آراء وتحليلات
لماذا يدّرب الناتو دولًا غير نووية على توجيه ضربة نووية لروسيا؟
عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
تطوّر وحدات الجيش الروسي هجومها على جبهة كوبيانسك مستفيدة من خطأ أوكراني كبير بالتركيز على جبهتي زاباروجيا ودونيتسك واعتبار جبهة كوبيانسك المرتبطة بقاطع خاركوف جبهة ثانوية، وهو ما تعمل وحدات الجيش الروسي على الإستثمار فيه منذ أسابيع من خلال تنفيذ عمليات هجوم تكتيكية مع الإبقاء على حالة الدفاع النشط ما أسفر عن تقدم تكتيكي بارز عبر اختراق خط الدفاع الأوكراني غرب نهر جربتس وبناء رأس جسر بعرض جبهوي يقارب 12 كلم وعمق 3 كلم.
أمام هذا التقدم الملموس على جبهة كوبيانسك وفشل الهجمات المتكررة على جبهتي زاباروجيا ودونيتسك بدأ مستوى التوتر لدى الغرب يتصاعد ويظهر من خلال تدابير وإجراءات تعبّر عن الرغبة المتصاعدة بتحقيق الهزيمة بروسيا.
وآخر ملامح التصعيد الغربي هو البدء بإجراء تدريبات لدول غير نووية في حلف الناتو على استخدام الأسلحة النووية وذلك من خلال تدريب طيارين من هذه الدول على شن هجمات بطائراتهم التي من المقرر أن تحمل أسلحة نووية في ظروف الحرب الشاملة أو حتى في ظروف ضربات استباقية محتملة.
ليس جديداً قيام الناتو باجراء تدريبات نووية تستهدف روسيا وبيلاروسيا بشكل أساسي وفي سنة 2021 نفّذ الناتو مناورة "الظهيرة الصامدة" لإختبار جاهزية قواته النووية.
وهذه المناورة هي سلسلة من التمارين الحربية السنوية لاختبار مدى جهوزية الدول الأعضاء لأي ضربة نووية محتملة، وتشارك فيها 14 دولة من الدول الأعضاء في الحلف، من دون فرنسا. كما شاركت في المناورات 60 طائرة من مختلف الطرازات، بما فيها مقاتلات من الجيلين الرابع والخامس الأكثر تقدما.
وشاركت أيضا طائرات استطلاع، وقاذفات أميركية بعيدة المدى من طراز "بي-52" (B-52)، وطائرات تزويد بالوقود.
وقال حلف شمال الأطلسي إن هذه التدريبات هي نشاط تدريبي روتيني متكرر ولا ترتبط بأي أحداث عالمية جارية، وتساعد على ضمان بقاء الردع النووي للحلف آمنًا وفعالًا.
حينها جرت التدريبات فوق سماء بلجيكا التي تستضيف المناورات، وفوق بحر الشمال والمملكة المتحدة، كما أكد الموقع أن الأسلحة الحية لن تستخدم في المناورات.
وكانت المتحدثة باسم الناتو في ذلك الوقت أوانا لونجسكيو قالت إن مناورات "الظهيرة الصامدة" التي يستضيفها كل عام حليف من الناتو "تساعد في ضمان سلامة الردع النووي للحلف وفعاليته وأمنه".
حصل هذا قبل بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، وكان يمكن اعتباره أمراً روتينياً لكن الأمور بدأت تتغير منذ مناورة "الغرب 2017" التي أجرتها روسيا حيث كنا أمام حملة للغرب الجماعي لنشر ما يُطلق عليه هذه الأيام من قبل اعلام الناتو "الروس فوبيا" حيث تم اتهام روسيا حينها باجراء مناورات تتضمن محاكاة لغزو دولة عضو في حلف الناتو، في حين أن العكس هو الصحيح حيث تضمنت مناورات الناتو أكثر من مرّة محاكاة لإحتلال مقاطعة كالينيغراد، وتدمير قوات أسطول بحر البلطيق وحتى توجيه ضربة نووية تكتيكية ضد أهداف على أراضي روسيا.
والحقيقة التي يجب أن نقاربها هي أن الدعم اللامتناهي لأوكرانيا من قبل الغرب الجماعي كشف النوايا الحقيقية لهذا الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية والذي يعبّر عن رغبات جدية مستندة الى مخططات ومسارات لإنهاء روسيا كدولة عبر اضعافها وازالتها عن الخارطة العالمية.
وعلى الرغم من الهجمة غير المسبوقة والإمكانيات الموضوعة في خدمة المعركة بمواجهة روسيا يتبين يوماً بعد يوم أن روسيا أعدّت ما يلزم لمواجهة هذه الهجمة بدءاً بتحصين الجبهة الداخلية، أو بما يرتبط بتوفير ما يلزم من إمكانيات لتحقيق أهداف العملية العسكرية الروسية الخاصة والتي جاءت بمثابة رد استباقي ومنطقي على مخططات الغرب، وصولاً إلى انجاز الاستراتيجية الدفاعية الروسية المستندة إلى الثالوث النووي الروسي والذي تغيّرت الكثير من بنوده لكنها لا تزال تحافظ على البعد الدفاعي انطلاقاً من تحسين وتثبيت معايير الردع التي تم تحصينها بإضافة أنواع مختلفة من الصواريخ الفرط صوتية والتي تشكل عامل تفوق نوعي مضافاً للتفوق العددي في عدد الرؤوس النووية.
انطلاقاً من هذه الوضعية ستبقى بتقديري كل مناورات الناتو مجرد استعراض للقوة لن يقدم أو يؤخر سوى أنه محاولة من ضمن الكثير من المحاولات لإخافة روسيا ومحاولة ردعها عن استكمال العملية العسكرية الروسية وتحقيق أهدافها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024