أنه تهديد للأمن القومي، وهذا ما يدفعها إلى القيام بخطوات متعددة لمحاربة هذا المكون، عبر الدخول إلى غرب وشرق الفرات.
لقد صرح أكثر من مسؤول تركي أن القوات التركية ستبقى في سوريا ما يلزم من الوقت لتطهير كل المنطقة الحدودية. ويأتي انتشار القوات التركية في إدلب وحلب بهدف منع "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة الأميركية من توسيع سيطرتها في شمال سوريا، والتي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، ونفذت عمليات "درع الفرات" في المنطقة الواقعة بين نهر الفرات إلى الشرق والمنطقة التي يسيطر عليها "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" حول أعزاز إلى الغرب.
ومن ضمن العمل التركي داخل الأراضي السورية، تمكنت القوات التركية من دخول مركز مدينة عفرين في الثامن عشر من آذار 2018، بعد شهرين من شنها للعملية التي أطلقت عليها (غصن الزيتون)، في العشرين من كانون الثاني 2018، موجهة ضربة قوية للفصائل الكردية ومشروعها السياسي. وكانت هذه العملية موجهة ضد وحدات حماية الشعب الكردي، لمنع قيام دولة كردية؛ بوصفها المهدد الأول للأمن القومي التركي، حيث كانت هذه القوات تسيطر على ما يقارب 90% من الأراضي السورية المحاذية للحدود التركية، وشكلت هذه القوات ممراً يربط مناطق الأكراد في كل من العراق وتركيا وسوريا.
انطلاقاً مما تقدم تأتي المساعي التركية للدخول إلى شرق الفرات، بعد أن دخلت القوات التركية إلى غرب الفرات، حيث تعتبر أن شرق الفرات تحول إلى مركز لوجستي للتدريب والتخطيط لـ"بي كي كي"، فتركيا تعلن باستمرار أنها لا تقبل بتواجد عسكري كردي يمكن أن يشكل خطرًا عليها سواء في الشمال أو الجنوب، أو الشرق أو الغرب، وهذا ما يجمعها على طاولة المفاوضات مع واشنطن لحل هذه المسألة.
إذاً، فأنقرة ترى أن مناطق شرق الفرات هي الأساس في المشروع الكردي في سوريا، وأنها الأخطر والأهم من منظور أمنها القومي، ولذلك فهي تهدد منذ فترة بإطلاق عملية عسكرية واسعة ضد القوات الكردية في تلك المناطق، وتحدث اردوغان مؤخراً أن بلاده قد أكملت استعداداتها لها، حتى أن بعض وسائل الإعلام التركية قد أطلقت عليها – أو سرّبت – أسماء محددة، لكن هذه المعركة لن تكون سهلة على تركيا، لما يحكمها من توازنات من قبل حلفاء سوريا في المنطقة، فضلاً عن التواجد الأميركي فيها، وهي تختلف عن معركة غرب الفرات لجهة عدد مسلحي "قسد" هناك وتسليحهم وتدريبهم، ووجود قواعد ونقاط عسكرية أميركية داعمة للأكراد في تلك المنطقة.
هذه التحضيرات التركية، تحصل بشكل ينتهك السيادة السورية، ما يشكل تدخلاً في شؤون هذه الدولة، كما يشكل تهديداً واضحاً للأمن القومي العربي، وكان لافتاً خلال القمة العربية الثلاثين التي انعقدت في تونس، إثارة هذا الموضوع بشكل واضح من خلال الحديث عن المنطقة الآمنة التي تعمل تركيا على إنشائها عبر مفاوضات متعثّرة مع الجانب الأميركي. لكن المشكلة أن جامعة الدول العربية أتت متأخرة، بعد أن ساعدت هذه الجامعة بشكل أو بآخر على تأجيج النار الكبرى في سوريا بدلاً من إخمادها على مدى ثماني سنوات، وترك لهيب الحرب يتصاعد لضرب بنية الدولة السورية، بدلاً من تثبيت أركان هذه الدولة لحفظ أمنها وبالتالي حفظ الأمن القومي العربي بأكمله.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024