معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

 أمريكا وحرب الإلهاء بالوثائق
14/01/2023

 أمريكا وحرب الإلهاء بالوثائق

عبير بسّام

يبدو أن الفضائح ستتوالى متسارعة حتى قدوم موعد الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني/ يناير من العام 2024، اذ انكشف قبل أيام جديد فضائح "حرب" الانتخابات الأميركية بين دونالد ترامب وجو بايدن المضحكة. وقد ضجت وسائل الإعلام بخبر العثور على وثائق سرية في مكتب كان يستخدمه الرئيس الأميركي جو بايدن في مركز أبحاث في واشنطن، وكان قد أعلن سابقًا عن العثور على وثائق مماثلة في منزله الخاص في ويلمنغتون بولاية ديلاوير، يعود تاريخها إلى فترة توليه منصب نائب الرئيس خلال عهد باراك أوباما.

إنها حرب إلهاء للعالم عامة والأميركيين خاصة. والمشكلة أن حرب الإلهاء هذه لن تنتهي قريباً وستبقى تطارد العالم لفترة طويلة، أي حتى إعلان نتائج الانتخابات الأميركية 2024.

في نهاية العام الماضي أعلن اسم مرشحين رسميين للانتخابات القادمة، وهما المتهالك جو بايدن والمغرور دونالد ترامب. في الكتاب الذي صدر عن "واشنطن بوست" باسم "ترامب بلا قناع"، يظهر مدى حنكة الرجل، على عكس ما أريد أساساً من الكتاب، ألا وهو التحذير منه. ولكن وكما قلنا سابقاً فإن ترامب أريد له أن يقع في فخ الخطاب العنصري بعد قضية جورج فلويد، وحملة حياة السود مهمة، وقد بانت نتائجها في تصويت ملوني أمريكا من أفارقة ولاتينيين للديمقراطيين في انتخابات 2020.

لكن نتائج الانتخابات النصفية 2022 تؤكد أمرين: مدى التلاعب الإعلامي والإعلاني في حرب الانتخابات القادمة كما الماضية، كما جرت العادة في الانتخابات الأميركية، ومدى عجز الديمقراطيين أو الجمهوريين عن اكتساح الساحة الأميركية. اذ إن تقارب النتائج قد لا يكون دليل عافية للديمقراطية الأميركية بقدر ما هو دليل ضعف وعمق للخلاف في داخل الحزب الواحد.

منذ انتخاب بايدن ونائبته كامالا هاريس، والتي كان لوجودها في الصورة كامرأة سوداء وذات أصول مختلطة فضل كبير في نجاحه، ساد يومها اعتقاد وشكّ كبيران بقدرة بايدن على الاستمرار حتى نهاية الفترة الرئاسية، وأن الأمر سيؤول إلى وصول هاريس للرئاسة، ولكن يبدو أن هناك قوة خفية ما تزال تحمي الرئيس على الرغم من تكرار هفواته. اذ لم يكن من المفترض أن يصل بايدن إلى جولة انتخابية ثانية، ولكن خلال إعلانه الترشح حدث ما هو خلاف التوقعات. واليوم أن يقول بايدن أنه لا يتذكر وجود الوثائق السرية في مكتبه أمر لا يمكن أن يصدق خاصة أن هناك من يترصد أخطاءه. فما حدث مع بايدن حرفياً أنه "راشق ترامب بالحجارة وبيته من زجاج". ولهذا معنى وحيد: لقد حمي وطيس المعركة الانتخابية، التي ابتدأت فعلياً بين الرجلين منذ تشرين الثاني/ يناير في العام الماضي.

بعد التحقيقات في وثائق ترامب التي أقر علانية بأخذها، صرّح بشكل واضح أن من حق الرئيس الأميركي رفع السرية عن أية وثائق بجرة قلم. كلامه جاء في سياق تقرير عن العثور على وثائق بايدن على الـCNN. ملفتًا جاء إنكار بايدن بعلمه بوجود الوثائق السرية في مكتبه في واشنطن والتي تعود إلى زمن رئاسة باراك أوباما، أي أن بايدن احتفظ بالوثائق في مكتبه لأكثر من خمس عشرة سنة، منذ كان نائباً للرئيس في حين أنه يقف ليهاجم ترامب في القضية ذاتها. ولكن ماذا عن وثائق ديلاوير؟ هل نسيها أيضاً؟ على كل يبدو أن حرب المنافسة بين المتهالك والمغرور ستكون حامية الوطيس في السنتين القادمتين.

توقيت خروج الخبر خلال وجود بايدن خارج البلاد يظهر مدى حرص منافسيه على حصار الرجل تماماً كما فعل هو وفريقه ومعهم مناوئو ترامب من الجمهوريين، الذين يبدو أن عليهم العمل أكثر من أجل منافسة شعبية ترامب. ورفعاً لمنسوب الحرب الانتخابية، فقد تألفت لجنة واحدة للتحقيق حول أحداث السادس من تشرين الثاني وحول التحقيقات عن الوثائق السرية التي يحتفظ بها في بيته في ماريلاند، من الديمقراطيين وبرئاسة النائب الديمقراطي بني تومسون، ونائبته من الجمهوريين والمعادية لترامب، ليز تشيني، فيما عينت وزارة العدل روبرت هولر، الذي شغل منصب المدعي العام الفيدرالي الأعلى في ولاية ماريلاند في عهد ترامب، والذي يعمل كمدعٍ شبه مستقل في القضية، ليظهر الأمر وكأن هناك توازن سياسي خلال ملاحقة التحقيقات في مخالفة بايدن.

الصدفة في كشف الوثائق عن طريق محامين ينظفون مكتب بايدن في واشنطن تبدو مضحكة، وخاصة أن بايدن قد أحرج يوم الثلاثاء بالأسئلة حول الوثائق المكتشفة على هامش لقاء ثلاثي مكسيكي ــ كندي ــ أمريكي مشترك عقد في مكسيكو سيتي في ظل انتقاد الجمهوريين له في ولاية تكساس بشدة. إنه إحراج فضائحي خلال اجتماع دولي. توقيت الإعلان له علاقة بالتشكيك بقدرة بايدن العقلية، الذي قال انه لا يتذكر شيئاً عن وجود الوثائق ولا حتى عن مضمونها، موحياً وكأنها قد دست له دساً، لتظهر فجأة خلال عملية تنظيف مكتبه. كلام يشعر المراقب للوضع السياسي في الولايات المتحدة، وكأن البيت الأبيض يعج بأطفال يلعبون ويتربصون ببعضهم بعضا لكيد المكائد، بدلاً عن تواجد رجال حكم لدولة "عظيمة" كالولايات المتحدة.

قد لا يتجاوز الموضوع في سيناريو أولي كونه فضيحة سياسية، وللولايات المتحدة تاريخ طويل في الفضائح السياسية والتي مر بعضها بسلام دون أي تأثير على تاريخ أو مسيرة الرئيس مثل قضايا كلينتون، فيما بعضها الآخر كان سبباً قوياً في إنهاء الحياة السياسية كما حدث مع الرئيس جونسون، ولكن، وفي جميع الأحوال معارك الفضائح السياسية، والفضائح الشخصية والعائلية، هي إحدى صناعات حروب الانتخابات الهامة في الولايات المتحدة الأميركية. ولكن علينا أن نضع في الاعتبار أن وثائق بايدن اكتشفت منذ مدة انما توقيت خروجها للعلن خلال زياراته الرسمية إلى دول مجموعة السبع، هو الهام. فقد خطف الإعلان الأنظار عن نتائج زيارته وخطة الولايات المتحدة القادمة مع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بها وفي العالم. فهل جاء الخبر ليخطف الأنظار عن الأزمة الأميركية لإلهاء الأميركيين، أم هي خطف نظر عن خفايا الزيارة؟

السيناريو الآخر والخفي المتعلق بكشف وثائق بايدن قد يكون بكل بساطة سبباً لدفع بايدن دون مقاومة لسحب ترشحه، خاصة أنه خلال عطلته السنوية الأخيرة، وبعد أن أعلن نفسه مرشحاً، عاد وأصدر بياناً صحفياً خلال عطلة رأس السنة من جزيرة سانتا كروز الكاريبية، قال فيه إنه سيتباحث مع عائلته في أمر ترشيحه خلال العطلة. وكان رون كلاين رئيس موظفي البيت البيض قد أعلن في بداية كانون الأول/ ديسمبر أن بايدن سيتخذ القرار النهائي بشأن ترشحه بعد عطلة رأس السنة. فإذا ما تراجع بايدن عن الترشح على خلفية فضيحة الوثائق، فهل سيسري مفعول القرار على مسيرة ترشح ترامب التي جعل منها الديمقراطيون معركتهم المقدسة خلال الموسم الانتخابي القادم؟ مهما يكن من أمر لننتظر ونرَ.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات