معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

قادة المجد.. الدرس والهدف
09/03/2023

قادة المجد.. الدرس والهدف

أحمد فؤاد

تظل استعادة ذكرى وقصص الأبطال الشهداء، القادة منهم خصوصًا، بالنسبة لظروف العالم العربي الحالية أقرب إلى المستقبل منها إلى الماضي، وتبقى قراءتها ضرورية لفرصة العبور الممكنة، وحكايات أمراء المجد وأقمار السماوات لا تنتمي أبدًا إلى القصص أو الروايات المعروفة، فهي بمبادئها وأبطالها وعمق أثر ما قدموه والحقائق التي نذروا أرواحهم لها تصبح شعلة ودرجة أولى نرتقي إليها من أزمتنا وواقعنا وليلنا.

ويجمع بين قصص شهدائنا وسادة الشرف والعز، ممن تحمل الأيام ذكراهم وتفوح من كل صباح سيرتهم، هي أنها في عمومها أغرب من الخيال مع أن فصولها ومجريات رواياتها أقرب إلى الحقيقة اليومية المعيشة، شهدناها وشهدنا لهم، كما أن فلسطين ركن أساس في كل ما تركوه لنا من رسائل، وآثار أقدامهم قد حملتهم عبر هذا الهدف النبيل، تقاطعت طرقهم على عتبات علا المجد، ابتعدت واقتربت، لكنهم ما حادوا عن هذا الطريق.. وحزب الله الذي قدم ويقدم وسيقدم أغلى وأنبل الناس في سبيل التحرير لم تكن سيرته وسيرة قادته سوى حكاية هذا الطريق الطويل والمجيد.

والأقرب للذكر هو كلمات المعلم الملهم، القائد البطل، الشهيد عماد مغنية، "الهدف واضح ومحدد ودقيق، إزالة الكيان من الوجود"، ويمكن اعتبار أن كل الشهداء القادة عبروا عن هذا النهج وهذه الروحية، التي تعتبر معركة تحرير فلسطين في جوهرها وحقيقتها معركة الحق كله ضد الباطل كله، معركة بين الحق المقدس وبين الحقد الشيطاني، لا مجال لتعريفها في قاموسهم سوى هذا، ولا خطوة واحدة في طريقهم كانت تودي بهم إلى غير هذا.

أصل الشرور وشيطان عالم اليوم هو الولايات المتحدة الأميركية، والجزء السرطاني المزروع في قلب الأمة العربية هو معركة كل لحظة وكل يوم، القبول بوجودها ــ ولو رمزًا ــ خصم مباشر من إمكانيات وجودنا، وإنهاؤها تمامًا واستراد كامل أرض فلسطين، هو أول شروط الانعتاق من هذا الشيطان الأميركي، وأول مسمار سيدق في نعش إمبراطوريته المهيمنة.

يُفهم من سيرة قادتنا أن قطع اليد الأميركية المزروعة في إقليمنا هو وأصل الداء وسبب العلة، كل ما ينعكس على مواطن عربي في لبنان وسوريا والأردن وغيرها من متاعب معيشية وموجات تضخم متتالية وأزمات اقتصادية تتلو بعضها بعضًا، بلا نهاية، هي نتيجة لوجود وتدخل الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم، وأن خطر بقاء الكيان هو أنه يدمر حاضرنا ومستقبلنا، ويمرر حياتنا اليومية.

الحاج رضوان، مرة أخرى كمثال ناصع على الصورة الإستراتيجية والرؤية الكاملة التي تحكم حركة وتقدم حزب الله، كان يضع هدف فلسطين خلال جهاده الطويل لتحرير لبنان، من الثمانينيات إلى أول الألفية، ثم كان يضعه هدفًا وبوصلة حق خلال حرب تموز/ يوليو 2006، والتي كانت تستهدف كسر المقاومة وتفتيت بيئتها الحاضنة، وتصدير الرعب والصدمة إلى قلب لبنان، لكن المؤامرة فشلت، واليوم لا يقف لبنان كأمضى سلاح وأكثره إرهاقًا ورعبًا للعدو، وفقط، وإنما يمضي على طريق الجليل، لا أقل.

الشهداء القادة أثبتوا المرة بعد المرة أنهم يستمدون وعيهم وأسلوبهم ومبادئهم من نفحات سماوية، وكأنما زرعت في أرواحهم، يعرفون مبكرًا الطريق، ورهانهم الحتمي على النصر لا يأخذ بأسباب القوة أو فارق الإمكانيات المروع مع عدونا ومع من يقف خلفه، إنهم طبقوا ببساطة الوعود الإلهية للنصر لشعوبهم وأمتهم، وفي الوقت ذاته، كانوا أقرب لطريق الحسين (ع)، ونذروا أنفسهم لقوله: "إلا من كان باذلًا فينا مهجته"، حصدوا لأمتهم النصر، ومضوا إلى ما كانوا يحبون، ويليق بجهادهم الطويل.

إنها ليست مناسبة لإحياء أرواح أكثر منا حياة، بل مجرد إعادة قراءة عن القادة الشهداء، وتدبر سير أسيادنا وزهر أمجادنا، أشرف وأطهر من مروا، وأنبل من عبروا الهزيمة والخيانة، وأعظم من قهروا سيوف الشيطان الأعظم وخناجره المسمومة، واختاروا طريقًا هو ـ بذاته ولذاته ـ الانتصار.
..
هذا النموذج الذي قدمه حزب الله، وفي القلب منه القادة والأبناء، تحوّل إلى وقود بدأ يسيل على طول فلسطين وعرضها، ويعيد صياغة قواعد جديدة للفعل لدى مقاومين فلسطينيين، في مجموعات صغيرة العدد عظيمة التأثير والقدرة، هذا المتغير الجديد في قلب الأحداث بفلسطين، جاءنا بيد شباب تقاتل بإيمان الحق وقوة الوجود التاريخي، تصمد وتشتبك طوال الوقت بكل يقين وثبات، ويقدمون معاني جديدة للثبات الأسطوري، في مناخ أصعب من أن يوصف أو أن يحمل لهم الأمان.

اليوم، يحاول العدو المتغطرس اليائس اتباع طريقة الضرب والضرب دائمًا والضرب بشدة غير مسبوقة، لمواجهة هذا التحدي الجديد، مع تمدد المقاومة جغرافيًا في كل بقعة من أرض فلسطين المحتلة، لكنها لا تزيد عن ضربات قوة يائسة، تجد في الظرف الجديد أخطر تهديد وجودي عليها، ولا تملك سوى ممارسة الحد الأدنى من القوة في مواجهته، وهو خيار ليس فاشلًا فقط، لكنه سيمنح المقاومين المزيد من الوقود والأسباب للاستمرار حتى النهاية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل