آراء وتحليلات
أبعاد زيارة رئيس الأركان الأمريكي لسوريا
إيهاب شوقي
ربما هناك تشابه بين زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي المفاجئة إلى سوريا، وزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المفاجئة أيضًا إلى أوكرانيا، والرابط بينهما ربما هو طمأنة الحلفاء وتقديم أكبر مستوى من الدعم الشكلي بسبب العجز عن تقديم المزيد من الدعم العملي.
وقبل الخوض في توضيح ذلك، ينبغي القول إن أمريكا تحارب في عدة معارك متزامنة، حيث تحارب في معركتها في الصراع الدولي للحفاظ على العرش العالمي والأحادية القطبية، وتحارب في معاركها الإقليمية بالأقاليم المترامية للحفاظ على هيمنتها وانقاذ ما يمكن انقاذه من ثقة حلفائها وتابعيها المتراجعة إلى درجة خطيرة تنذر بالانفلات من القبضة الأمريكية في عدة حالات وحدوث انفلات فعلي في عدة ملفات.
ولعل المعركة الإقليمية الأبرز لأمريكا وأكثرها اتصالًا وتشابكًا مع معركتها العالمية، هي المعركة في إقليمنا والمعروف في الأدبيات السياسية بـ"الشرق الأوسط".
ودون الخوض في تفاصيل الفكر الأوراسي - الأمريكي وتمايزاته عن الفكر الأوراسي - الروسي، ودون الخوض في تفاصيل المدارس الاستراتيجية الأمريكية، إلا أنه من المؤكد ومن المتفق عليه أمريكيا، هو أن السيطرة على الإقليم هي ضرورة للسيطرة على أوراسيا وهي الضمانة الوحيدة للهيمنة على العالم، وبالتالي تتشابك المعركة في "الشرق الأوسط" مع المعركة الدولية، بما يجعل من تصعيد الصراع في المنطقة يصل لنذر حرب عالمية، والعكس حيث تصاعد الصراع الدولي قد يخلق حربًا إقليمية.
وبالتالي، فإن الوضع الراهن الملتهب يحمل في تفاصيله نذرًا كبيرة بالتصعيد على جميع الجبهات، ولا يحول دون اندلاع حرب عالمية أو إقليمية، سوى توازن الردع والرعب على المستويين الدولي والإقليمي، وهي ضمانة معطلة ولكنها ليست مانعة من الانزلاقات بالضرورة.
وبالعودة لزيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكي للقاعدة المحتلة في سوريا، فإنه وفي هذا السياق الدولي والإقليمي يمكن قراءة الزيارة وتصريحات "الجنرال" بأن التواجد الأمريكي في هذه المنطقة "لا يزال يستحق المخاطرة".
وهنا ينبغي رصد ما يلي:
1- التواجد الأمريكي في سوريا هو لطمأنة الحليف الصهيوني بقطع أوصال الدولة السورية والمساس بسيادتها وإضعافها ونهب مواردها، وهو في الشرق لقطع التواصل بين محور المقاومة عبر الخط الواصل من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، وهو أيضا للتضييق على الدور الروسي في سوريا وعدم ترك الساحة لنفوذ روسي يتخطى النطاق الجيو - سياسي إلى النطاق الجيوستراتيجي.
2- لا تملك أمريكا شجاعة المواجهة المباشرة ولا القدرة على الحرب بضمانة النصر، وبالتالي تلجأ إلى جبهات غير مباشرة وبأسقف محسوبة ومحدودة بحدود عدم الاشتباك المباشر، ولا تملك أيضا ترك الحلفاء والأدوات يفلتون من قبضتها، وبالتالي هي تحارب روسيا بشكل غير مباشر وتتخفى وراء دعم أوكرانيا، وما تعجز عن سده عسكريا لخطورة انزلاقاته، تحاول تعويضه سياسيا، مثل زيارة أكبر منصب في أمريكا وهو الرئيس عوضا عن تقديم أكبر دعم عسكري يقود للحرب المباشرة مع الروس.
وهو نفس ما تفعله بالمنطقة، حيث لا تملك الشجاعة ولا القدرة على الحرب مع ايران ومحور المقاومة، وبالتالي تعتمد على الحصار ودعم خصوم المقاومة، كما لا تملك التخلي عن حليفها وربيبها الصهيوني، ولكنها لا تستطيع الذهاب معه لأوهامه وأمانيه بالمشاركة في قصف المشروع النووي والحرب مع إيران والمقاومة، وبالتالي تقدم له أقصى ما يمكن تقديمه سياسيا، بالصمت عن جرائمه رغم تناقضها المباشر مع ادعاءات الإدارة الأمريكية وحزبها "الديمقراطي" وما شكلته ممارسات الكيان للإدارة من حرج بالغ. وربما تأتي زيارة جنرال بهذا الحجم وهذا المنصب لقاعدة لا تحتوي إلا على نحو 900 جندي، في هذا السياق، هو الدعم السياسي المبالغ فيه تعويضًا عن العجز عن تقديم ما يقود إلى المحظور.
3- رغم تناقض الرؤى بين العدو الامريكي والاسرائيلي لإيران ومحور المقاومة بخصوص المشروع النووي، وادعاءاتهم أن إيران تصر على متلاك السلاح النووي، ونفي إيران الدائم وحرصها فقط على السيادة وعدم الخضوع للهيمنة، إلا أن الثابت، هو أن العدو يخشى من إيران بشكل وجودي، ويقف عاجزا عن التصرف لاستنفاده جميع وسائل الضغط والترغيب والترهيب.
وينبغي قراءة تصريحات نتنياهو بأن الكيان المؤقت سيتصرف ولو منفردًا وسيشعل الحرب، في سياق الدعايات واعتماد سياسة حافة الهاوية لتعميق الضغوط الدولية على إيران، ولابتزاز أمريكا والتعمية على التناقض بين ممارسات حكومة "المجانين" الصهيونية وادارة بايدن والدفع لصمتها عن الممارسات الديكتاتورية التي تتبناها "اسرائيل" علنًا بالمخالفة لما حاولت ترويجه تاريخيًا، بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة بالمنطقة!
اللافت هنا، هو أن تصريحات نتنياهو التي تهدد بقصف المشروع النووي لإيران، تأتي متزامنة مع ما أفادت به وسائل الإعلام الصهيونية من اعتزام 37 طيارًا احتياطيًا إسرائيليًا من أصل 40 عدم الحضور لتدريب مقرر لهم احتجاجًا على خطة الإصلاح القضائي في بلادهم، حيث أكد الطيارون الإسرائيليون الـ 37 والذين ينتمون لسرب "المطرقة"، الذي يشارك في مهاجمة الأهداف البعيدة، بأنهم لن يشاركوا في التدريب، مما جعل قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق الجنرال إيتان بن إلياهو يرفع الصوت مشيرًا إلى أن انضمام المزيد من الوحدات التابعة لسلاح الجو للاحتجاجات الرافضة للتعديلات القانونية، هي ظاهرة بدأت تنتشر كالنار في الهشيم، مضيفًا إنها أزمة قد تعصف بسلاح الجو، وهي أزمة لم يسبق لها مثيل.
ويعرف نتنياهو جيدًا أن سرب "المطرقة" هو السرب 69، وهو السرب الذي شارك مع السربين 119 و253 في الغارة الجوية التي جرت في 6 سبتمبر 2007 على موقع في سوريا بدعوى أنه موقع نووي، أي أنه السرب المنوط به تنفيذ أوهامه الخارجية!
ويعرف نتنياهو أيضًا ما ذكره موقع "أكسيو"، الذي نشر أن "وزارة الخارجية الأمريكية عقدت مشاورات داخلية حول ما إذا كان ينبغي رفض منح تأشيرة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قبل زيارته المتوقعة للولايات المتحدة الأسبوع المقبل بعد أن دعا الحكومة الإسرائيلية إلى محو قرية حوارة". وما نقله الموقع عن مسؤول إسرائيلي أن مسؤولي وزارة الخارجية أعربوا مؤخرًا للدبلوماسيين الإسرائيليين بأنهم سيكونون سعداء إذا قرر سموتريتش إلغاء زيارته للولايات المتحدة.
ومع كل هذه المفارقات، فإن الحذر من أي حماقات ناتجة عن العحز أو الغدر، هو أمر واجب، والمقاومة دوما تعد وتتجهز لجميع السيناريوهات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024