آراء وتحليلات
من بغداد.. مبادرات عربية فاعلة لكسر الحصار عن دمشق
بغداد - عادل الجبوري
مثلت زيارة رئيس مجلس النواب العراقي ورئيس الاتحاد البرلماني العربي محمد الحلبوسي للعاصمة السورية دمشق على رأس وفد ضم عددا من رؤساء برلمانات دول عربية شاركوا في المؤتمر الأخير للاتحاد بدورته الـ(34) في بغداد، خطوة مهمة جدًا لكسر طوق الحصار المفروض على سوريا الذي فرضته قوى دولية واقليمية منذ حوالي اثنى عشر عامًا في اطار مخططات وأجندات الاطاحة بسوريا كركيزة في محور المقاومة، ضمن موجة ما سمي بالربيع العربي.
ورغم أن هناك تحركات عربية حيال دمشق سبقت زيارة وفد الاتحاد البرلماني العربي منطلقًا من بغداد، إلا أن الخطوة الأخيرة انطوت على دلالات ومعان عميقة، وحملت بين طياتها رسائل بالغة الأهمية، بعضها يتعلق بدور العراق ومحوريته في محيطه العربي وفضائه الاقليمي، وبعضها الآخر يرتبط بفشل كل ما كان مخططًا لسوريا.
وبدلًا من المواقف والتوجهات والخطابات التحريضية التي خرجت بها معظم القمم والمؤتمرات والملتقيات العربية بشأن سوريا سابقًا، فإن مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في بغداد، الذي عقد للفترة بين 24 و27 من شهر شباط - فبراير الجاري كان مختلفًا تمام الاختلاف عما سبقه، فقد أظهر المشاركون في المؤتمر عبر البيان الختامي وكلماتهم وتصريحاتهم تعاطفهم الواضح مع سوريا جراء الزلزال الذي ضربها مطلع الشهر الجاري، وتأييدهم لعودتهم اليها واعادة تفعيل عضويتها في جامعة الدول العربية.
وهنا لا بد من الاشارة إلى عدة أمور من بينها:
- أن كارثة الزلزال ربما تكون قد ساهمت في دفع وتيرة حراك اعادة المياه إلى مجاريها بين سوريا والدول العربية المقاطعة لها، بيد أنها لم تكن العامل الوحيد والحاسم بهذا الخصوص، بل إنه على مدى بضعة شهور، كانت مغاليق الأبواب الموصدة أمام دمشق تتحرك وتنزلق شيئًا فشيئًا لتفتح تلك الأبواب ولو قليلًا وبالتدريج، وخصوصًا من قبل بعض الأطراف التي تبنت بكل قوة خيار اسقاط النظام السوري في بادئ الأمر، كالإمارات العربية المتحدة وتركيا والسعودية.
- لم تكن خطوة ومبادرة الاتحاد البرلماني العربي، الأولى من نوعها على الصعيد العربي حيال دمشق، لكنها بالتأكيد كانت الأكثر وضوحًا وسعة وشمولية، والأفضل من حيث الإعداد والتوقيت، فهي في واقع الأمر مثلت موقفًا عربيًا موحدًا غير مسبوق.
- لا يمكن بأي حال من الأحوال التغافل عن حقيقة دور العراق المحوري والأساسي في الدفع باتجاه عودة واعادة سوريا وانهاء عزلها وعزلتها عن محيطها العربي، لأن التجربة أثبتت عقم وعدم جدوى ذلك الخيار.
ومن المهم في هذا السياق، الاشارة الى أن جهود ومساعي العراق بهذا الاتجاه لم تكن وليدة اليوم، وانما هي بدأت وانطلقت قبل عدة أعوام، ولم تحظى في بادئ الأمر بالتفاعل والقبول الكافيين، لا سيما من بعض الأطراف العربية المتشددة.
- لا تخرج جهود ومساعي العراق لاعادة سوريا إلى الحضن العربي، عن سياق دوره الايجابي وسياسته الخارجية القائمة على مبدأ تطويق أو تصفير الأزمات، والتركيز على نقاط التوافق والتفاهم والالتقاء، والابتعاد عن محطات ومنعطفات التقاطع والتصادم والافتراق، والتمحور حول المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة.
فلم تكن بغداد غائبة أو بعيدة عن تهيئة أجواء ومناخات التقارب بين دمشق من جهة، وابو ظبي وانقرة والقاهرة والرياض من جهة أخرى، في ذات الوقت الذي كانت تلعب دورًا فاعلًا ومحوريًا في تذويب الخلافات وفك العقد وحلحلة الاشكاليات بين طهران والرياض عبر جولات حوار متتالية على مدى عامين أو أكثر، وأثمرت نتائج ايجابية طيبة حتى الآن.
ومن دمشق، صرّح رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، قائلًا "جاء الوفد إلى سوريا باسم جميع أعضاء الاتحاد ليؤكد للشعب السوري في خطوة عملية على الوقوف والتضامن مع سوريا التي فتحت أبوابها لكلّ العرب في مختلف المراحل، وعلى أهمية العمل على جميع المستويات من أجل عودة دمشق لممارسة دورها الفاعل في محيطها العربي". وقال الرئيس السوري بشار الأسد خلاله لقائه وفد الاتحاد البرلماني العربي إنّ "زيارة وفد من الاتحاد البرلماني العربي إلى سوريا، تعني الكثير بالنسبة للشعب السوري، لأنها تعطي مؤشرًا على وقوف أشقائه العرب إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يتعرض لها بفعل الحرب الإرهابية وتداعيات الزلزال. وان هذه الزيارة تؤكّد أن هناك مؤسسات عربية فاعلة قادرة في مختلف الظروف على أخذ زمام المبادرة والتحرك لصالح الشعوب العربية".
ولا شك أن مجمل هذا الحراك، وارتباطًا بظروفه والعوامل المؤثرة فيه والدافعة له، لن يتوقف أو يتجمد عند حدود المظاهر السياسية والدبلوماسية وانعكاساتها وأصدائها الاعلامية، بل على ما يبدو، هناك إرادة لتفعيله لتكون له مخرجات عملية واقعية على الأرض، وما الزيارات المتعاقبة لوزراء خارجية الامارات والاردن ومصر لدمشق إلا مؤشرات واضحة على ذلك، تعززها التسريبات التي تقول بأن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان هو الآخر سيزور دمشق في غضون الفترة القصيرة المقبلة، علمًا أنه كان قد صرح في كلمة له بمؤتمر ميونيخ للأمن بأن "اجماعا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين".
ومثلما كان العراق طرفًا رئيسيًا وفاعلًا في ايجاد ذلك الحراك، فإنه يفترض أن يبقى كذلك لادامته ومواصلة تحقيق النتائج والمخرجات الايجابية، وبما ينسجم ويتوافق مع مسارات وأولويات سياساته الخارجية القائمة على الانفتاح والحوار وتطويق المشاكل والأزمات، وبما يعكس ظروف الاستقرار السياسي والأمني المجتمعي الداخلي، وحضوره الايجابي، الذي تجلى واضحًا باحتضانه فعاليات رياضية وسياسية وثقافية كبيرة، من قبيل خليجي 25 ومنتدى الحضارات العريقة، وأخيرًا مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي بدورته الرابعة والثلاثين، الذي فتح بعضًا من أبواب العرب الموصدة بوجه دمشق منذ أكثر من عقد من الزمن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024