معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

فلسطين - ايران وردّ العدوان.. أي تحولات؟‎‎
02/02/2023

فلسطين - ايران وردّ العدوان.. أي تحولات؟‎‎

يونس عودة

لا يخطئ قادة العدو باتخاذ إجراءات بعدما تيقنوا أن الرد الإيراني آت لا محالة بما يتناسب والعدوان على أصفهان، لا سيّما مع تحديد مكان انطلاق المسيّرات ومن ساعد في العملية في أي مكان كان.

لم يكن العدوان منفصلًا عن الصراع الذي لن يخبو إلا بزوال الاحتلال وبتحرير كامل التراب الفلسطيني مع المياه والثروات الغائرة في أعماقها، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن تعمد القيادات الإسرائيلية إلى ربط ما يجري على أرض فلسطين من عمليات ضد جيش الاحتلال وذئاب المستوطنين بايران، وتحميلها المسؤولية المعنوية والمادية بما يخص ارتفاع منسوب المواجهات وزيادة الجرأة في الإقدام الفلسطيني والزخم بأنماط إبداعية حيث الحاجة، تحدث تحولات أوسع في الحالة الفلسطينية.

جاء العدوان خلال انعقاد المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر "الكابينت" بحضور رئيس "الموساد" دافيد برنياع لاتخاذ قرار بخطوات ردًا على عملية الثائر الفلسطيني خيري علقم الذي تمكن بمسدس من قتل 7 مستوطنين وجرح نحو عشرين آخرين في القدس، وتحولت معها الضفة الغربية الى ثكنة عسكرية وأمنية غير مسبوقة، الأمر الذي أحدث صدمة أمنية وعسكرية في الكيان من رأسه إلى أخمصه.

تزامن العدوان على أصفهان مع وجود رئيس الـ "سي.آي.ايه" ويليام بيرنز في "تل ابيب"، وبعد سلسلة اجتماعات مع القادة الأمنيين والسياسيين في الكيان، وقبيل هبوط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مطار بن غوريون، حيث أكد التزام أمريكا بأمن الكيان. كما أن العدوان جاء في أعقاب أيام قليلة من مناورة جوية ــ بحرية مشتركة أميركية ــ إسرائيلية كبرى هي "الأهم على الإطلاق" حسب الاعلام الصهيوني، للتدرب على قصف أهداف بعيدة، وتحمل رسالة إلى إيران.

142 طائرة بينها قاذفات يمكنها حمل أسلحة نووية شاركت في المناورة، وتدربت على نموذج هجوم في إيران. كما تدربت القوات على سيناريو "للهجوم في إيران يتضمن اختراق أراضي دولة معادية"، والتغلب على أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة وتدمير الأهداف المحمية تحت الأرض.

تنصلت الولايات المتحدة من أي دور لها في العدوان على أصفهان، وجزمت في تسريباتها أن "الموساد" نفذ العملية لكنها لم تنف أن العدوان حصل بعلمها وتغطيتها، لأنه يستحيل أن تقوم "إسرائيل" بعملية من هذا النوع مع وجود مدير الـ"سي آي ايه" وقبيل وصول وزير الخارجية الأميركية من دون التنسيق المسبق.

في الواقع تعددت التحليلات حول ماهية أهداف العدوان الذي أُسقِطت خلاله المسيّرات المعتدية مع حصول الاستخبارات الإيرانية على كنز معلومات من إحدى الطائرات التي أنزلت سليمة بعد السيطرة الالكترونية عليها، منها ما يرتبط بما تم الترويج له حول تقديم إيران لروسيا مسيّرات وتكنولوجيا لاستخدامها في أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الاميركية إن ذلك "يمثل قلقا حقيقيا بالنسبة لنا ولإسرائيل أيضا"، أي بمعنى آخر إن التقنيات الإيرانية تشكل قلقًا لما تمثله من تطور في المجال العسكري، وبالتالي ستكون هاجسًا لا بل كابوسًا ضاغطًا له اعتبارات متعددة تمامًا وربما أكثر من امتلاك طهران ترسانة لا أحد يعرفها من الصواريخ البالستية والمجنّحة. لم تكن تجربة قصف قاعدة القوات الأميركية ــ عين الأسد ــ بالعراق إلا رسالة مصغرة عما أنتجته الثورة الإسلامية في ايران التي نعيش الذكرى الـ44 لانتصارها.

لقد حددت الثورة منذ انتصارها اقانيم مقدسة أحدها إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود. وهنا بيت القصيد الذي يخشاه قادة الاحتلال والغرب المتصهين وفي مقدمته أميركا. ولهذا السبب الجوهري تُلقى المسؤولية على ايران الثورة غير المساومة بأنها العمق الاستراتيجي للعمل الفلسطيني المقاوم الرافض للمساومة أو التنازل عن حبة تراب مقابل التسوويين اللاهثين خلف مفاوضات عقيمة وبادراكهم أنها لن تقدم سوى الذل. وهنا تجدر الإشارة إلى مؤشرات مهمة في الصراع بالتزامن مع اتساع روح الثورة لدى الشعب الفلسطيني ويقينه بأن المفاوضات مع الاحتلال لا جدوى منها بل إن الكفاح المسلح هو الطريق إلى التحرير:  

ــ مسارعة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن إلى لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وحثّه على استئناف التنسيق الأمني مع الاحتلال، واستئناف المفاوضات بلا شرط مع تكرار الأزمة الأميركية بأن بلاده مع حل الدولتين وتعارض توسيع المستوطنات الإسرائيلية وهدم وإخلاء منازل الفلسطينيين، وكأن المشكلة هنا فقط وليست في الاحتلال من أساسه، لكنه أدان عملية القدس دون أن يأتي بكلمة عن مجزرة جنين التي سبقتها.  

ــ وصول رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، ورئيس المخابرات الأردنية أحمد حسني الى رام الله ومعهما رسالة دعم وتضامن من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، والتأكيد على دعمهما للرئيس محمود عباس، علمًا أن بلينكن كان في مصر قبل لقاء عباس.

ــ اعلان نتنياهو مجددًا أنه سيفرض بالقوة وكما يشاء صلحًا مع الفلسطينيين، أي أنه لن يأخذ السلطة الفلسطينية بعين الاعتبار عبر قوله: إن "السلام مع السعودية يعتمد على قيادتها، وجلبنا الصراع العربي - الإسرائيلي إلى نهايته، فأعتقد أننا سنعود إلى الفلسطينيين ونحقق سلامًا عمليًا معهم. أعتقد أن هذا ممكن. معتبرًا أن "هذا هو الطريق الصحيح" وتابع "درت حولهم، وذهبت مباشرة إلى الدول العربية وصنعت مفهومًا جديدًا للسلام من أجل السلام. السلام من خلال القوة. ولن نطهر "إسرائيل" عرقيًا. لقد أبرمت أربع اتفاقيات سلام تاريخية.. الاتفاقيات الإبراهيمية، وهي ضعف عدد اتفاقيات السلام التي قام بها جميع أسلافي في 70 عامًا مجتمعين".

في ذروة هذا الصراع يبقى القلق الصهيوني من الرد الإيراني الآتي حتمًا، والرعب من الضربات الفلسطينية في كل أنحاء فلسطين، ما يؤشر إلى احتمالية اندلاع حرب تخرج عن السيطرة في أي لحظة وتكون اليد العليا فيها لمحور المقاومة، لا سيما أنه يمكن للقوات المسلحة الإيرانية قطع جميع إمدادات النفط من المنطقة. وهذا عامل مهم أيضًا، ويؤخذ بعين الاعتبار ويخشاه الغرب ككابوس مقيم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل