معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين السياسة والميدان.. كيف يمكن استنتاج المناورة الروسية المرتقبة في أوكرانيا وخارجها؟
03/02/2023

بين السياسة والميدان.. كيف يمكن استنتاج المناورة الروسية المرتقبة في أوكرانيا وخارجها؟

شارل ابي نادر

لا شك أن معركة الروس في أوكرانيا تشهد مؤخرًا تغييرًا لافتًا يمكن البناء عليه لمحاولة استشراف كيفية تطور هذه العملية العسكرية الخاصة التي قاربت العام على انطلاقها، من دون أن تتوضح حتى الآن مساراتها المتداخلة ببعضها ميدانيًا وعسكريًا وسياسيًا واستراتيجيًا.

يمكن استنتاج بعض هذا المسارات استنادًا لما أجمع عليه مؤخرًا أهم القادة والمسؤولين السياسيين الروس، من الرئيس بوتين إلى وزير الخارجية لافروف إلى رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، وإلى رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف، قائد المجموعة الموحدة في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وذلك في كلامهم وباسهاب واسع عن هذه الحرب التي أجبِرت موسكو استباقيًا على خوضها بمواجهة الغرب الأطلسي. كما أن التطورات الميدانية المتسارعة مؤخرًا، وخاصة في غرب الدونباس وجنوب غربه، يمكن أن تحدد وبشكل غير بسيط أيضًا، الخطوط العامة لهذه المسارات المرتقبة، وذلك على الشكل التالي:

بداية، يمكن الاضاءة على مضمون الكلمة التي ألقاها بوتين في الذكرى السنوية الـ80 للانتصار في معركة ستالينغراد، حيث أشار إلى التهديدات الأوروبية بدبابات ليوبارد الألمانية، قائلاً إنّ "الأمر غير معقول، لكنه حقيقي"، وحيث شدّد على أنّ "من يراهن على أنّه سينتصر، ويحرّض الدول الأوروبية ومنها ألمانيا على الحرب ضد روسيا، يجب أن يعي أنّ الحرب المعاصرة ضد روسيا مغايرة تمامًا، لأنه في الحرب مع روسيا لن ينتهي الأمر باستخدام آليات مدرعة فلدينا ما يمكننا الرد به".

كلام الرئيس بوتين يؤكد ما قاله في وقتٍ سابق رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين من أنّ دبابات "ليوبارد" التي أرسلها المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أوكرانيا من أجل محاربة روسيا "ستواجه المصير نفسه لدبابات تايغر قبل 80 عامًا، وأنّ الجميع لم يتعلم دروس هزيمة ألمانيا النازية في ستالينغراد، كما أظهر التاريخ".

الترجمة العملية المباشرة لملخص مضمون الرئيس بوتين وفولودين، يمكن استنتاجها ومتابعتها من حركة الميدان الحالية مباشرة، والتي لخصها في السياق ذاته رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف، بقوله إنّ "الجيش الروسي يتصدى عمليًا لكل الغرب الجماعي في العملية العسكرية في أوكرانيا، وأنّ روسيا الحديثة لم تشهد أبدًا مثل هذا المستوى من شدة العمليات العسكرية".

هذه المعارك التي تخاض اليوم والتي لم تشهد مثلها روسيا الحديثة لناحية شدة العمليات العسكرية، يمكن الاضاءة عليها على الشكل التالي:
 
- على جبهة أوغليدار في جنوب غرب دونيتسك، تؤكد المصادر عن مستشار رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية إيغور كيماكوفسكي، أنه تم قطع أغلب الطرق الرئيسة في  تلك منطقة، والتي كانت تُستخدم في إمداد القوات الأوكرانية بالمعدات والعناصر.

- في اتجاه أرتيوموفسك (باخموت)، والتي باتت بصورة كبيرة تحت سيطرة القوات الروسية، أوضح المقدم المتقاعد من جمهورية لوغانسك الشعبية العقيد أندريه ماروشكو للقناة الأولى الروسية أنّه "بقي نحو 10 كلم لإكمال الحصار"، وتفيد معطيات رسمية من جمهورية دونيتسك الشعبية، بأنّ القوات المسلحة الروسية هاجمت طوابير من القوات الأوكرانية، كانت تتحرك على طول الطريق السريع الوحيد المؤدي إلى غرب باخموت من مدينة تشاسوف يار، والذي ما يزال في إمكان كييف عبره فقط، تزويد مجموعتها في أرتيوموفسك ودعمها.

- والى المنطقة الشمالية من باخموت، كانت قد أظهرت بعض مقاطع الفيديوهات من الميدان، تقدمًا للقوات الروسية على مشارف قرية نيكولايفكا الواقعة شمالي سوليدار، في خطوة أخرى نحو تحرير كامل سيفرسك المدينة المهمة ميدانيًا في حوض الدونباس الشمالي الغربي، والتي تشكل السيطرة عليها، مفتاحًا أساسيًا للسيطرة على خط المدن الأوكرانية الأساسية على تلك الجبهة: ليمان – سلوفيانسك – كراماتورسك.

ومع هذا التقدم الثلاثي على جبهة الدونباس: في اوغليدار جنوب غرب وفي باخموت في الوسط، وعلى اتجاه سيفرسك في وسط الشمال الغربي للجبهة، شرق خط المدن (ليمان – سلوفيانسك – كراماتورسك)، يمكن تحديد الاتجاه الأساسي للتقدم الميداني المرتقب، والذي أصبحت أغلب عناصره الميدانية مكتملة تقريبًا.

كلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان الأكثر وضوحًا حين قال: "موسكو تخوض صراعًا جيوسياسيًا ضدّ واشنطن، والأزمة في أوكرانيا هي في مقدمة هذا الصراع"، معتبراً أنّ الدول الغربية ليست حريصة على إنهاء "الأعمال العدائية"، وينهي كلامه بالنقطة الأهم والأخطر والتي يمكن أن نبني عليها هذه المناورة الروسية المرتقبة، وذلك بعد سؤاله عن الأمة التي يمكن أن تتحول لاحقًا إلى "معادية لروسيا"، وهو مصطلح استخدمته القيادة الروسية لوصف أوكرانيا في وضعها الحالي، مباشرة قبل أن تطلق عمليتها العسكرية ضدها، حين أشار إلى أنّ "مولدوفا يمكن أن تلعب هذا الدور، بسبب شخصية رئيستها مايا ساندو" والتي تم تنصيبها – دائما حسب لافروف - على رأس البلاد من خلال أساليب محددة بعيدة كل البعد عن الحرية والديمقراطية".

فهل تكون السيطرة على مولدوفا هدف روسيا المرتقب، وهي التي ما زالت حتى الآن خارج حلف شمال الاطلسي تمامًا مثلها مثل أوكرانيا وجورجيا، خاصة انها تشكل اليوم ثغرة حساسة وممرًا فعالًا لنقل العتاد والدعم والأسلحة إلى كييف من الناتو، عن طريق رومانيا وسلوفاكيا إلى الغرب والجنوب الأوكراني، والأهم أنها تضغط على المقاطعة الروسية "ترانسنيستريا" المفصولة عنها، والتي تراها موسكو بأهمية الدونباس من الناحية القومية والتاريخية والاستراتيجية؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل