آراء وتحليلات
لاتينيو أمريكا: فورة إلحاد وهجر للكنائس
د. علي دربج - باحث واستاذ جامعي
ليس من قبيل المبالغة القول إن المجتمع الأمريكي يشهد تبدلات نوعية، ليس فقط على مستوى الأزمات الاقتصادية والأمنية (نسبة لارتفاع جرائم القتل اليومية) بل وصل الأمر إلى هجرة المواطنين الامريكيين من أصول لاتينية ــ كبقية الأعراق الأخرى في البلاد ــــ مقاعد الكنيسة بشكل متزايد، وانتقالهم الى الالحاد كبديل عقائدي لديهم.
وتبعا لذلك كشف تقرير جديد لمركز "بيو" للأبحاث، أن حوالي 30 بالمائة من البالغين اللاتينيين ليسوا منتمين دينياً ـــ أي بزيادة كبيرة بلغت 10 بالمائة فقط منذ عام 2010 - وما يغذي هذا التحول، هم الشباب اللاتينيون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، ويقول نصفهم إنهم ليس لديهم انتماء ديني.
وتعقيبًا على ذلك قال جوهم نافارو ريفيرا عالم السياسة والشريك الإداري في Socioanalitica Research وهي شركة استشارية لشركات الأقليات "عندما نفكر في ما يعنيه أن تكون لاتينيًا، فربما يكون ذلك بالنسبة لكثير من الناس كاثوليكيًا، وهذا ليس هو الحال"، لذا حان الوقت وفقا لرؤيته لإعادة التفكير في معنى أن تكون لاتينيًا.
ما هو تأثير هذا التحول على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة؟
في الواقع، يتوقع البعض أن تحدث هجرة السكان اللاتينيين للكنيسة فرقًا ملحوظًا في الانتخابات المقبلة حيث يتودد الديمقراطيون والجمهوريون بشكل متزايد إلى جزء مهم من الناخبين المفترضين. زد على ذلك، أنه خلال الانتخابات الأخيرة (2020) عمل كلا الحزبين السياسيين على افتراض أن اللاتينيين كانوا في الغالب كاثوليكيين وأكثر إنجيليين، مما جعلهم محافظين في قضايا رئيسية مثل الإجهاض. لذا تم استخدام هذا التخمينات للمساعدة في تفسير مستوى دعم اللاتينيين الأكبر من المتوقع للرئيس دونالد ترامب في انتخابات 2020.
لكن المفاجأة أن مركز "بيو" وجد أن الانتماء الديني للاتينيين يبدو أقرب بكثير إلى الشخص البالغ العادي في الولايات المتحدة، مما كان يعتقد سابقًا. والأهم أن عدد اللاتينيين البروتستانت، بمن في ذلك الإنجيليون، ظل مستقرًا نسبيًا في العقد الماضي، مما يلقي بظلال من الشك، على فكرة أن تحول اللاتينيين إلى اليمين في انتخابات عام 2020، مرتبط بحركة إنجيلية.
ومع أن اللاتينيين الإنجيليين ليسوا جمهوريين بأغلبية ساحقة - قال 50 بالمائة إنهم جمهوريون، بينما قال 44 بالمائة إنهم ديمقراطيون ــ لكن المثير للانتباه هو أن حوالي 31 بالمائة من الديموقراطيين اللاتينيين ليسوا منتمين دينياً، بمن في ذلك أولئك الذين يعتبرون ملحدين أو محايدين دينيًا". بالمقابل تبلغ نسبة الجمهوريين اللاتينيين غير المنتمين دينيًا حوالي 27 في المائة.
وتبعًا لذلك، أوضح ريفيرا أن اللاتينيين الأصغر سنًا وغير المتدينين هم أيضًا أكثر ليبرالية إلى حد ما في وجهات نظرهم بشأن العدالة الاقتصادية والعدالة العرقية مقارنة بالأجيال السابقة.
هل لا زالت الكاثوليكية جزءًا من هوية اللاتينيين؟
عمليًا، كانت الكاثوليكية متأصلة منذ فترة طويلة في الهوية اللاتينية، غير أن ثمة تغيرات حدثت مع الأيام في أوساط المجتمع اللاتيني الأمريكي، إذ أظهر استطلاع مركز "بيو"، أن حصة الكاثوليك اللاتينيين تتقلص. ففي عام 2010 اعتبر 67 بالمائة من اللاتينيين في الولايات المتحدة أنفسهم كاثوليك، مقارنة بـ 43 بالمائة حاليًا.
أما الأكثر أهمية وفقًا للاستطلاع، أنه مقابل كل شخص بالغ لاتيني قال إنه انضم إلى الكنيسة الكاثوليكية، غادر 23 لاتينيًا. وهذا يعود إلى أن الابتعاد عن الدين السائد هو سؤال تواجهه الولايات المتحدة ككل، لأن الدين والمجتمعات الدينية لعبت ذات مرة دورًا أكبر في نسيج الحياة الأمريكية. وهذا ينطبق أيضًا على اللاتينيين.
ما هو الرابط ين الكاثوليكية واللاتينية؟
في الحقيقة تتشابك الثقافة الكاثوليكية واللاتينية وترتبطان ارتباطًا وثيقًا، حيث تستند العديد من معالمها الثقافية إلى شخصيات دينية ــ بما في ذلك La Virgen de Guadalupe (لقب للسيدة مريم المقدسة عليها السلام)، أو المسبحة، أو حتى كلمة "وداع" والتي تعني وداعًا باللغة الإسبانية ولكن أيضًا حرفياً معناها "إله".
في الختام، يبدو أن فورة الإلحاد انتقلت الى أمريكا - تضم نسبة كبيرة من غلاة المتدينين المحافظين خصوصًا الانجيليين منهم - بحيث أصبح اللاتينيون الأصغر سنًا ينفصلون هذه الأيام (على ذمة الخبراء والمراقبين) عن العقائد التي كانت متجذرة داخل مجتمعهم لأجيال. صحيح أن الكثير منهم يشعرون بالقلة، ولكن مع ذلك فهم يعولون على المزيد من المنظمات والجماعات (الملحدة) التي تخرج الى العلن بين فترة وأخرى. فهل بدأ فعلًا وجه أمريكا بالتغير؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024