آراء وتحليلات
هل ستغيّر الأسلحة الغربية من مسار الميدان لمصلحة الجيش الأوكراني؟
عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
بدأت أنظمة الغرب الجماعي وبشكل ملحوظ تتحدث عن رفع وتيرة ارسال الأسلحة الغربية إلى الجيش الأوكراني، وتستمر بخرق التزامات سابقة بعدم تزويد الجيش الأوكراني بأسلحة هجومية، وهو ما نلاحظه من خلال قرارات واضحة لدوائر القرار في الغرب الجماعي بإرسال دبابات وعربات مدرعة وهو ما سبقته قرارات بتزويد الجيش الأوكراني بمزيد من منظومات الدفاع الجوي من بينها صواريخ باتريوت الأميركية وايريس – 3 الألمانية وكروتال الفرنسية وأخرى من إيطاليا وغيرها من دول الغرب.
ويبقى أن حديث الساعة يدور حول الدبابات من طراز تشالنجر – 2 البريطانية وليوبارد - 2 الألمانية والدبابة الفرنسية المدولبة الخفيفة أي – ام – اكس 10 ار سي وعربات نقل المشاة برادلي الأميركية وماردر الألمانية.
في هذا الجانب تبرز ثلاث مسائل حتى يصبح بإمكاننا الحديث عن قدرة هذه الدبابات والعربات على تغيير مسار الميدان لمصلحة أوكرانيا:
المسألة الأولى: هي المواصفات والقدرات.
المسألة الثانية: العدد المقرر ارساله من الدبابات والعربات.
المسألة الثالثة: المدّة التي ستصبح فيها الأسلحة قادرة على الدخول في الخدمة الفعلية.
وقبل الدخول في شرح المسائل الثلاثة يجب الإشارة إلى التعقيد الأكبر والأهم الذي سيواجه الجيش الأوكراني في استدامة تشغيل الدبابات والعربات المدرعة الغربية، وهي على الرغم من كونها من الصف الثاني إلا أنها كحال الدبابات والعربات المدرعة الغربية تمثل نظامًا معقدًا وعالي التقنية للغاية، الأمر الذي يتطلب مستوى مناسبًا من المعرفة الفنية والتكتيكية للعمل معه. فحتى لو قدمت الولايات المتحدة في نفس اليوم لأوكرانيا حزمة كاملة من المدرعات التي تم الإعلان عنها، وحتى لو كانت هذه المركبات هي الأحدث ــ هي الأفضل في ترسانة البنتاغون ــ سيكون الجدول الزمني لنشر الجيش الأوكراني "برادلي" طويلًا بالنظر إلى التدريب والتكامل الضروريين، وكل ذلك سيبطئ أي محاولات هجومية من قبل الجيش الأوكراني.
كما أن القوات المسلحة الأوكرانية ستواجه صعوبات في صيانة ودعم المركبات القتالية، لأنها تتطلب كمية كبيرة من قطع الغيار والمعدات وهو ما يتطلب عقودا منفصلة مع عدة مقاولين مختلفين مما يعقد المهمة.
* في المسألة الأولى وهي المواصفات والقدرات، فالحديث مرتبط بدبابات وعربات من الصف الثاني سواء بالنسبة لدبابة تشالنجر – 2 البريطانية أو بالنسبة لدبابة ليوبارد – 2 الألمانية ومدى قدرتها على مواجهة الدبابة ت – 90 الروسية بنموذجها الأكثر تطوراً وهو ت – 90 إم اس التي تسلّم الجيش الروسي منها منذ شهرين ما يقارب الـ 300 دبابة والتي من المقرر ارسالها الى جبهات منطقة العملية الروسية الخاصة.
وفي عرض سريع لمواصفات دبابتي تشالنجر – 2 وليوبارد – 2 ومقارنتها بمواصفات ت – 90 إم اس سيصبح بمقدور حتى غير المتخصصين أن يدركوا تفوق الدبابة الروسية على الدبابات المنوي ارسالها لأوكرانيا.
وفي هذه المسألة سأكتفي بإجراء مقارنة بين ليوبارد – 2 الألمانية وت - 90 الروسية بالنظر الى أن مواصفات ليوبارد تتفوق في بعض النواحي على تشالنجر البريطانية.
يذكر أن هناك 7 نماذج من "ليوبارد"، ومن أحدثها طراز: 2А7 التي يبلغ وزنها 65 طنا، وارتفاعها 2.79 متر، وسماكة الدروع الأمامية للدبابة 350 ملم، والسرعة القصوى لسيرها على الطريق المعبدة 65 كلم/ساعة، وطاقمها 4 أفراد، وقوة محركها 1500 حصان، وعدد الذخائر للمدفع 42 ذخيرة.
ويمكن أن تسير "ليوبارد - 2" إلى مسافة 220 كلم دون أن تزوّد بالوقود. وتم تزويدها بمدفع أملس الماسورة عيار 120 ملم.
بينما تعد دبابة ت – 90 إم إس الروسية من أصغر الدبابات في العالم ارتفاعًا، وهذا الأمر مهم جدًا، علمًا أن ارتفاعها لا يتجاوز 2.228 متر، وهو أقل بنصف المتر من ارتفاع دبابة ليوبارد – 2 الألمانية. أما مدفعها الأملس الماسورة عيار 125 ملم الذي يُستخدم كذلك كمنصة إطلاق للصواريخ الموجّهة، فليس بمقدوره إصابة المدرعات البرية فحسب بل والأهداف الجوية البطيئة الحركة.
وحول حمايتها الدينامية، فإنها قادرة على خرق التيار الناتج عن الذخائر الجوفاء. وتزوّد الدبابة الروسية بـ40 ذخيرة من أنواع مختلفة، فضلا عن صواريخ ريفليكس – إم.
وتوجد داخل آلية التعمير 22 طلقة بالإضافة إلى 18 هي ذخائر احتياطية تتوزع في مؤخرة برج الدبابة. ويرمي مدفع الدبابة بذخائر جوفاء وخارقة للدروع إلى مسافة 4000 متر. كما إنه يمكن أن يطلق الصواريخ إلى مسافة 5000 متر. أما الذخائر الشديدة الانفجار وقذائف الشظايا فيمكن أن ترميها إلى مسافة 10000 متر، وطاقم الدبابة 3 أفراد.
وتم تزويد الدبابة الروسية بمحرك ديزل يولّد قوة 1130 حصانا ويستخدم مختلف أنواع الوقود، ما يسمح بالتسارع على الطريق المعبدة حتى سرعة 70 كلم/ساعة.
وتسير الدبابة الروسية إلى مسافة 500 كلم دون أن تزود بالوقود.
بينما لا تستطيع كل الدبابات الأجنبية منافسة ت - 90 إم إس، بما في ذلك ليوبارد التي لا تستطيع أن ترمي إلى مسافة تزيد عن 3000 متر، ويعني ذلك أن ليوبارد – 2 لا تستطيع الاقتراب من ت – 90 إم أس إلى مسافة 5000 دون أن تصاب من جانبها. إذًا، فإن دبابات ليوبارد – 2 حتى لو وصلت ميدان القتال في أوكرانيا، ستصبح هدفا بسيطا بالنسبة إلى دبابات ت – 90 إم إس لمسافة رمي أقل من ت – 90، وستعجز عن إصابة ت – 90 التي تتميز بأبعاد صغيرة.
وهناك ميزة مهمة أخرى تمتلكها الدبابات الروسية، وهي خفة وزنها الذي يقل بـ20 طنا عن وزن ليوبارد الذي قد بلغ نحو 70 طنا، ما يقلل من قدرتها على الحركة والمناورة السريعة.
* المسألة الثانية:
- إن العدد المقرّر ارساله إلى ميدان المعركة لن يتجاوز في المرحلة الحالية الـ 12 دبابة تشالنجر – 2 البريطانية و15 دبابة ليوبارد – 2 الألمانية أي ما يقارب كتيبتي دبابات بحسب الهيكلية الأوكرانية وهو عدد قليل لا يمكنه التأثير إلاّ على جبهة واحدة بعرض لا يتجاوز الـ 1 كلم في حالة الانفتاح مع عدد مماثل من العربات المدرعة.
- المسألة الثالثة وهي مسألة وصول الدبابات والمدرعات الغربية وهي المقدرة بشهرين بالحد الأدنى والتي ستنشط خلالها عمليات الجيش الروسي الهجومية ويدخل الميدان مرحلة مختلفة لمصلحة الجيش الروسي كما تشير وقائع وتطورات المعارك.
في الختام لا بدّ من الإشارة إلى أن العديد من العوامل ستكون إلى جانب الجيش الروسي ومنها الهيمنة الجوية وخصوصاً الحوامات الهجومية من طرازات كاموف – 52 ومي – 28 ومي – 24 المتخصصة بمهام مكافحة الدبابات والدعم الأرضي القريب، إضافة الى الأعداد الكبيرة من منصات كورنيت وكونكورس التي بحوزة الجيش الروسي، وبإمكانها انهاء مهام الـ 27 دبابة الغربية اذا ما وضعت في جبهة واحدة خلال ساعات معدودة بسبب التفوق الكبير للجيش الروسي بمهام الاستطلاع الميداني، وسيكون مصير الدبابات الغربية كمصير سابقاتها من الأسلحة الغربية التي أُرسلت لأوكرانيا وجرى تدميرها أو اعطابها.
إلا أن أمراً واحداً يلزمنا في حال حدوثه ــ وهو تزويد أوكرانيا بمئات الدبابات ــ بإعادة تقديم مقاربة مختلفة عن التي أجريناها في هذا المقال وهو أمر بتقديري إن حدث سيأخذ وقتاً طويلاً سواء بما يرتبط بالتجهيز أو بالإعداد والتدريب، ولكن لا شيء يمنع حدوث ذلك طالما أن الغرب الجماعي قرّر خوض المواجهة حتى آخر جندي أوكراني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024