معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

رياض سلامة واتهام جديد: وشاية مغرضة أم مقدمة لتسريع استحقاقات سياسية؟
16/02/2023

رياض سلامة واتهام جديد: وشاية مغرضة أم مقدمة لتسريع استحقاقات سياسية؟

علي عبادي

لم يكن ينقص التراجع المخيف لليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي سوى معلومات ليلية بثتها قناة تلفزيونية سعودية عن اقترابٍ أميركي من فرض عقوبات على حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة. وإطلاق هذه المعلومة التي يتسم مصدرها الأميركي بالغموض، يأتي في توقيت حساس في سياق ضغوط اقتصادية وسياسية على لبنان لتمرير أجندات معيّنة، وتُذكّر بالإنهيار المدروس لليرة في العام 1992 من أجل إسقاط حكومة الرئيس عمر كرامي آنذاك وترتيب الساحة للاعبين جدد.
 
سبق أن تحدثت وكالة بلومبرغ الأميركية في آذار 2021 عن درس الولايات المتحدة فرض عقوبات على سلامة الذي يخضع أوروبياً لتحقيقات في مزاعم اختلاس أموال عامة، لكن الخارجية الاميركية سارعت يومها الى تأكيد أن "هذه التقارير غير صحيحة".

هذه المرة، تبادر قناة "الحدث" السعودية الى إعادة توليف الخبر بطريقة خبيثة من خلال استغلال الاتهامات المالية التي تحيط برياض سلامة من أجل ربطه بحزب الله، إعتماداً على قضية صاحب شركة "سيتكس" للصيرفة حسن مقلد التي كانت تقوم بتأمين الدولارات من السوق لصالح المصرف المركزي واتهمتها الادارة الاميركية لاحقاً بأنها واجهة لحزب الله، وهو ما نفاه مقلد الذي عزا الإتهام الى وشايات من جهات متضررة من عمله.

من الواضح أن رياض سلامة ليس في أحسن حال بمواجهة اتهامات تتعلق بغسل أموال أو اختلاس، وهذا هو صلب القضية المطروحة من جهات قضائية أوروبية، أما استغلال الموقف وتصعيده الى درجة اتهامه بالعمل لمصلحة حزب الله فهو يفتقر الى مصداقية، بل يمكن القول إن علاقة حاكم المركزي مع وزارة الخزانة الأميركية هي أكثر وضوحاً من أن تُوضَّح. لنتذكرْ أن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا دافعت بقوة عن سلامة في أيار 2020 في وجه محاولات رئيس الجمهورية ميشال عون إقالته، معتبرة في حديث إلى قناة "أو تي في" أن "الولايات المتحدة عملت بشكل وثيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وأن من الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسّسة أو جعلهم كبش فداء للانهيار المالي الذي هو نتيجة عقود من الفساد". وذهبت أبعد من ذلك بالقول إن "سلامة يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي، وإذا لم يكن لدى هذا المجتمع ثقة بقيادة المؤسسات المالية الكبرى في البلاد، فأعتقد أنّه لن يكون هناك أي تدفق للاستثمار أو النقد الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان". كان هذا الكلام في ظل أزمة الليرة، وفي ظل الإتهامات الموجهة الى رياض سلامة بسوء إدارة القطاع النقدي. ولم يطرأ أي تقييم أميركي يخالف هذه السيرة، وفق ما سبقت الإشارة الى نفي خبر "بلومبرغ"، واليوم الى نفي خبر قناة "الحدث" (نقلت قناة "الجديد" اللبنانية عن مصدر ديبلوماسي أميركي قوله رداً على الأنباء عن عقوبات اميركية قريباً على رياض سلامة: لن نعطي أي أهمية للشائعات التي يطلقها أشخاص بهدف تأجيج الازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان من أجل مصالحهم").

وفي غياب أية معلومات أخرى يُركن إليها في هذا الملف الذي يتم البحث فيه عن مخرج لحاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولايته في نهاية أيار المقبل، يمكن القول إن هناك مساع حثيثة من قبل بعض اللوبيات المتصهينة في الولايات المتحدة لتوجيه ضربات للبنان ومنع أي مشاريع عنه، ومن جملة هذه المجموعات "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" التي عارضت مشروعَيْ إيصال الكهرباء الاردنية والغاز المصري الى لبنان بزعم أنهما يذهبان الى منفعة حزب الله. وهذه اللوبيات تعمل ليل نهار من أجل ربط كل المفاسد الحاصلة في لبنان والمنطقة بحزب الله في سياق تصفية الحسابات مع الحزب الذي يلعب دوراً محورياً – باعتراف المصادر الاميركية – في مواجهة المشاريع الاميركية في المنطقة. كما لا يمكن استبعاد فرضيات أخرى في شأن الاتهام الجديد الموجه ضد سلامة، من جملتها:

- أن سلامة يتعرض لوشاية من جانب أصحاب مصارف في خضم الاشتباك الحاصل بشأن الخسائر المالية، خاصة بعدما اعتبر سلامة أخيراً أن دولارات المودعين موجودة في المصارف، نافضاً عن المركزي أية مسؤولية بهذا الشأن. ونعلم أن لا قضية تحظى باهتمام وزارة الخزانة الأميركية أكثر من ربطها بحزب الله، فإذا أراد أحدهم أن ينال من منافسيه، فهذه ورقة رابحة اذا أراد استثمارها في سوق الوشاية، وهو من سمات السوق السياسية اللبنانية من أيام الباب العالي العثماني، وربما قبل ذلك بكثير.

- ربما يريد الأميركيون تعاون رياض سلامة في وجه شخصيات سياسية يقيم علاقة وثيقة بها. فقد كثر الحديث عن امكان فرض عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية بدعوى أنها تعرقل انتخاب رئيس للجمهورية. وجاء إطلاق خبر قناة "الحدث" في أعقاب اجتماع باريس الخماسي بين فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر والذي تناول أوضاع لبنان والفراغ الرئاسي، لكنه لم يتبنَّ توصيات محددة. هنا يمكن الافتراض بأن الاميركيين لن يقضوا وقتهم وهم يتفرجون على السياسيين اللبنانيين لكي ينتخبوا رئيساً تأمل واشنطن أن يكون ضمن مجال تأثيرها ويتم إنتاجه في مناخ من الضغط المباشر.

تُوقن الإدارة الأميركية أن ورقة سلامة نضجت وحان وقت قطافها. ومن المرجح أنها تريد قطف هذه الورقة الحيوية لوحدها في التوقيت الذي تراه مناسباً، مع ملاحظة أن الوضع النقدي اللبناني يقع مباشرة تحت مجهر وزارة الخزانة الأميركية التي تراقب عبر رجالها في هذا القطاع كل ما يدخل اليه وما يخرج منه.

وليس من المستبعد في هذه الأجواء أن تخرج بين وقت وآخر تقارير تهدف الى تعزيز فكرة أن حزب الله يجمع بين الارهاب والفساد. وهذه الصورة النمطية يرسخها اللوبي الصهيوني الأميركي والمتحالفون معه في قضايا متتابعة آخرها انفجار المرفأ. ونذكّر هنا بأن مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية نشرت مقالاً في 18 نيسان 2022 تحدثت فيه عن السياسة الانتقائية والفاقدة للمصداقية للولايات المتحدة في محاربة الفساد في لبنان، حيث أوضحت أن واشنطن تستخدم سلاح العقوبات ضد الخصوم السياسيين في لبنان، في مقابل التغاضي عن تجاوزات شخصيات مقربة منها، على غرار محافظ البنك المركزي رياض سلامة، وهو ما أدى لتمادي النخب المالية والسياسة في نهب المال العام، وفق قولها.

 

رياض سلامة

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات