آراء وتحليلات
ميلوني وقيادة مشروع التيار اليميني في أوروبا.. مناهضة المثلية والمهاجرين
د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
قبل الانتخابات الإيطالية في الخريف الماضي، تم تصوير رئيسة الوزراء الحالية جيورجيا ميلوني على نطاق واسع بأنها تهديد للغرب. غير انه بحلول هذا الصيف، تم التسامح مع كل شيء: بدءً من إعجابها ببينيتو موسوليني، مرورا بصلات حزبها بالفاشيين الجدد، وانتهاء بخطابها المتطرف في كثير من الأحيان.
اما كلمة السرّ التي شفعت لها، فكانت اوكرانيا وموقفها الداعم والمؤيد لها بمواجهة روسيا، وهذا ما جعلها ترسخ مكانة روما كشريك غربي موثوق به، ومركزا لاجتماعات مجموعة السبعة وقمم الناتو على حدٍ سواء. ومؤخرا جاءت زيارتها لواشنطن، لتعطيها دفعا اضافيا وتؤكد على اهمية دولتها كعضو مهم في المجتمع الدولي.
لكن مهلا، فالحكاية المطمئنة لمشاغب شعبوي تحول إلى براغماتي يتجاهل شيئًا مهمًا يمكن اختصاره بالسؤال التالي:
ماذا يحدث في ايطاليا؟
خلال أشهرها الأولى، مضت إدارة ميلوني في اتهام الأقليات بتقويض ما يصفه اليمين الإيطالي بـ" ثالوث الله والأمة والأسرة"، فضلا عن مناهضتها للمهاجرين والمنظمات غير الحكومية والآباء من نفس الجنس. كما ان جهودها المبذولة مع حزبها الذي ترأسه "اخوان ايطاليا" لإضعاف التشريعات المناهضة للتعذيب، وتكديس الإذاعات العامة بالموالين لها، وإعادة كتابة دستور ما بعد الحرب في إيطاليا لزيادة صلاحيات السلطة التنفيذية، تحدث نقزة كبيرة في الغرب الذي بات ينظر الى حكومة ميلوني على انها ليست مجرد أصلانية (اي محافظة)، ولكن لديها خط سلطوي قاسي أيضًا.
وعدا ان هذا يشكل فأل شرّ بما فيه الكفاية للغرب. لكن الكثير من أهميته يكمن خارج حدوده، ويظهر كيف يمكن لليمين المتطرف كسر الحواجز التاريخية مع يمين الوسط. فحلفاء السيدة ميلوني موجودون بالفعل في السلطة في بولندا، وتم إضفاء الشرعية عليهم من قبل الغرب أيضًا، بسبب دعمهم لأوكرانيا.
ففي السويد مثلا، يعتمد تحالف يمين الوسط على دعم الديمقراطيين السويديين الأصليين للحكم. بينما في فنلندا، حقق حزب الفنلنديين المناهض للهجرة نتائج أفضل، وانضم إلى الحكومة. ومع أن هذه الأحزاب، مثل العديد من نظرائها الأوروبيين، رفضت ذات مرة العضوية في الناتو والاتحاد الأوروبي، فإن الخطورة بالنسبة للغرب، تتمثل بسعيها اليوم، إلى فرض مكان لها في المؤسسات الأوروبية الأطلسية الرئيسية، وتحويلها من الداخل، في مشروع تغييري لأوروبا نحو اليمينية، تقود طريقه السيدة ميلوني التي تشنّ في الوقت ذاته، حربا خفية على المثليين؟
كيف تحارب ميلوني المثليين؟
منذ أن أصبحت رئيسة للوزراء، عدّلت السيدة ميلوني بالتأكيد من لغتها. ففي الأوساط الرسمية، تسعى جاهدة لتبدو مدروسة وحذرة ــ وهو ما يظهر من خلال تفضيلها للخطابات المتلفزة بدلا من استجواب الصحفيين ــ إضافة الى قيامها بالمناورة والاعتماد على زملائها في حزبها "إخوان إيطاليا" ليكونوا أقل تحفظا في المجاهرة برفضهم للعديد من القضايا كالمثليين.
وتبعا لذلك، فإن أحد الأهداف الرئيسية للحكومة، هي الآباء من نفس الجنس L.G.B.T.Q. حيث وصف قادة "الحزب" الأبوة والأمومة البديلة بأنها "جريمة أسوأ من الاعتداء الجنسي على الأطفال"، مشيرين الى أن المثليين "يبرزون" الأطفال الأجانب على أنهم أطفالهم.
المثير في الامر، ان السيدة ميلوني يمكن أن تبدو، أنها بمعزل عن مثل هذا الخطاب، حتى أنها توحي بعدم الرضا عن سياستها اليمينية المحافظة. لكن قراراتها في المنصب، تعكس رفضها لهذه الظواهر الشاذة وليس الحذر. من هنا، وسعت الحكومة الحظر المفروض على تأجير الأرحام لتجريم التبني في بلدان أخرى، وأمرت البلديات بالتوقف عن تسجيل الآباء من نفس الجنس.
ما موقفها من المهاجرين؟
في الواقع، لا تخفي مليوني معارضتها للهجرة والمهاجرين، لكنها تحاذر المجاهرة بذلك، وتعمل بدلا من ذلك الى تلطيف خطابها المتعلق بهذا المسألة، او توكل القضية الى اعضاء وقادة حزبها ليتولوا الدفّة. لذا ليس من المستهجن ان نجد ميلوني بالكاد تعارض شعار"الاستبدال العرقي ــ استخدمته لمعارضة مشروع قانون عام 2017 الذي كان من شأنه أن يمنح الجنسية للأطفال المولودين في إيطاليا لأبوين غير مواطنين ــ بل انها تجنبت استعمال العبارة بنفسها منذ توليها منصبها.
من هنا، اخذ وزير الزراعة، وهو حليف قديم للسيدة ميلوني وهو أيضا صهرها، زمام المبادرة في الدعوة إلى مقاومة "الاستبدال العرقي". ومع ذلك فإن دعوتها "للولادة وليس المهاجرين" تعبر عن نفس المشاعر المعارضة الشديدة للهجرة والتي تشكل محور إدارتها.
وانطلاقا من هذه النقطة، أصدرت حكومتها، في نيسان/ أبريل الماضي، قانونا يُجبر طالبي اللجوء على العيش في مراكز المهاجرين التي تديرها الدولة أثناء النظر في طلباتهم ــ وهي عملية يمكن أن تستمر لمدة تصل إلى عامين ــ دون مشورة قانونية أو دروس في اللغة الإيطالية.
ليس هذا فحسب، ففي حزيران/ يونيو الفائت، احتجزت السلطات الايطالية سفينتي إنقاذ للمهاجرين اتهمتا بانتهاك قانون جديد يهدف إلى الحد من أنشطتهما.وفي الأسابيع الأخيرة، قادت السيدة ميلوني صفقة الاتحاد الأوروبي مع تونس، التي يروج نظامها كذلك لنظرية المؤامرة البديلة الكبرى، للحد من الهجرة مقابل الدعم المالي.
وفي السياق ذاته، صدر تشريع مناف للأخلاق الانسانية، في شباط/ فبراير الماضي، يحظر على السفن التي تقودها المنظمات غير الحكومية، من إجراء عمليات إنقاذ متعددة، على الرغم من الحالات المتكررة لفشل السلطات الإيطالية في الاستجابة لنداءات الاستغاثة من السفن المعرضة للخطر.
المحزن هنا، انه عادة ما يتجاوز عدد الضحايا الغرقى من المهاجرين أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط 2000 شخص في السنة، لذا يفسر البعض، ان تحركات حكومة ميلوني تضمن استمرار موت الناس.
ما قضية مراجعة الدستور الايطالي؟
في الحقيقة، إن دفن الإرث المناهض للفاشية للمقاومة في زمن الحرب أمر مهم للغاية بالنسبة "لأخوان إيطاليا"، وهو حزب متجذر في الهزيمة الكبرى لأجداده الفاشيين في عام 1945. وعليه، و كرئيسة للوزراء، أشارت السيدة ميلوني، إلى ان الثقافة الإيطالية المناهضة للفاشية بعد الحرب باعتبارها أيديولوجية قمعية، وشددت على أنها مسؤولة عن قتل المناضلين اليمنيين خلال أعمال العنف السياسي في السبعينيات.
ولهذه الغاية، يرى حزب اخوان ايطاليا، ان إعادة كتابة الدستور ليس مجرد تاريخ. فدستور ما بعد الحرب ، الذي وضعته أحزاب حقبة المقاومة، أصبح جاهزًا أيضًا للمراجعة: حيث يهدف "إخوان إيطاليا" إلى إنشاء رئيس حكومة منتخب بشكل مباشر وسلطة تنفيذية قوية خالية من القيود. وبغض النظر عن حداثته، فإن إدارة السيدة ميلوني لديها كل الفرص لفرض تغييرات دائمة في النظام السياسي.
هل تجد سياسات ميلوني صدىً في اوروبا؟
بالرغم من كل جذورها الموسولينية، فإن هذه الحكومة تستهدف القطع مع الماضي، والأنكى ان الليبراليين في الدول الاوروبية، يعتبرون انه بتماهيها مع تحفيز الحق السياسي وراء سياسات الهوية. فإنها تخاطر بأن تصبح شيئًا آخر تمامًا: اي مستقبل أوروبا.
فالمحافظين في بريطانيا يرددون صدى سياسات ميلوني بتفضيل معدلات المواليد على الهجرة. بينما يستشهد السياسيون الفرنسيون المناهضون للهجرة مثل إريك زمور، بإيطاليا كنموذج لكيفية "توحيد قوى اليمين". وحتى في ألمانيا ، فإن رفض الديمقراطيين المسيحيين الطويل للنظر في الاتفاقات مع البديل من أجل ألمانيا يتعرض لضغوط.
اما النجاح بالكاد أمر لا مفر منه. فقبل انتخابات إسبانيا، خاطبت السيدة ميلوني حليفها القومي فوكس، معلنة أن وقت "الوطنيين" قد حان . صحيح ان الأحزاب اليمينية في اسبانيا انخفض نصيبها من الأصوات، وفشلت في الحصول على الأغلبية، غير ان فوكس اصبح جزءًا دائمًا من الساحة الانتخابية وحليفًا منتظمًا للمحافظين.
في المحصلة، ان الحقيقة الأكثر إثارة للقلق عن الاوروبيين، هي ان اليمينيين المتطرفين في اوروبا لم يعودوا أحزاب احتجاج، لكن بات مرحبا بهم بشكل متزايد في تلك القارة التي تشهد تغييرات جوهرية ستظهر لا شك مؤشراتها في المستقبل المنظور.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024