معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

عودة العلاقات الإيرانية - السعودية.. أي تأثير على الكيان الصهيوني؟
11/03/2023

عودة العلاقات الإيرانية - السعودية.. أي تأثير على الكيان الصهيوني؟

شارل ابي نادر

لم يكن مفاجئًا ما أُعلِنَ عنه لناحية توقيع اتفاق سعودي - ايراني لعودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين قريبًا، برعاية مباشرة من الصين وفي عاصمتها بكين، لأن مسار التفاوض بين الطرفين كان قد انطلق منذ حوالي السنتين، وفي عدة جولات منفصلة في كل من العراق أو سلطنة عمان، وتحت عناوين "أمنية" على الأقل.

أمور كثيرة ستتغير في مستوى العلاقات الاقليمية كافة في المنطقة، فيما لو تطور أكثر مسار هذه العودة للعلاقات الإيرانية - السعودية، ولو اكتمل إلى نهايته الطبيعية المتوازنة. ويبقى لهذا الاعلان – بالاضافة  طبعًا لتأثيراته على أغلب ملفات المنطقة الحساسة حاليًا - أثرٌ استثنائيٌ في اتجاهين: الأول هو أن الاتفاق تم برعاية صينية وما لذلك من تأثيرات على الموقف الأميركي، والثاني في انعكاساته على الكيان الصهيوني وموقف "اسرائيل" منه.

وحيث يبقى لعامل الرعاية الصينية أهميته وتأثيراته على الاميركيين، فإننا هنا سنحاول الاضاءة تحديدًا على البعد الاسرائيلي.

فما هي بداية نقاط التقارب التي أمّنت هذه العودة؟ وما هي الملفات التي تم تجاوزها من قبل الطرفين أو من قبل احدهما؟

في الواقع، هناك الكثير من الملفات الخلافية بين الدولتين الاقليميتين الأكثر حضورًا وتأثيرًا في المنطقة: (ايران والسعودية)، والتي من المفترض أنها قد حُلّت أو لاقت طريقها نحو التفاهم والتفهم، وقد يكون أهمها، التزام كل طرف بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

غير ذلك، هناك ملفات أخرى ربما قد تكون لاقت طريقها نحو الحل أيضًا، والتي كان من المفترض أن تكون أساسًا خارج نقاط الخلاف بين الطرفين، وهي السماح لمواطني كل طرف بممارسة الشعائر الدينية عبر تسهيل زيارته الأماكن الدينية الموجودة في كلا البلدين بكل حرية وأمان، حيث أماكن المقدسات والعبادة مشتركة ومتداخلة بين البلدين.

اضافة إلى أن عدة ملفات اقتصادية وما يرتبط بها من علاقات تجارية مفيدة للطرفين، من المفترض أن تكون ايضًا قد لاقت طريقها نحو الحل، يضاف اليها طبعًا موضوع التهدئة الاعلامية والتزام كل طرف بوقف التعرض للطرف الآخر في هذا المجال، ولكن..

يبقى الملف الأهم والأكثر حساسية وتأثيرًا، والذي من الطبيعي أنه كان موضع نقاش مستفيض بين الطرفين، ومن المفترض أيضًا أن كل طرف بقي على موقعه فيه، هو ملف الصراع مع الكيان الصهيوني، إذ من المؤكد أن الموقف الايراني من هذا الملف غير قابل للبحث بتاتًا، ومن الطبيعي أن نفترض أن السعودية لن تنتقل إلى جانب ايران بمواجهة "اسرائيل"، وأنها ستبقى على ضفة التقارب أو على طريق التطبيع مع الكيان.

ولكن، بالرغم من أن "اسرائيل" تعرف ذلك جيدًا، لناحية ثبات كل من الدولتين على موقفها تجاه الصراع معها، فقد كانت ردة فعلها من عودة هذه العلاقات عنيفة لدرجة أجمعت الآراء المتضاربة والمتعارضة فيما بينها على أن الاتفاق ضربة لها، بقول رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت إنّ "تجديد العلاقات بين السعودية وإيران تطور خطير بالنسبة إلى "إسرائيل"، وانتصار سياسي لإيران، وفشل مدوٍّ وإهمال وضعف من حكومة نتنياهو"، أو بقول رونن منليس وهو ضابط كبير سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي إنّ الاتفاق السعودي الإيراني "ضربة للصراع الإسرائيلي ضد النووي الإيراني، ولا يمكن الحد منها"، أو بقول يائير لبيد، شريك بينيت في رئاسة الحكومة السابقة، إنّ "الاتفاق هو فشل كامل وخطير بالنسبة إلى السياسة الخارجية للحكومة الإسرائيلية، وهذا انهيار لجدار الدفاع الإقليمي الذي بدأنا بناءه ضد إيران".
 
مع اظهار أغلب الاتجاهات الصهيوينة تركيزها وخوفها في موضوع عودة العلاقات السعودية - الايرانية الى طبيعتها، وما يمكن أن تقدمه هذه العودة لمصلحة ايران لناحية تأكيد وتقوية ضرورة العودة الى الاتفاق النووي مع طهران، فإن "تل ابيب" ترى الخطر والتأثير السلبي الأكبر من هذه العلاقات الايجابية المستجدة بين طهران والرياض في مكان آخر غير الاتفاق النووي، وذلك كالتالي:
 
الالتزام بين طهران والرياض بعدم التدخل في شؤون الدول والأطراف الأخرى في المنطقة، سيكون حتمًا من النقاط الأكثر تأثيرًا على "اسرائيل" سلبًا، فمعركتها ضد أطراف محور المقاومة لم تعد في الجانب العسكري فقط، والذي فضلت الابتعاد عنه مرحليًا بعد اقتناعها بعدم جدواه أو بما يمكن أن يجره عليها من كوارث غير قادرة على تحملها، بل إن معركتها ضد دول وأطراف محور المقاومة انتقلت إلى الجانبين الاقتصادي والسياسي.

وفي الوقت الذي كانت تعتبر "اسرائيل" أن السعودية من أكثر الأطراف الإقليمية قدرة في التأثير سلبًا على دول وأطراف محور المقاومة في الجانبين الاقتصادي المالي والسياسي، ستكون حتمًا مستاءة جدً إذا التزمت اليوم الرياض بعدم التدخل في شؤون أطراف اقليمية قريبة من ايران وبعدم استهدافها، وستعتبر "اسرائيل" أنها سوف تخسر فرصة ثمينة وتاريخية كانت تعوّل عليها لاضعاف أطراف محور المقاومة عبر الحربين الاقتصادية والسياسية.

هو الصراخ الاسرائيلي اذًا، وحقيقته أن "اسرائيل" استنتجت أن أهم بنود هذا الاتفاق الذي رعى عودة العلاقة بين الدولتين، هو التزام السعودية بعدم انخراطها بشكل أو بآخر مع "اسرائيل" في حربها الناعمة ضد أطراف محور المقاومة، فهذا الالتزام السعودي - بمعزل عن اعتراف أو عدم اعتراف الرياض به - يبقى بالنسبة لايران أساسيًا لعودة العلاقات، لأنها حكمًا لن تقبل بأن يُستهدف حلفاؤها في محور المقاومة من منصة اقليمية مؤثرة وفاعلة مثل السعودية لخدمة مصالح "اسرائيل" أو لخدمة معركة الأخيرة في صراعها مع المحور المذكور، الأمر الذي يجب أن نستنتجه أيضًا وحكمًا، من كلام الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله  بقوله: "إن التحول المتعلق بالتقارب السعودي الإيراني جيد، ولن يكون على حساب شعوب المنطقة، وإنّما لمصلحتها".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات