آراء وتحليلات
هل نحن على أعتاب معادلة ردع سورية ـ إيرانية جديدة؟
إيهاب شوقي
مع كل عدوان صهيوني على سوريا، تظل الأهداف التي يقصفها الكيان غامضة، وبينما يحاول المبالغة والكذب لخلق ذرائع للعدوان، تلتزم سوريا بسياسة الغموض البناء ولا تنساق لفخاخ العدو الذي يحاول إجبارها على الإفصاح عن سياسات سوريا ونواياها وخططها وطبيعة تنسيقها الاستراتيجي مع ايران والمقاومة.
ويبقى الثابت هنا، وهو ليس سرًا، أن سياسة الغموض البناء تعني أن هناك إعدادًا يجري على أرض سوريا لاستعادة السيادة والردع، بل وتحرير الأرض والمواجهة الكبرى مع العدو على المدى الاستراتيجي.
ويبقى من الثوابت أيضًا، أن أهداف العدو الصهيوني من العدوان المتكرر على سوريا، أهداف متعددة الأبعاد، منها السياسي، للوقيعة بين سوريا وروسيا وإيران وتشويه صورة النظام وتصويره بالضعيف، ومنها ما يتعلق بالسياسة الداخلية بتصدير الأزمة السياسية للخارج ومحاولة توحيد الجبهة الداخلية الممزقة والثائرة على نتنياهو وحكومته، ومنها ما يتعلق بمعركة الكيان الدعائية ضد إيران وتأليب المجتمع الدولي عليها واستمرار سياسة الحصار والعقوبات وتحويل منطق العدوان إلى منطق الدفاع باعتبار "اسرائيل" محاصرة وتدافع عن نفسها!
وهنا برزت مستجدات قد تغير المعادلة الراهنة وقواعد الاشتباك الحالية، وهي مستجدات تفشل أهداف العدو.
وهذه المستجدات تتمثل في التلويح شبه الرسمي بإمداد إيران لسوريا بمنظمة الدفاع الجوي المتطورة (15 خرداد)، حيث قالت وكالة أنباء "تسنيم" الإيرانية عبر تغريدة أرفقتها بتسجيل مصوّر للمنظومة الصاروخية: "قريباً ستكون منظومة (15 خرداد) للدفاع الجوي الإيراني، الشبح الذي يلاحق سلاح الجو الإسرائيلي في سوريا، لأنها ستصبح بحوزة الجيش العربي السوري"، وفقا للوكالة.
كما قال التلفزيون الإيراني الرسمي، إن طهران سترسل على الأرجح أنظمة دفاع جوي إلى سوريا، في خطوة تهدف على ما يبدو للحماية من الضربات الجوية الإسرائيلية.
وذكر التلفزيون الحكومي أن "سوريا بحاجة إلى إعادة بناء شبكة دفاعها الجوي وتحتاج إلى قنابل دقيقة لطائراتها المقاتلة". وأضاف: "من المرجح جدا أننا سنشهد إمداد إيران بالرادارات والصواريخ الدفاعية مثل نظام (15 خرداد) لتعزيز الدفاعات الجوية السورية". وهو تطور نوعي ينبغي إلقاء الضوء عليه، ولكن وقبل إلقاء الضوء على هذا المتغير الاستراتيجي، من المهم ذكر بعض الدلالات التي تبطل الشبهات التي يحاول العدو تسييدها:
أولا: سوريا ليست ضعيفة، بدليل صمودها على الثوابت والتحالفات رغم كل هذه الحروب والضغوط والاعتداءات، وأيضًا الإغراءات التي تصلها في مقابل تخليها عن خياراتها، ومن جهة أخرى، فإن العدو الصهيوني يحرص على عدم الوصول بالعدوان لنقطة الكسر والمواجهة الحتمية، حيث يتبع سياسات ما وصفه بالمعركة بين الحروب، عبر عدم الإعلان والتبني الرسمي تارة وعبر الحرص على عدم إيقاع عدد كبير من الضحايا أو تنفيذ عدوان واسع يوجب المواجهة والانزلاق لحرب واسعة.
ثانيا: على عكس ما يهدف العدو، فإن التقارب والتنسيق والتحالف يزداد قوة ومتانة بين سوريا وإيران وروسيا مع كل استهداف وعدوان، بل وتزداد فاتورة الحساب والثأر.
أما بخصوص المتغير الاستراتيجي المرتقب والخاص بامتلاك سوريا لنظام (15 خرداد) الإيراني، فهو يحمل تطورا ومعادلة جديدة متعددة الأبعاد تتمثل في ما يلي:
1- من حيث القيود والمحاذير المتعلقة بالسلاح والأنظمة الدفاعية الروسية بسبب توازنات روسيا الدولية، فإن الأنظمة الدفاعية الإيرانية ستكون متحررة من هذه القيود، وهو ما يجب أن يجبر العدو على التفكير جيدا في عواقب إقدامه على أي عدوان، وخاصة مع طبيعة النظام الدفاعي الجديد.
2- من حيث طبيعة النظام الدفاعي (15 خرداد)، فإن المعلومات العسكرية المتوفرة عنه تفيد بأنه منظومة دفاع جوي إيرانية مزودة بصواريخ طويلة المدى من عائلة صياد، وهذه المنظومة قادرة على كشف ومتابعة 6 أهداف في آنٍ واحد والاشتباك مع 5 أهداف أخرى، بالإضافة إلى ذلك فلهذه المنظومة قدرة التحرك العالية والقدرة على التهيؤ للحرب والدخول في العمليات خلال أقل من 5 دقائق.
وللمنظومة القدرة على الاشتباك المؤثّر مع أهداف جوية بقدرات هجومية عالية مثل المقاتلات والطائرات المسيرة على بعد 150 كيلومتر ومتابعتها على بعد 120 كيلومترا ومتابعة أهداف متخفية على بعد 85 كيلومترا والاشتباك معها وتدميرها على بعد 45 كيلومترا.
أما صواريخ صياد 3 والمستخدمة في منظومات (15 خرداد)، فهي صواريخ دفاعية، وتُعتبَر نسخة مطوّرة من منظومة صواريخ صياد ولقد أعلنت إيران تدشين خط إنتاج جديد منها يوم 22 تموز/ يوليو 2017م بهدف الوقوف في وجه التهديدات الجوية المتوسطة والبعيدة المدى. وتمتلك منظومة صواريخ (صياد 3) مدى بحدود 120 كيلومتراً وتستطيع التحليق على ارتفاع 27 كيلومتراً، وقد صُمِّمَت من أجل الوقوف في وجه التهديدات الجوية المتوسطة والبعيدة المدى. ولقد صُمِّمَ صاروخ (صياد 3) وفقاً لآخر التقنيات المتبعة حديثاً، وهو قادر على التعامل مع مختلف أنواع التهديدات كالمقاتلات الحربية التي تستطيع التخفي عن الرادار ومنها الطائرات من دون طيار وصواريخ كروز والحوامات، ومختلف أصناف الطائرات الحديثة التي تستطيع المناورة على ارتفاع عالٍ وبسرعة كبيرة، ويمتلك صاروخ (صياد 3) إمكانية التوجيه المركّب، وهو مجهز بوسائل بحث فعّالة وشبه فعّالة، وكذلك وسائل بحث بالأشعة ما دون الحمراء، وله قدرات متطوّرة للتعامل مع مختلف أصناف الحرب الإلكترونية.
وترجمة ذلك عسكريا، هو أن سوريا تستطيع بأريحية كاملة مواجهة العدوان المنطلق من أي بقعة في الكيان وملاحقته وتكبيد العدو خسائر كبرى، وهو ما يغير من قواعد الاشتباك ويرسم معادلة ردع جديدة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024