آراء وتحليلات
كييف أسيرة الهجوم المضاد.. والقوات الروسية بالمرصاد
يونس عودة
من حيث الجوهر، فإن الهجوم الأوكراني المضاد الذي جرى الترويج له ضد القوات الروسية قد بدأ فعلًا، ومؤشرات ذلك عديدة. أما النتائج فمرهونة بالتطورات الميدانية أو في البداية بايجاد ثغرة في الدفاعات الأرضية الروسية لتحقيق اختراق، يراهن الغرب من خلاله على التفاوض مع روسيا قبل نهاية العام. فيما الاستراتيجية العسكرية الروسية المعتمدة منذ غزوات نابليون الى الحروب العالمية، (وأكثر تجلياتها في الحرب العالمية الثانية التي تسميها روسيا الحرب الوطنية العظمى، بانتصارها على الفاشية والنازية) طالما كانت في البداية فتح مجالات أمام هجمات القوات المعادية وتركها تتمدد في ميادين لها اليد الطولى فيها ومن ثم الانقضاض عليها وسحقها بعد مشاغلة موضعية. لكن هذا سياق والرد على مهاجمة الكرملين له سياق آخر بغض النظر عن نتائج العملية الهجومية التي باتت أوكرانيا ملزمة بالقيام بها.
في المؤشرات الواضحة للهجوم، هناك دلائل صاخبة أمنيًا وعسكريًا وسياسيًا:
- الهجوم الفاشل بالطائرات المسيّرة على الكرملين حيث المقر الرئاسي الروسي ولم يكن الرئيس فلاديمير بوتين متواجدًا. وقد اعتبرت روسيا الأمر تطاولًا على رمز روسيا المعنوي وعملًا إرهابيًا مخططًا، ومحاولة لاغتيال رئيس الدولة، نسقته المخابرات الاميركية. ولذلك أسقطت روسيا الضمانات التي كانت منحتها للرئيس الأوكراني بعدم استهداف المقر الرئاسي في كييف، لا بل أعلنت على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف، بأنه بعد الهجوم الإرهابي على الكرملين، لم يتبق سوى خيار التحييد الجسدي لزيلينسكي وعصابته، وليسوا بحاجة حتى للتوقيع على استسلام غير مشروط". وقال: "هتلر، كما هو معروف، لم يوقع عليه أيضًا.. سيكون هناك دائمًا بديل لنوع الدمية الرئاسية".
- من المؤشرات أيضًا، تكثيف محاولات ضرب بنى تحتية روسية مثل الهجوم على مطارات عسكرية روسية كمطار سيفيرني في منطقة إيفانوفو، ويقع شمال شرق العاصمة الروسية. وتم احباط الهجوم وتمكن الأمن الروسي من رصد مسار الطائرة، ما أدى إلى اعتقال الطيار وأعضاء آخرين في المجموعة التخريبية الذين جندتهم الاستخبارات الأوكرانية، بعد هبوط الطائرة في مقاطعة تولا (جنوب موسكو) لحظة تسليم وتسلم الوسائل القتالية. وكذلك غارات شنتها عشر طائرات مسيّرة أوكرانية على سيفاستوبول، حيث الميناء الرئيسي للأسطول الروسي في البحر الأسود. وقد تم تدميرها قبل تحقيق غاياتها.
- تكثيف عمليات الاستطلاع على طول خطوط التماس كلها تقريبًا، وتقدير مدى جفاف التربة وتحديد المناطق الضعيفة من أجل فتح ثغرات في دفاعات القوات الروسية.
- استهداف أماكن تخزين المحروقات على اعتبار أن ذلك يمكن أن يشل حركة المدرّعات والآليات الروسية ويفقدها الدعم اللوجستي أثناء القتال بالتوازي مع تكثيف العمليات الأمنية.
- عمليات اغتيال وتخريب مثل محاولة اغتيال الكاتب والسياسي الروسي البارز زاخار بريليبين، في انفجار سيارة، أسفر أيضًا عن مقتل سائقه، وتم اعتقال المتورط بعد ساعات بالتوازي مع اعلان جهاز الأمن الفدرالي أنه اعتقل 7 عملاء للمخابرات العسكرية الأوكرانية داخل أراضي شبه جزيرة القرم جنوبي أوكرانيا، كانوا يخططون لتنفيذ "هجمات إرهابية واغتيال قادة في القرم، ومنهم حاكم القرم سيرغي أكسبونوف". وأن المسؤول الرئيسي عن خطة تنفيذ هجمات في القرم هو مسؤول الارتباط في الإدارة الرئيسة للمخابرات في وزارة الدفاع الأوكراني ويدعى كيريل بودانوف.
هذا في التحضير الميداني العملياتي المتزايد يوميًا بانتظار الاشارة الاطلسية - الاميركية للاعلان الرسمي عن الهجوم. وقد جاءت الاشارات التمهيدية الاميركية على الشكل الآتي:
- اعلان صريح لمديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هينز، أن كييف تشارف على الانتهاء من تحديد موعد ونطاق هجومها المضاد على الجيش الروسي في أوكرانيا، مع اعطاء جرعات معنوية للقوات الاوكرانية وازالة مخاوفها باستبعاد هيلز أن تستخدم روسيا أسلحة نووية في أوكرانيا.
- اعلان واضح بشراكة اميركا في الحرب عبر كشف منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن الولايات المتحدة مدت أوكرانيا بجميع الوسائل اللازمة لتنفيذ الهجوم المضاد. وقال إنه لن يفصح عن توقيت بدء هذا الهجوم، حتى لو كانت لديه معلومات بشأنه، لأنه يعتبر ذلك من اختصاص فلاديمير زيلينسكي، وذلك بموازاة كشف المسؤولين العسكريين الاميركيين أنهم زودوا الجيش الأوكراني بـ 230 دبابة و1500 ناقلة جند مدرعة وعربات مشاة قتالية، وهذا لا يشمل الدعم من ترسانات الناتو والدول الاوروبية وغيرها من الدول التي خشيت انتقام واشنطن وقدمت دعمها المالي والعسكري لكييف ومن بينها أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات IRIS-T، وحوامل مدفعية ذاتية الدفع مضادة للطائرات من طراز Gepard، ودبابات "ليوبارد"، وغيرها من الأسلحة، وفق قائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني.
وعليه أعلن وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف أن الدول الحليفة تبالغ في توقعاتها لهجوم قوات كييف المضاد، بعد ساعات من تفاخره بأن الاستعدادات للهجوم المضاد "وصلت إلى خط النهاية". وهذا يعني أن على الغرب التواضع في المراهنة على نتائج سيحددها الميدان ولا يمكن ان تكون ايامها القتالية طويلة، أي أن الغرائز الغربية ستميل لتنفيذ الهجوم ولو ابيدت القوات الاوكرانية التي تراهن على عملية خاطفة يمكن من خلالها لي ذراع القوات الروسية. في وقت تبدو القوات الروسية في جهوزية كاملة للمعركة الفاصلة مع تأمين كل إمكانيات القوة والوسائل لصد الهجوم المضاد، وإرهاق القوات المعادية واستنزافها، ومن ثم الرد على الهجوم بالانقضاض على القوات الاوكرانية.
لقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن لدينا ذخيرة كافية في منطقة العملية العسكرية الخاصة لهزيمة العدو، وهذا يعني أن القوات وصلت الى التعبئة الكاملة، وهي في حالة التأهب القتالي. وهي مسألة ليست محصورة بأبعادها في الميدان الأوكراني الفسيح بل أنها معركة بمواجهة الغطرسة الغربية بما فيها التمدد الاطلسي والعقوبات.
وفي هذا المضمار أكد المستشار السابق للبنتاغون دوغلاس ماكغريغور، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإطلاقه العملية العسكرية في أوكرانيا، أحبط 20 عاما من محاولات واشنطن المستترة لإضعاف روسيا داخليا.
من المثير أن تكون هناك أصوات أميركية وازنة تجزم بانتصار روسي قادم، وفي هذا المجال قال روبرت كيندي جونيور، المرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهو ابن شقيق الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين جون إف كيندي: "لا يمكن للروس أن يخسروا هذه الحرب... فهي مسألة حياة بالنسبة لهم وهم يزيدون من بناء قواتهم، ولديهم تفوق مميز في المدفعية علينا. أما نحن فلا نقدر أن نعوّض أسلحة المدفعية. لقد خسرنا في هذا المجال". ورأى أن كل تصرفات حكومة الولايات المتحدة منذ البداية كانت تهدف إلى إطالة أمد النزاع. وشدد على أنه إذا تم انتخابه للرئاسة، فسيحقق وقفًا فوريًا لإطلاق النار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024