معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

نتنياهو ومأزق الخيارات المرّة.. ماذا يواجه الفلسطينيين؟
28/02/2023

نتنياهو ومأزق الخيارات المرّة.. ماذا يواجه الفلسطينيين؟

محمد أ. الحسيني

سارعت حكومة بنيامين نتنياهو إلى ترجمة مقرّرات لقاء العقبة، بعد أقل من 24 ساعة على انعقاده في الأردن، فصادقت اللجنة الوزارية للشؤون التشريعية مبدئياً على مشروع قانون يمعن في إطلاق يد جيش الاحتلال والمستوطنين باستهداف الفلسطينيين بغطاء قضائي، ويمنح المشروع المحكمة الإسرائيلية صلاحية فرض "عقوبة الإعدام" على منفّذي العمليات التي تستهدف جنود العدو والمستوطنين. وفيما يذهب هذا المشروع إلى الإقرار في جلسة خاصة يعقدها المجلس السياسي والأمني المصغّر، تواصل قوات الاحتلال إجراءاتها القمعية وتغطيتها لإرهاب المستوطنين في مناطق الضفة الغربية، في خطوة لا تندرج في خانة ردّ الفعل بقدر ما هي ترجمة ميدانية وفق مخطّط مدروس أعلن عنه نتنياهو منذ ما قبل تشكيل حكومته الإرهابية، ويهدف إلى تصعيد الاعتداءات ضد الشعب الفلسطيني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وتوسيع خارطة الاستيطان في المناطق المحتلّة.

مشروع أمريكي لترحيل الفلسطينيين

على خطّ مواز، يتحضّر الكونغرس الأمريكي لإعادة طرح مشروع يهدف إلى تخفيض تقديمات وكالة "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين؛ وينطلق هذا الطرح على أساس اعتبار أبناء وأحفاد الفلسطينيين في الشتات الذين ولدوا بعد نكبة 15 أيار 1948 لا تنطبق عليهم مواصفات وشروط "اللاجئ"، وبالتالي لا يحقّ لهم الاستفادة من خدمات الوكالة، فضلاً عن أن معظم الفلسطينيين الذين هجّروا من فلسطين بعد هذا التاريخ قد توفّي، ما يجعل عدد الفلسطينيين المستفيدين من هذه الخدمات لا يتجاوز الـ 900 ألف لاجئ؛ ويلتقي هذا المشروع بشكل مباشر مع الإجراءات الصهيونية في الداخل، حيث يقود إقراره إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها:

- إسقاط حق العودة للفلسطينيين، بما يزيل "عقدة" طالما عانى منها الصهاينة في المحافل الدولية.
- توظيف هذا الطرح كمقدّمة لتكريس واقع التوطين للفلسطينيين في أماكن تواجدهم في الشتات.
- دعم مشاريع الاستيطان في الداخل الفلسطيني بعكس ما يدّعيه مسؤولو الإدارة الأمريكية.
- تأييد نتنياهو وحكومته في إطار سياسة "شيطنة" العنصر الفلسطيني أينما وجد، واعتبار أي نشاط يستهدف دعم اللاجئين الفلسطينيين في أي مكان يندرج تحت صفة "دعم الإرهاب".
- اعتبار أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في الداخل كمناطق مغلقة، ما يسهم في تملّص حكومة العدو من "حل الدولتين"، بما يمهّد لإنكار حق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، وتحويله إلى عنصر دخيل سيُعمل على ترحيله في الظرف المناسب.

لقاء العقبة تواطؤ خطير

يعدّ الطرح الأمريكي أحد أخطر المشاريع التي تستهدف الوجود والكيان الفلسطيني، إلى جانب الممارسات الإرهابية التي ترتكبها حكومات العدو المتعاقبة، إذ إنه سيؤدي إلى تعديل تعريف "اللاجئ الفلسطيني" من جهة، والقضاء بشكل كامل على ما بات يسمّى "النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي"، بعدما نجح في إسقاط مصطلح "الصراع العربي – الصهيوني" من القاموس السياسي العربي، ولم يكن لهذا المسعى أن يجد طريقه إلى النجاح لولا التواطؤ العربي الذي كان ولا يزال يرمي بطوق الإنقاذ للصهاينة في أي محطة مفصلية يواجه فيها كيان العدو مأزقاً سياسياً أو أمنياً، ويؤمن له التغطية اللازمة للإمعان في تهشيم القضية الفلسطينية وصولاً إلى إسقاطها بشكل نهائي، وما لقاء العقبة الأردني – المصري إلا واحد من تطبيقات هذا التواطؤ الخطير، وبمشاركة فلسطينية "رسمية" صادرت قرار فصائل المقاومة الرافض للتسويات المذلّة، وتنكّرت لحق الشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة العرقية التي ترتكبها قوات الاحتلال في فلسطين المحتلّة.

ما هي خيارات نتنياهو؟

الواضح أن نتنياهو وحكومته يواجهان تحدّيات حسّاسة تظهر من خلال اتّساع حجم الهوّة بين الشرائح السياسية والشعبية داخل كيان العدو، في ظل تهديد فعلي بتدرّج تداعيات هذه الهوّة لتصل إلى المؤسسات العسكرية والأمنية، خصوصاً مع الانقسام العمودي الحادّ الذي يضع مستقبل الكيان أمام مفترق طرق، فإمّا أن يستمر بحكومته وسياساتها العنصرية الإرهابية سعياً للحفاظ على مستقبله السياسي، وبذلك يخاطر بازدياد الشرخ الداخلي في موازاة تعاظم قدرات المقاومة وتنامي الزخم الشعبي المقاوم، أو يهرب إلى الأمام بالسعي لإجراء انتخابات جديدة وبذلك يزيد من حجم الترهّل في نسيج المجتمع الصهيوني، أو يندفع إلى خيارات أخرى على قاعدة "كمن يستجير من الرمضاء بالنار"، فيحاول نقل المعركة إلى بعد خارجي لا يملك فيه زمام التحكّم والسيطرة، وبذلك لن يقطف ثمار الخطوة إلا الإمعان في تسعير اللهب.

مساعٍ أمريكية للتهدئة .. ولكن

يجمع المحلّلون على الحساسية المفرطة للمرحلة الراهنة في ظلّ اشتداد الأزمة العالمية وازدياد تعقيداتها ربطاً بارتفاع حرارة الحرب المستعرة على الجبهة الروسية في مواجهة الحلف الأوروبي – الأمريكي، ويرجّح هؤلاء أن واشنطن تسعى إلى تحييد منطقة غرب آسيا عن الدخول في حمأة هذه الحرب من خلال فرض تسويات عربية – عربية وأخرى عربية – إسرائيلية حفاظاً على أمن "إسرائيل" بالدرجة الأولى وحماية مصالحها الحيوية – الطاقوية في المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه يطلق يد نتنياهو في اعتماد سياسة القضم المتدرّج والخطوات المتدحرجة على أن يتولّى العرب مهمّة التغطية وتذليل العقبات أمام هذا المسعى.

ولا يقف حجر عثرة أمام المسعى الأمريكي – الصهيوني إلا محور المقاومة الذي يرفض الدخول في سياق هذه التسويات لأنها ستأتي حكماً على حساب القضية الفلسطينية ومستقبل شعوب المنطقة، كما بات الداخل الفلسطيني مرتبطاً بشكل وثيق بتفاصيل المعادلة في دول الطوق بتعريفه الجديد، ولا سيّما منها لبنان وسوريا اللذين يواجهان ضغوطاً سياسية واقتصادية هائلة غير مسبوقة، تهدف إلى زعزعة تماسكهما الداخلي وتحييدهما عن دائرة التأثير عما يجري داخل فلسطين المحتلة. وعلى هذا الأساس سيجد نتنياهو نفسه عالقاً في دائرة خياراته الصعبة، خصوصاً أن أي خيار "تفجيري" قد يقدم عليه للهروب من أزمته الداخلية سيؤدي إلى وضع المنطقة على فالق زلزال أمني - عسكري، ولن تكون الجبهة على المحور الفلسطيني بمنأى عن الحراك الميداني، بل ستكون الجبهة الأكثر إيلاماً لكيان الاحتلال.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات