آراء وتحليلات
تضخيم الذراع الدولي لـ"القاعدة" إعلامياً: الأندونيسيون نموذجاً
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
منذ أن ذاع صيتها في أعقاب أحداث 11 أيلول واعلان مسؤوليتها عن هذه الضربة في العام 2001 التي غيّرت وجه العالم، وتنفيذها المئات من العمليات في غير منطقة من العالم واستهدافها المدنيين، استغل تنظيم "القاعدة" الارهابي شهرته "الدموية" لنشر أفكاره المنحرفة، وبثّ دعوته المسمّاة زورًا "الجهادية" والتي وصلت الى اندونيسيا في العقد الأخير، وذلك بهدف استقطاب واجتذاب عدد كبير من الأشخاص ـــ الراغبين بالموت تحت رايتها لقتال المشركين والكافرين والصليبيين والرافضة (بحسب عقيدة التنظيم الارهابي) ـــ من مختلف الدول والجنسيات.
وعليه، فالبلدان التي عانت وما زالت تعاني من الأزمات والحروب والاحتلالات والاضطرابات، كانت الوجهة المفضلة لهؤلاء الشبّان الذين غُرّر بهم بدءًا من أفغانستان، مرورًا بالعراق، وصولًا إلى سوريا وليبيا، وانتهاء باليمن الذي تحول في العقد الأخير إلى مركز لـ "القاعدة" وبدرجة أقل "داعش"، بينهم اندونيسيون، وأشهرهم "هيرو سيسانتو" الملقب بـ "ابو موسى الاندونيسي".
كيف وصل الاندونيسيون إلى اليمن؟ وما العلاقة التي تربطهم بهذا البلد العربي العريق؟
رغم المسافة الجغرافية الهائلة بين إندونيسيا واليمن، واللغات والثقافات المتباينة بينهما، فإن البلدين يشتركان في رابطة فريدة عمرها قرون من الزمن، وتمتد حتى يومنا هذا.
تعود هذه العلاقة التاريخية بين البلدين إلى القرن الحادي عشر للميلاد، حيث ينحدر العديد من الإندونيسيين من أصول يمنية وتحديداً من منطقة حضرموت، وذلك عندما كان التجار الحضارم يأتون من اليمن إلى إندونيسيا لنقل البضائع التجارية، ودعوة الإندونيسيين إلى الإسلام. ومنذ ذلك الوقت استقر عدد من هؤلاء التجار اليمنيين في إندونيسيا.
لكن بالتوازي مع هذه العلاقات، التاريخية والتجارية بين صنعاء وجاكرتا، وجد تنظيم "القاعدة" استجابة لطروحاته في اندونيسيا، حيث تلقف عقائده الارهابية المتطرفة بعض الإندونيسيين الذين تبنوا نهجه المتشدد، وتورطوا لاحقا في الحرب اليمنية، كما يتضح من حياة أبو موسى الاندونيسي.
إضافة الى ذلك، بزر تنظيم "داعش" الارهابي الوحشي، كمنافس لـ"القاعدة" على اجتذاب الاندونيسيين، وهو ما بينته الدلائل المتمثلة بنشر مواطنين اندونيسيين طلبات على وسائل التواصل الاجتماعي، للانضمام إلى "داعش" في شبه الجزيرة العربية.
كيف ظهر المقاتلون الاندونيسيون في اليمن؟ ومن هي الجهة التي كانوا يقاتلونها؟
مع اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015 اعتقل الجيش اليمني وحركة أنصار الله حوالي 23 إندونيسيًا كانوا يقاتلون مع القوات المدعومة من السعودية والإمارات. ولاحقا جرى السماح للحكومة الإندونيسية بإعادتهم الى بلادهم.
وبحلول عام 2020 ظهر العديد من الإندونيسيين كذلك يقاتلون إما مع "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية أو فرع "داعش" اليمني، بعدما نشر الجيش اليمني وحركة أنصار الله مقطع فيديو عُرضت فيه مشاهد لاغارة قاموا بها على معاقل "القاعدة" في محافظة البيضاء اليمنية.
من هو "ابو موسى الاندونيسي"؟
في الآونة الأخيرة برزت في اليمن حالة هيرو سيسانتو (ابو موسى الاندونيسي) الذي كان وصل إلى اليمن في عام 2014، ثم انضم إلى "القاعدة" في جزيرة العرب لقتال أنصار الله.
الظهور الأول له كان في مقطع فيديو عرضته "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، وحمل سيرة موجزة عنه، لاحقا وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، قدمت الوحدة الطبية التابعة لـ"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية ووكالة الملاحم الإعلامية سيرة ذاتية أكثر تفصيلاً لسيسانتو، وذلك عبر مقطع فيديو آخر مدته خمس دقائق تقريبًا.
وتقول السيرة وفقًا للفيديو إن ما يسمى بـ"مسيرة ابو موسى النضالية، بدأت في أرخبيل راجا أمبات الاندونيسي"، لكن وعلى الرغم من عدم تحديدها أي سنة، فإن خبراء الارهاب في اندونيسيا يجزمون أنها كانت في عام 2008. الجدير بالذكر أن أرخبيل راجا أمبات يقع قبالة ساحل بابوا، وكان شهد في الماضي صراعا طائفيا خطيرا في ذلك العام، وذلك على اثر التوترات التي حصلت بين المسلمين والمسيحيين آنذاك.
ما ينبغي معرفته أن هذه الأحداث والاضطرابات الطائفية، كانت الدافع والحافز الأساسي لأبو موسى الاندونيسي، للسير واتباع نهج التطرف الديني المحلي، حيث ما لبث أن حولته الحرب في سوريا إلى ما يسمى بـ"الجهادي الدولي" نظرًا للدور الذي لعبه في تحريض الشبان على الالتحاق بالتنظيمات الارهابية هناك.
ما هي المهمة التي أوكلت إلى أبو موسى الاندونيسي في اليمن؟
في الواقع، كون سيسانتو (ابو موسى الاندونيسي) لم يكن يتحدث اللغة العربية جيدًا فإن "القاعدة" لم توكل اليه مهمات عسكرية كبيرة، بل كان دوره أساسيًا وراء الجبهات، ومقتصرًا على إعداد الطعام وتجهيز الأسلحة والذخائر التي كان يستخدمها المقاتلون خلال معاركهم مع انصار الله والجيش اليمني، ومع أنه لم يذكر لأبو موسى أي سجل "جهادي"، ولم يمت في معركة (بل بمرض اللوكيميا)، إلا أن "القاعدة" نعتّ سيسانتو كواحد من افرادها مات على طريق ما أسمته "الجهاد"، استنادا لتوصيفها.
وبالرغم من شح المعلومات عن ابو موسى الاندونيسي، إلا أن نشر سيرته يقدم لمحة عن أحد الإندونيسيين القلائل نسبيًا مع "القاعدة" في جزيرة العرب. فهو بعدما فشل بالوصول إلى سوريا لأسباب لم تذكرها "القاعدة" وتكتمت عليها، استبدل وجهته باليمن التي وجد ضالته فيها كطريق يؤدي الى ما يزعمه من "جهاد وشهادة"، مستفيدًا من القيود المخففة على السفر الى هذا البلد.
في المحصلة على عكس سيسانتو وقلة معه، وجد معظم الإندونيسيين الذين سعوا إلى "الجهاد المزعوم" في الخارج طريقهم إلى سوريا، خصوصًا وان تركيا كانت قد شرّعت في مرحلة ما، أبوابها ابان الأزمة السورية، أمام كافة عتاة الارهاب في القارات الخمس.
هي محاولات تضخيم العديد الدولي داخل الجسم التنظيمي الإرهابي لـ"القاعدة"، فقط وفقط لإضفاء صفة المقبولية العالمية في صفوف المسلمين للجهاد المزور.
تسعى الحكومة الإندونيسية جاهدة منذ العام 2020، لإيجاد طريقة لإعادة 660 من المقاتلين الإرهابيين الإندونيسيين الذين تقطعت بهم السبل الآن في عدة دول في الخارج، بما في ذلك سوريا وأفغانستان وتركيا. أما في اليمن فما زالت الأعداد غير معروفة، بسبب ندرة المعلومات عنهم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024