آراء وتحليلات
نازيو أميركا.. من الكونغرس الى الإعلام
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي.
قد يكون معروفا للعالم ان الكونغرس الامريكي، ومنذ نشأته لم يكن مجردّ مؤسسة تشريعية بحتة، مهمتها المصادقة على القوانين واصدار التشريعات، بل كان عبارة عن مطبخ لغزو الدول واحتلالها وقتل شعوبها وسرقة ونهب خيراتها واموالها وثرواتها.
أما اليوم، وبعد عملية طوفان الاقصى، فقد تحول الى محفل يتبارى اعضائه ليس فقط على تقديم الطاعة والولاء لـ"اسرائيل"، انما بادروا الى التنافس على اطلاق اكثر واشدّ العبارات والمصطلحات الدموية النازية، التي تحضّ وتحرض على ابادة ومحو وحرق الشعب الفلسطيني بشبابه ونسائه ورجاله وشيوخه، حتى أطفاله لم تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة.
علاوة على ذلك، وافق 416 من أصل 435 عضوًا في مجلس النواب على المشاركة في رعاية قرار يؤكد دعم الولايات المتحدة الثابت لـ"الدولة اليهودية"، والمثير ان الديمقراطيين، كانوا رأس الحربة في هذا الامر، بعدما نظموا الخميس الماضي، وقفة احتجاجية تضامناً مع القتلى من المستوطنين وجيش الاحتلال على درج الكابيتول.
زد على ذلك، ان اعضاء الكونغرس لم يكتفوا بذلك، لكن بعضهم، امتهن الكذب والخداع وتضليل الرأي العام الأمريكي والعالمي، من خلال ادعائهم أن حماس قتلت الأطفال في المستوطنات اثناء العملية، دونما ان يتمكنوا من ان يبرزوا ولو حتى صورة او مشهدا واحدا، يثبت صحة أقوالهم الزائفة التي اعتاد العالم عليها وخير دليل على ذلك كذبة اسلحة الدمار الشامل في العراق، ثم اعترافهم بأنها كانت مختلقة.
وبالتالي، فإن أسوأ ما في الامر، ان هؤلاء الوحوش البشرية المتعطشون للدماء البرئية، لم يلاحظوا المحرقة التي يرتكبها جيش الاحتلال الاجرامي، الذي القت طائراته في ستة أيام فقط، 6000 قنبلة على قطاع غزة، فضلا عن قتل أكثر من 500 طفل ورضيع، تمت ابادتهم وسط صمت وتواطؤ العالم الغربي الذي يشبه اي شيء الا الانسانية.
ماذا قال اعضاء الكونغرس الامريكي عن غزة واهلها؟
في الوقع، عدّت حرب الإبادة في غزة لاعضاء الكونغرس الأمريكي بمثابة اختبار لقياس دعمهم المستر لـ"إسرائيل" باستخدام بيانات التعاطف والدعم السياسي، إضافة الى استعداد كل مشرّع لإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بكل ما يعتقده ضروريًا في غزة.
صافرة بداية حفلة الجنون للتحريض على سفك دماء الفلسطينيين، جاءت من السيناتور ليندسي جراهام (جمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية) الذي قال للصحافي شون هانيتي من قناة فوكس نيوز هذا الأسبوع: "فيما يتعلق بحماس، اقتلوهم جميعًا.. ستبدو غزة مثل طوكيو وبرلين في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما تنتهي هذه الحرب. وإذا لم يبدو الأمر على هذا النحو، فقد ارتكبت إسرائيل خطأ".
بدورها، اوضحت المرشحة الرئاسية عن الحزب الجمهوري نيكي هيلي (السفيرة السابقة في الامم المتحدة: "علينا أن نعامل المرضى بالطريقة التي يستحقون أن يعاملوا بها وأن نقضي عليهم".
وفي مقطع آخر لقناة فوكس نيوز، وصف النائب ماكس ميلر (الجمهوري عن ولاية أوهايو) غزة بأنها "منطقة على وشك أن تُنزع أحشاؤها وتختفي هنا قريبًا، حيث سنقوم بتحويلها إلى ساحة انتظار للسيارات".
واضاف ميلر، الذي عمل كمساعد للرئيس السابق دونالد ترامب وعرّف عن نفسه كأحد الجمهوريين اليهود في مجلس النواب، إنه "مثير للاشمئزاز أن الناس يطالبون بالفعل بوقف إطلاق النار قبل أن يقوموا بالفعل بشن حملة عسكرية". وفيما وصف ميلر الأمم المتحدة ــ التي حثت على حماية حياة المدنيين ــ بأنها "منظمة معادية للسامية"، أشار إلى معارضي إسرائيل على أنهم متوحشون يقومون "بتربية أطفالهم لقتل اليهود".
من جهته، اشاد السيناتور توم كوتون (الجمهوري من أركنساس)، الذي كان دائمًا مؤيدًا للإجراءات القاسية، بخطوات "إسرائيل" التالية، مشبها اياها بحملات القصف التي شنتها الولايات المتحدة في اليابان قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من اليابانيين. المدنيين.
بدوره قال النائب دون بيكون (جمهوري من ولاية نبراسكا): "أعتقد أن إسرائيل ستلاحق دائمًا الأهداف العسكرية. ولكن عندما يزرعون أهدافاً عسكرية بين السكان، ستكون هناك خسائر بشرية”.
الى جانب ذلك، دعا السيناتور توم كوتون (جمهوري من أركنساس) في حديث قناة فوكس نيوز الى اعطاء "اسرائيل" الوقت الكافي لاكمال محرقتها بغزة، مشيرا الى "ما تحتاجه إسرائيل الآن أكثر من أي شيء آخر هو حرية العمل".
وأضاف "ليس هناك شك في أن الجيش الاسرائيلي قادر على تدمير حماس داخل قطاع غزة، لكنه يحتاج إلى حرية العمل والوقت لتدمير حماس. وهذا يأخذ شكل الدعم العسكري والدبلوماسي والسياسي الأمريكي".
ماذا عن كذب وادعاء أعضاء الكونغرس قتل حماس للاطفال؟
في الواقع، اعتمد أعضاء الكونغرس الامريكية خلال سباق الدعم للكيان الغاصب "القاعدة الشهيرة" اكذب اكذب حتى يصدقك الناس". من هنا استشهد النائب ماكس ميلر، الذي تحدث إلى الصحفيين هذا الأسبوع إلى جانب النائب مايكل ماكول (جمهوري من تكساس)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بادعاءات "لا أساس لها من الفظائع لإثبات ضرورة الهجوم البربري على الجانب الفلسطيني باعتراف الصحافة الامريكية نفسها، حيث اعلن حرفيا "لقد رأيت مقطع فيديو لأطفال صغار في أقفاص – مثل الحيوانات ــ في حين قال ماكول للصحافيين ــ بينما كانت حماس تضحك عليهم".
اللافت للانتباه، ان النائبين ميلر وماكول اللذان كانا يشيران على ما يبدو مقطع فيديو لترويج روايتهما الكاذبة والتي كشف زيفها وعدم صحتها مدققو الحقائق الإسرائيليون انفسهم، و اوضحوا ان ما تم نشره في الواقع على تيك توك، يعود الى فترة ما قبل الهجوم.
في المحصلة، بالنسبة للمشرعين الامريكيين سواء أكانوا من الديمقراطيين، م اليمينيين المتطرفين، فإن ما تقوم به "اسرائيل" فرصة تاريخية لتحقيق أكبر قدر ممكن من قائمة أمنياتهم: تدمير أجزاء كبيرة من غزة، وتحقيق حلم القضاء على جهاز حماس السياسي والعسكري، طرد آلاف الفلسطينيين إلى سيناء المصرية. لكن، ذلك ما هو الا اضغاث احلام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024