آراء وتحليلات
حكاية "ذو الفقار" في مناورة الأحرار
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
لمّا صَرَع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عمروْ بن عبد ود صاح عليّ منشداً:
نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِه ــــــــــــــ وَنَصَرْتُ رَبَّ مُحَمَّدٍ بِصَوَابِي
فَصَدَدْتُ حِينَ تَرَكْتُهُ مُتَجَدِّلًا ـــــــــــــــــ كَالْجِذْعِ بَين دكادكٍ وروابي
وَعَفَفْتُ عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنَّنِي ـــــــــــــــــــــ كُنْتُ الْمُقَطَّرَ بَزَّنِى أَثْوَابِي
لَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ خَاذِلَ دِينِهِ ــــــــــــــــــ وَنَبِيِّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ
وأنا أخطو خطواتي الأولى الى أرض ساحة المناورة التي نفّذتها وحدات من المقاومة الإسلامية في لبنان على أرضٍ تُدعى كسَّارة العروش قفزت هذه الأبيات من ذاكرتي لتتراقص أمامي على الحان لمعات النصر من عيون المجاهدين، وأدركت بلحظة أني في حضرة أحفاد عليٍّ أمير المؤمنين، فطغت على المكان نفحات الفخر، وتسربل الهواء بنسمات العزة والنصر.
للوهلة الأولى استوقفني اسم المكان "كسّارة العروش" فهو في حدّ ذاته رسالة ستدكّ عرش صهيون المتهالك على وقع أزيز رصاص المجد وصريخ الصواريخ المحلقة بنبض مطلقيها لتحطّم هيكلهم وتقتلع استكبارهم.
قد يستغرب البعض أن يكتب عسكري مقدّمة وجدانية عن مناورة عسكرية بالذخيرة الحيّة، لكن الإستغراب هنا ليس في محلّه لأننا ترّبينا كمقاتلين وليس كَقَتَلة وبين القاتل المُجَرّد من الأحاسيس والمقاتل المشحون بالوجدان النقي والمؤمن بالحسنَيَيْن الشهادة أو النصر.
أما لماذا هي حكاية "ذو الفقار" في مناورة الأحرار؟
في الحقيقة لم أجد تشبيهاً أبلغ من تشبيه المناورة بسيف "ذو الفقار" بشعْبَتَيه أو نَصْلَيه، فما شاهدناه كان نتاج جهد جبّار ومشترك بين المجاهدين ووحدة العلاقات الإعلامية لحزب الله وعلى رأسها الحاج محمد عفيف وفريق من الشباب والصبايا صقلتهم الخبرة وكان ديدنهم إنجاح المناورة وايصال رسائلها بصدق وأمانة، فكما قيل في الـ 2006 لولا "المنار" لضاع الإنتصار نقول اليوم لولا الجهد الجبار للعلاقات الإعلامية في حزب الله لما وصلت رسائل مناورة الأحرار.
وحتى لا أدخل في سردية طويلة بوصف مشاهداتي لوحدات المجاهدين وأسلحتهم المختلفة الصنوف وهو ما تظَهّر بشكل واضح على شاشات الفضائيات ومئات المقالات التي كُتبت منذ يوم الأحد وحتى كتابة هذه المقالات، سأكتفي بتوضيح فحوى الرسائل التي أرسلتها المناورة في ابعادها السياسية والعسكرية.
في البعد السياسي:
- مارست المقاومة حقّاً من حقوقها وهي المُشرّعة قانونياً وشعبياً في كل البيانات الوزارية لمجلس الوزراء اللبناني ومن خلال التفاف غالبية اللبنانيين حولها وهم البيئة الحاضنة من كل المناطق والطوائف وإن اختلفت نسبة الإلتفاف بين طائفة وطائفة ومنطقة ومنطقة، وهو الأمر الذي لم يتغير كثيراً منذ نشوء المقاومة حتى لحظتنا هذه، فلم يمر يوم إلا واللبنانيون في حالة انقسام حول المقاومة علماً بأن المقاومة أنجزت انتصاراتها في مراحل زمنية كان الإلتفاف حولها والدعم لها أقّل بكثير ممّا هو عليه اليوم.
- في البعد السياسي أيضاً كانت الرسالة واضحة على لسان رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين حيث دعا اللبنانيين إلى أنّ "يزدادوا طمأنينة"، وأن يعتمدوا على المقاومة التي تعنى بحمايتهم جميعاً، مشدداً على أنّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر "ستعود وأعيننا ستبقى موجهة إليها حتى يكتب لها التحرير".
في البعد العسكري:
- في الشكل وفي المضمون كانت الرسالة العسكرية واضحة وموجهّة للكيان المؤقت ولا لبس فيها سواء بالشعارات المُعلنة أو بما يرتبط بوضع علم الكيان على المواقع الإفتراضية والنقاط المُستهدفة بالرماية وهذا أمر متعارف عليه في أسس التحضير والتنفيذ للمناورات العسكرية والتدريبات المختلفة.
- في الجانب التقني كان واضحاً المستوى العالي من الإحتراف في إبراز مهارات الميدان وترتيب فعالياتها بدءاً من استعراض قدرات اللياقة البدنية للمجاهدين وهي قدرات ليست أقل من مستوى أفضل القوات الخاصة لأهم الجيوش في العالم.
كذلك كان واضحاً المستوى العالي من التدريب باستخدام الدراجات النارية سواء باساليب الإنتقال والمناورة والقفز عن السواتر وصولاً حتى الإشتباك واطلاق النار من الثبات والحركة والمشاركة في عمليات خطف جنود العدو والإستيلاء على آلياتهم.
- الرمايات سواء سلاح القنص أو الأسلحة ذات الرمي المباشر أو القوسي كانت مُحَقّقة ودقيقة بما فيها مشاركة مسيّرة مسلحة أصابت هدفها إصابة دقيقة من الضربة الأولى.
- عملية اقتحام موقع إسرائيلي تمّت في زمن قياسي وكان واضحاً في هذه العملية اندفاع وحدة من قوات الرضوان الى هدفها بسيارات ميكرو رباعية الدفع مجهزة برشاشات ثقيلة وقاذفات قنابل تحت النار وبتنسيق دقيق وجسارة عالية وأداء قتالي رفيع المستوى أرسلت رسالة للعدو عن المقاتل الذي سيواجهه جيشهم خصوصاً أن عملية الإقتحام كانت بحماية الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف وبحماية أجهزة السيطرة على المسيرات والتي كان حضورها الى جانب سلاح الأفعى المضاد للألغام يقول للعدو أن لا شيء سيمنع عبور المجاهدين.
- يبقى أن تفجير مجسّم الجدار الفاصل في أكثر من نقطة أرسل رسالة تقول إن العبور إلى أراضي فلسطين المحتلة لن يقتصر على نقطة واحدة ولن يستهدف موقعاً واحداً بل سيكون شاملاً وصاعقاً على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية.
- الأمر المؤكد ان مستوى إدارة العمليات والتنسيق بين كافة أسلحة المقاومة كان احترافياً ولم الحظ أي أخطاء حتى الصغيرة منها.
ختاماً: وصلت الرسائل كاملة وواضحة ومن المؤكد أن كافة وحدات العدو العسكرية والإستخباراتية منشغلة الآن بعملية تقييم شاملة لما هو ظاهر علماً بأن ما هو مستور من قدرات المقاومة سيبقى مستوراً حتى لحظة اندلاع المواجهة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024