معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

كيف ستواجه ايران القرار الاميركي بتصفير صادراتها النفطية؟
24/04/2019

كيف ستواجه ايران القرار الاميركي بتصفير صادراتها النفطية؟

شارل أبي نادر
حسب واشنطن، قرار تصفير تصدير النفط الايراني في طريقه نحو التنفيذ بالكامل، وحيث تم كمرحلة أولى خفَّض التصدير من 2500 برميل يوميا في شهر ايلول/ سبتمبر 2018 الى 1000 برميل في شهر آذار/ مارس من العام الحالي، سيكون في المرحلة الثانية التي تبدأ في الثاني من شهر ايار/ مايو القادم قد اكتمل التصفير مع التزام الدول التي كانت معفاة مؤقتاً، هذا إذا التزمت.

ايران حتى الان ترى غير ذلك وتبدو شبه واثقة من ان واشنطن سوف تفشل في قرارها، وحيث تعتبر انه يوجد إمكانية مرتفعة لتجاوز القرار، مستندة الى عدة عوامل، اكثرها حساسية وخطورة إقفال مضيق هرمز ومنع تصدير النفط الخليجي، فيما لو توقف تصدير نفطها بالكامل، والنفط الخليجي الذي يُصَدَّر عبر مضيق هرمز يعني قسما كبيرا من نفط السعودية ومثله أيضاً من نفط الامارات، ونفط البحرين وقطر والكويت بالكامل، وقسم من النفط العراقي بالرغم من كمياته المتواضعة حالياً.

الدول التي ما زالت تستورد نفط ايران حتى الان تبدو مترددة، ويبحث بعضها عن آلية لتجاوز ذلك، وحيث أعلنت كل من تايوان وايطاليا واليونان انها سوف تلتزم بالقرار، وعمليا هذا لا يعني توقفها فوراً، وتتناقش كل من كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة مع واشنطن في البدائل، وفيما تتريث الهند في اتخاذ موقف واضح، تعارض القرار علناً كل من تركيا والصين حتى الان.
 
في الحقيقة هناك مجموعة من الاحتمالات يمكن ان تذهب بها الامور، وعلى اساس هذه الاحتمالات تتوزع الخيارات الايرانية، وذلك على الشكل التالي:

الاحتمال الأول والأسهل، والذي يبقى وارداً نظراً لصعوبة تطبيق القرار حالياً بالنسبة لدول اساسية من مستوردي النفط الايراني، والتي أعلنت معارضتها او التي ما زالت مترددة، وهو حصول تنازل او تراجع أميركي جزئي في اللحظة الاخيرة، يقضي بإعفاءات جديدة تُخَفِّض التصدير باقل من ألف برميل يوميا دون تصفيره، وبانتظار تشديده اكثر لاحقاً، تكون هناك امكانية لفتح باب للتفاوض المباشر او عبر دول وسيطة كالصين او روسيا او غيرها.

الاحتمال الثاني والوارد ايضا بقوة وهو : عدم التزام كامل او جزئي من اغلب الدول الثماني المستوردة حاليا لنفط ايران والمذكورة اعلاه مع تشدد اميركي، وهنا تنتقل المواجهة الاميركية ـ الايرانية إلى مواجهة أوسع، تشترك فيها هذه الدول الفاعلة، لتتحول الى مفاوضات واسعة شبه دولية تبحث بمطالب الولايات المتحدة الاميركية من ايران، لناحية إعادة البحث بالاتفاق النووي مجددا، مع طرح البحث بصواريخ ايران الباليستية وبنفوذها في المنطقة وما شابه، بحيث تكون الدول الثماني او بعضها ضامنة لنجاح هذه المفاوضات.
 
الاحتمال الثالث والاخطر وهو التزام جميع الدول وبالتالي يتصفر النفط الايراني بالكامل، وهنا ستكون العيون على المعادلة التي طرحتها ايران: لا نفط ايرانيا يقابله لا نفط خليجيا من هرمز على الأقل، وهنا سوف تدرس ايران خياراتها بعناية وبحكمة وبقوة، والتي تاخذ عدة أبعاد ما بين المواجهة الواسعة او المحدودة او المناورة الذكية الطويلة الامد، حسب المدرسة الايرانية تاريخياً.

في المواجهة الواسعة، نتكلم هنا عن حربٍ شاملة سوف تندلع على كامل المسرح من الشرق الاوسط المتازم اصلاً، أي "اسرائيل" التي سوف تُستهدف حتماً، إلى الخليج كاملاً مياهاً ويابسةً، ضمناً مضيق هرمز ومناطق آبار النفط الخليجي (العربي والايراني)، إلى القواعد الاميركية التي سوف تكون أهدافاً ايرانية أكيدة، وطبعا سوف تُستهدف ايران بشكل شبه كامل مع مناطق أساسية في سوريا وحزب الله في لبنان وفي سوريا، وفي هذه الحالة لن يكون هناك مجال لتقدير الى أين سوف تذهب الامور، والتي لن تكون باقل من كارثية على الجميع حتماً.
 
المواجهة المحدودة: قد تنحصر في الخليج وفي محيط هرمز بالتحديد، مع تركيز عسكري أميركي على حمايته وتركه مفتوحاً، من خلال استهداف جميع نقاط الاطلاق الايرانية التي تهدده، وستحاول واشنطن فتح المضيق بالقوة دون مواجهة واسعة، وهنا السؤال عن قدرة واشنطن على حصر المواجهة في تلك المنطقة، وهل تقبل ايران بذلك دون ان تتدحرج الامور الى مواجهة واسعة؟

عملياً، لا تحمل هذه المواجهة المحدودة امكانية كبيرة لان تحدث، أولا بسبب صعوبة تنفيذها عسكريا من قبل الاميركيين كون مضيق هرمز والخليج بالكامل مع مداخل بحر العرب الشمالية الغربية هي عمليا تحت السيطرة الكاملة للوحدات الايرانية، وثانيا كون نقطة القوة الايرانية في هذه المواجهة هي في توسيعها وتهديد اهداف اساسية خارج بقعة المضيق، ومنها "اسرائيل" والقواعد الاميركية في الشرق الاوسط.

ويبقى الخيار الايراني الاكثر حكمة وهو المواجهة الطويلة بالصبر والتروي والقبول باحتمال تصفير النفط، مع اعتمادها على التهريب باسعار منخفضة، تماما كما واجهت قبل الاتفاق النووي، فتزيد  كل من السعودية والامارات والبحرين ضخ النفط بكميات ضخمة وباسعار متدنية، لكي تُعَوِّض للمستوردين الجدد الفروقات المرتفعة لتكلفة خط النقل الجديد، وهنا ينتقل الصراع  الى دولي او شبه دولي بمواجهة الاميركيين، وذلك بسبب الضغوط الاقتصادية التي ستنتج حتما عن تغيير معادلات اقتصادية كاملة لدى العديد من الدول، مع توتر مرتقب في سوق النفط العالمي، من خلال نقل 2500 برميل يومياً من مصدر ثابت ومعروف ومُنَظَّم، كانت تتم ادارة اعماله بشكل معروف وواضح  في الاسعار وفي الكميات، الى عدة مصادر جديدة غير ثابتة وغير منظمة، ينتج عنها عدم استقرار في التكلفة وبالتالي في الاسعار.
 
وفي نفس الوقت ايران مستمرة في دعمها للجيش واللجان الشعبية ولأنصار الله في اليمن، ولحزب الله، والضغط غير المباشر على "اسرائيل"، وتركز اكثر على دعم وتقوية محور المقاومة في غزة، تسليحا ومعارضة لمشاريع التطبيع وصفقة القرن.

والاهم من ذلك كله، تُطلق ايران العنان للتخصيب ولامتلاك القدرات النووية والصاروخية الباليستية، فهي بالنسبة للقانون الدولي دولة محاصرة وتُمنع من تصدير نفطها وقد تم استهدافها ظلما خلافا للقوانين وللاتفاقات الدولية، لذلك هي تحتاج لتقوية نفسها كونها مُستهدَفة وتم الاعتداء عليها وعلى شعبها.

هنا سوف يكون عض الاصابع حتى الانتخابات الاميركية، وستبقى "اسرائيل" مستنفرة وستكون المنطقة على برميل بارود مهدد دائماً بأن ينفجر، وكل ذلك لان الولايات المتحدة الاميركية اختارت التعدي ظلما وتعسفا على حقوق شعب ودولة ذات سيادة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات