معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

أمريكا العائدة تعطي البحرين دورا مركزيا وتطرد مصر من رحمتها
17/09/2023

أمريكا العائدة تعطي البحرين دورا مركزيا وتطرد مصر من رحمتها

إيهاب شوقي
في الوقت الذي أفادت به رسالة من الكونغرس الامريكي بأن الولايات المتحدة تعتزم حجب مساعدات عسكرية لمصر حجمها 85 مليون دولار بسبب مماطلة القاهرة في تنفيذ شروط واشنطن بخصوص إطلاق سراح معتقلين سياسيين، نجد أن أمريكا وقّعت اتّفاقا مع البحرين لتعزيز الروابط الدفاعية والاقتصادية بين البلدين، في خطوة وصفتها تقارير وسائل الإعلام بأنها تندرج في إطار دعم واشنطن للمملكة الخليجية التي كانت قبل عقد من الزمن خاضعة لحظر على الأسلحة، وذلك رغم سجل البحرين المخزي في حقوق الإنسان!
وهو ما يعني بشكل مباشر أن تحالفات أمريكا بدأت تتبلور بشكل رئيسي باتجاهات غير تقليدية، وأصبحت البحرين لها وضع خاص ومحوري في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، حيث زارها وزير الخارجية الصهيوني كأول زيارة له لدولة خليجية وأصبحت أول دولة توقع معها أمريكا مثل هذه الاتفاقية.
كما تؤكد الخطوة الأمريكية بحجب المساعدات عن مصر مع ما سبقها من استبعاد مصر من الممر الاقتصادي المزمع تدشينه، بتراجع مكانة مصر في الاستراتيجية الأمريكية وهو ما يشي بعدة أمور يمكن قراءتها كما يلي:

1ــ عودة أمريكا للمنطقة عبر البوابتين الاقتصادية والعسكرية تركز على الخليج، بعد ميل الخليج لسياسة الموازنة بين القوى الكبرى كاجراء احترازي جاء كرد فعل عن تراجع اهتمام امريكا بالمنطقة، اتساقا مع اولوياتها في المحيط الحيوي لروسيا والصين كقوى صاعدة، وهو ما يعني أن أمريكا باتت تدرك أن الخليج جبهة مواجهة مع روسيا والصين وايران بعد خروج الروس للحرب وتمدد نفوذهم، وبعد تنامي قدرات المقاومة بما يشكل رادعا وتهديدا للعدو وحلفائه بالمنطقة.

2ــ لا تريد أمريكا التصعيد الكامل ولا تريد انشاء حلف ناتو جديد بالمنطقة، ولكن همها الأكبر لملمة حلفائها بخطوات تبدو أكثر مصداقية لهم وان كانت تنطوي على استفزازات ومخاطر وتندرج في قائمة سياسات حافة الهاوية.
فقد وقعت امريكا مع البحرين الاتفاقية الملزمة قانونًا، وبها تلتزم الولايات المتحدة بالتشاور وتقديم المساعدة إذا واجهت البحرين تهديدًا أمنيًا وشيكًا. ووفقا لتقرير المجلس الأطلسي الأمريكي، لم يحدث من قبل أن ذهبت الولايات المتحدة إلى هذا الحد في تقديم مثل هذا التعهد الأمني لدولة عربية.
بينما تشير المادة 5 في حلف الناتو إلى أن أي هجوم على عضو في الحلف هو هجوم على كل أعضائه. ولكن في اتفاقية البحرين وأمريكا الأمنية هذه لا تتضمن هذا البند، وبالتالي هو تنويع على وتر "حافة الهاوية".

3ــ هناك عامل مشترك بين خطة الممر الاقتصادي وهذه الاتفاقية، وهو تدشين مشهد افتتاحي تعقبه سلسلة من الاتفاقيات، أو بألفاظ أخرى وضع نموذج قابل للتعميم والتوسع.
فهناك تشابه بين ما وعد به جاك سوليفان حول الممر الاقتصادي بأن تقوم الولايات المتحدة "بتكرار هذه التجربة في أنحاء أخرى من العالم". وبين ما قاله انطوني بلينكن بأن هذا الاتفاق بين الولايات المتحدة والبحرين سيكون بمثابة إطار، وأساس لجميع الاتفاقيات المستقبلية مع القوى الإقليمية الأخرى ــ وهي قادمة، لا تخطئوا.

4ــ هناك إشارات لافتة بشأن الاستخدام الأمريكي لذريعة حقوق الإنسان بالتغافل عن ممارسات السعودية والبحرين والتركيز على مصر، وهو ما يعني أن المساعدات ستكون حصرا لمن يلتزم كليا بالاستراتيجية الامريكية المعادية لروسيا والصين ومحور المقاومة.
كما أن توجيه المساعدات المحجوبة لدول أخرى يعني وجود مصلحة أمريكية مؤكدة من وراء توجيه هذه المساعدات، فقد أشارت الرسالة التي بعثتها وزارة الخارجية إلى لجان الكونغرس التي تحدد التمويل العسكري الأجنبي أن من أصل مبلغ 85 مليون دولار التي يعزم حجبه عن مصر، سيعاد توجيهه على جزئين، 55 مليونا إلى تايوان والثلاثين مليونا المتبقية إلى لبنان. 
وهنا فان تايوان معلوم مركزيتها في السياسة الأمريكية كرأس حربة في صراع أمريكا مع الصين، أما الجزء الموجه إلى لبنان، يعني أن هناك نوايا لتوظيف سياسي في لبنان لمصلحة أمريكية من المؤكد انها معادية للمقاومة وللشعب اللبناني.

5ــ هذا الدور المركزي للبحرين، ربما ليس جديدا في الاستراتيجية الأمريكية والصهيونية، ولكن تعميقه يهدف لتسريع الاستعادة الكاملة للامارات والسعودية ويضع البحرين بالواجهة لترك هامش أمان لبعض المناورات السعودية السياسية وتأمينها من الصدام المباشر مع المقاومة.

يمكننا هنا ان نستخلص أن أمريكا تريد العودة ولكنها لا تجرؤ على المواجهة المباشرة، وأنها وفي إطار عودتها ستوظف مساعداتها في لملمة معسكرها بشكل كامل لا يقبل المواربة ولا يقبل هوامش تعاون مع القوى المعادية لامريكا حتى بمنطق التحوط والموازنة.
وهي عودة للدبلوماسية القسرية ولرسم تحالفات على غرار أحلاف الخمسينيات والستينيات مثل حلف بغداد والحلف الاسلامي، ولكن على هيئة اتفاقات اقتصادية وامنية تبقى الأمور على حافة الهاوية دون التورط في صدام عسكري.

والخلاصة انه استمرار لمعركة الإرادة، وهو ما يتطلب أمرين، أحدهما موجود بالفعل وهو قوة إرادة محور المقاومة وصمودها، والآخر ربما بحاجة لمزيد من تسريع الجهود، وهو تفعيل التحالفات بين محور المقاومة والمعسكر المقاوم لامريكا والتسريع من الخطوات العملية الاقتصادية والعسكرية لمواجهة هذه الاحلاف التي يتم احياؤها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل