آراء وتحليلات
يوم غدر الإسرائيليون في "القنيطرة" فدفعوا الثمن "ردعا" من لبنان
خليل نصر الله
يوم الثامن عشر من كانون الثاني عام 2015، نفذ العدو الاسرائيلي عدوانًا في مزارع الأمل في ريف القنيطرة جنوب سوريا، عندما استهدف موكبًا أمنيًا لحزب الله في المنطقة كان من ضمن عداده القيادي في المقاومة الشهيد محمد عيسى والعميد الشهيد محمد علي الله دادي القيادي في الحرس الثوري الإيراني، ومجموعة من المقاومين قضوا شهداء.
العملية العدوانية الاسرائيلية كانت بمثابة اختبار لجهوزية المقاومة في لبنان أولًا، ولرسم قواعد اشتباك معها خارج الحدود "الطبيعية" للمعركة المعتادة والتي تشمل الساحة اللبنانية والأراضي المحتلة، ضمن حدود معيّنة، ثانيًا.
مما ساعد الاسرائيليين في الإقدام على تلك الخطوة العدوانية، هو التشخيص للمعركة القائمة في سوريا، والتي انخرطت فيها المقاومة في مواجهة الارهاب التكفيري المدعوم غربيًا وعربيًا واسرائيليًا. اعتقد الاسرائيليون أن الأمر هو فرصة لرسم قواعد اشتباك تناسبهم وتسجيل نقاط على المقاومة.
ربما قدّر الاسرائيليون ردًا محدودًا لاعتبارات عدة، لكن يوم الثامن والعشرين من ذات الشهر كانت المفاجأة المدوية.
بعد العملية الغادرة في القنطيرة، أصدرت المقاومة بيانًا نعت فيه شهداءها، وسادت الأوساط الاعلامية والسياسية أجواء عن رد آت لا محالة، دون تحديد زمانه. عمل الاسرائيليون يومها على استنفار كبير عند الحدود مع لبنان، تركز بشكل كبير في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، باعتبارها ساحة اشتباك قائم ووقعت فيها أكثر من عملية سابقًا بينها عملية الأسر عام 2000.
بعد العملية العدوانية، وحجم الخسائر التي لحقت بالمقاومة بشريًا، تكونت لدى المؤسستين العسكرية والأمنية في الكيان صورة عن رد سريع يأتي من لبنان. وضع الطاقم السياسي في الأجواء، وعمل الأخير على اطلاق رسائل تهديد ووعيد اتجاه لبنان والمقاومة، واتصالات أجريت مع جهات اقليمية ودولية لتفادي رد المقاومة الحتمي، أو التقليل من حجمه.
يومها، ومع ارتفاع منسوب الاستنفار الاسرائيلي، لوحظ تركيز الاسرائيليين على نقطة محددة، شخّصوا خلالها أن العملية قد تقع هناك، وهو تشخيص نتيجة للاشتباك الأمني الحاصل بين المقاومة والعدو. لم يخب ظن الاسرائيليين، فقد وقعت عملية الرد في المكان الذي توقعوه، ولم يتمكنوا من تجنب وقوع خسائر في صفوفهم، وهو ما عد ضربة عسكرية وأمنية لها حساباتها التي أثرت على حسابات الاسرائيليين لاحقًا.
نجحت المقاومة باستهداف آليّتين عسكريتين اسرائيليتين بعدد من الصواريخ الموجهة. اعترف العدو لاحقًا بالعملية وأعلن عن مقتل جنديين واصابة سبعة آخرين بعضهم بجروح خطيرة وتدمير آليّتين عسكريتين كانتا ضمن عداد الدورية المارّة في المنطقة.
ما بعد العملية، وفي استعادة للأحداث، خرج المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" ببيان يعلن فيه عدم نيّته التصعيد، طالبًا من المستوطنين العودة إلى الروتين الاعتيادي، وهو ما عنى ابتلاع الضربة والصمت لأن التصعيد سيعني الحرب.
من أبرز نتائج ما جرى يومها أن الاسرائيليين قدّروا خطأ فدفعوا ثمنًا. فهم سرعان ما اكتشفوا أن حزب الله الذي يقاتل في سوريا، يواصل حضوره وجهوزه عند الحدود مع لبنان، وأنه لن يتوانى عن الذهاب إلى حرب واسعة أمام أي عدوان مهما بلغ حجمه. ولعل هذه أبرز النتائج التي عمل الاسرائيليون وفقها لسنوات لاحقة.
في المقابل، نجحت المقاومة في رسم قواعد اشتباك، تشمل هذه المرّة عملها في سوريا، فهي بردّها القاسي والمتناسب أمنيًا وعسكريًا على عدوان القنيطرة، رسمت أمام الإسرائيليين معادلة مفادها: إن استهداف المقاومين في سوريا أو في أي مكان غيلة، سيدفع المقاومة إلى رد في المكان الذي تريد والزمان الذي تحدده وبشكل تناسبي. وهي بذلك كرست معادلة واضحة، خضع لها العدو الاسرائيلي لاحقًا في سوريا ولبنان. فهو، من خلال سلوكه، كان يتجنب استهداف أي نقطة داخل الأراضي السورية يعلم أن فيها تواجدًا للمقاومة. وعندما وقع شيء من هذا النوع لاحقًا، كانت المقاومة ترد. واذا ما أحصينا تلك الحوادث نجد أنها لا تتعدى الأربعة خلال ثماني سنوات. وهي نتيجة واضحة لخضوع الاسرائيليين لمعادلة "شبعا" 2015.
لا بد هنا من التذكير، بأن تلك المعادلة بقيت سارية المفعول، مع تعديل عليها لمصلحة المقاومة تمثل بكسر هيبة الحدود عام 2019، عندما اعتدى الاسرائيليون في عقربا قرب منطقة السيدة زينب في سوريا وسقط شهيدان للمقاومة، ورد الأخيرة خارج حدود مزارع شبعا، من خلال استهداف آليّة عسكرية اسرائيلية على طريق مستعمرة أفيفيم أي خارج نطاق مزارع شبعا اللبنانية المحتلة. وبتوصيف أوضح، تتمثل الاضافة على المعادلة الأولى، بأن رد المقاومة على أي خطأ اسرائيلي قد يحصل، سيتم في أي نقطة على الحدود اللبنانية من رأس الناقورة الى أعالي جبل الشيخ، وفي العمق الذي تختاره وتحدده المقاومة، أي لا حصر للرد في مزارع شبعا.
العبرة فيما جرى يومها، واذا ما أجرينا مراجعة للسنوات اللاحقة، تتضح في أن المقاومة نجحت ومن خلال قتالها في سوريا، وفي ذروة حضورها هناك، في رسم معادلات في مواجهة العدو، ومن موقع القوة والاقتدار، انعكست ايجابًا عليها وعلى أمن المقاومين وأمن لبنان، فيما شكّل الأمر نكسة للعدو الذي اندفع نحو اعادة حساباته وقراءة المشهد بشكل واقعي وتفادي التهور في مواجهة المقاومة.
يكفي أن ننظر إلى ما جرى ابان عملية تحديد الحدود البحرية، لنفهم كيف بدأ رسم المعادلات، حتى ما قبل الرد في شبعا عام 2015، لنفهم لماذا خضع العدو. باختصار لأنه قرأ المشهد بواقعية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024