آراء وتحليلات
خطاب العدو يكشف مأزقه
جهاد حيدر
يحرص قادة العدو على اعتماد خطاب سياسي هادف ومركب بفعل تعقيد التحديات التي يواجهها. ولذلك يعمد الى الجمع بين التأكيد على رغبته بتجنب التصعيد والحرب، وبين التعهد بخوضها بقوة في حال اضطر الى ذلك في مواجهة المقاومة في لبنان أم غزة، (على تفاوت في الاعتبارات بينهما). وهو أمر مدروس في مضمونه وصياغته:
تكشف "التوليفة المركبة" في مواقف قادة العدو عن ادراك عميق لتغير معادلات القوة، وعن أن أي حرب ستكون نتائجها قاسية جدا على كيان العدو، إن لم نقل كارثية. ولذلك هم يشددون عن توجه فعلي لديهم في تجنب الحرب خوفا من نتائجها. من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنهم لن يبادروا الى هذا الخيار نتيجة حسابات وتقديرات معينة لاحقاً.
مع ذلك، يريد قادة العدو من خلال هذه المواقف ايضا أن يُقدّموا "اسرائيل" على أنها في موقع الدفاع وليس في موقع الهجوم الابتدائي. وهو تكتيك دعائي يخدمها ايضا لبناء مشروعية دولية واقليمية لأي خطوات عدوانية.
بعد التجارب القاسية التي مر بها كيان العدو في مواجهة المقاومة في لبنان وغزة، وجد العدو نفسه ملزماً ببناء مشروعية داخلية لأي مواجهة قد تنشب لاحقاً. من أجل تبريرها ونيل تأييد أوسع قاعدة لها. وفي نفس الوقت التملص من المسؤولية إزاء تداعيات أي حرب على الجبهة الداخلية وعلى مجمل الكيان.
تكشف الاعتبارات الحاكمة لهذا الخطاب السياسي، عن بعض معالم الردع القائمة بين المقاومة وبين كيان العدو. وهو أمر أقر به مستشار نتنياهو السابق لشؤون الامن القومي، مئير بن شبات (2017-2021)، بالقول أن اسرائيل مهتمة بتجنب التصعيد "ما لم يكن ذلك ضرورياً". وبأن "فائدة أي مواجهات عسكرية محدودة في هذه الساحات لا يبرر بالضرورة تكاليفها الامنية والاقتصادية والسياسية".
يكشف الشق الثاني من الخطاب السياسي الدعائي لقيادة العدو (الاستعداد لخوض الحرب في حال كان ذلك ضرورياً) عن محاولة الحفاظ على قدر من التوازن في الموقف عبر الحد من تداعيات أن تبدو "اسرائيل" حريصة على تجنب الحرب خوفاً من نتائجها.
تهدف هذه التهديدات ايضا عن محاولة التأثير في حسابات وتقديرات أعداء "اسرائيل" من اجل كبح اندفاعهم، مع التأكيد على أن "اسرائيل" تملك قدرات تكنولوجية وتدميرية كبيرة تمكنها من الحاق خسائر كبيرة في صفوف أعدائها. إلا أنه ثبت في الكثير من المحطات محدودية مفاعيل ذلك في وعي وحسابات الطرف المقابل.
تنبع محدودية تأثير رسائل العدو التهويلية من حقيقة أن محور المقاومة يدرك ايضا عناصر قوة وضعف كيان العدو. وعلى معرفة عميقة بعوامل ارتداعه وبادراكه للمخاطر المحدقة بحاضره ومستقبله. لذلك فإن الكثير من استعراضاته لا تحقق غاياتها.
في كل الأحوال تؤكد هذه المواقف على عمق المأزق الذي يواجهه العدو، وعلى حجم الارباك والقلق (المهني) من استمرار المسار الانحداري لقوة الردع الاسرائيلية. ومن جهة أخرى تكشف ايضا عن عمق ما حفرته المقاومة في وعي مؤسسات التقدير والقرار في كيان الصهيوني.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024