آراء وتحليلات
بين جدار برلين وجدار غزّة.. الحرب الى أين؟
د. أحمد الشامي
كما انهيار جدار برلين سيُحدث انهيار جدار غزّة نتائج استراتيجية كبرى، فكلاهما أثبتا بأن الجدران لا يمكن أن تكون معتقلاً دائماً للإنسان، فالروح عصيّة على العزل، والانعزال ليس من سمة البشر. وفيما شكّلت الفجوات في جدار برلين علامةً حاسمةً على انهيار الاتحاد السوفياتي، فإنّ تصدّع الجدار المحاصر لغزّة، يُنبئ ببشارة قرب انهيار الكيان الإسرائيلي، خط الدفاع الأول للغرب الرأسمالي في هذا الشرق.
لمّا اخترق الألمان الشرقيون جدار برلين إنّما كانت قلوبهم تهفو حباً نحو الجانب الغربي من ألمانيا، فالنموذج الألماني الرأسمالي استطاع أن يتغلّب على النموذج الاشتراكي من خلال حشد قواه الناعمة وتظهيرها بشكل جاذب للمواطن في المقلب الآخر من الحدود، في الثقافة والاقتصاد ونمط العيش، أكثر من استخدام القدرات العسكرية والأمنية.
بينما الفلسطينيون عندما اخترقوا الجدار العازل في غزّة نحو الإسرائيلي على الجانب الآخر، إنّما بدافع الحقد والعداوة، فقلوبهم مليئة بما أحدثه هذا الآخر من ظلم وقهر وإذلال، فالإسرائيليين – دولةً وشعباً- لم يكتفوا بأسلوبهم المتوحش المنفّر في السلاح والأمن والاقتصاد، بل راحوا يحطمون الانتماء الفلسطيني وشخصيّته، إذ بات صاحب الأرض يقبع مرغماً في سجن كبير يضيق بأهله اسمه غزّة. ويبقى من يسأل لماذا فعلوا ذلك في 7 أوكتوبر؟
يوجد حقيقة ثابتة في تشكل الوعي والرأي العام، فهو يَعطف على الضعيف، يُشفق عليه، ما يستدعي منه الإحسان وذرف الدموع، وفي أحسن التقديرات الهتاف في الشوارع وعلى الشاشات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن هذا الرأي العام يميل إلى القوي، وفي أسوأ الحالات يرضخ للظالم القوي ثم يبحث لنفسه عن مبررات.
لقد أدرك الإسرائيلي هذه الحقيقة، فهو يتكفّل بنشر ما يحدثه من آلام للفلسطينيين، وقاحة منه ورغبة بالإذلال، فمنذ أن احتل فلسطين، وهو يقتل ويدمّر ويهجّر ويحاصر بالعلن وليس بالسر، بل يدعو الوكالات العالمية وحتى العربية بما فيها المعادية له، لتصوّر وتنشر كل أفعاله الإجرامية لأنّه يعتقد بأن ذلك يصب في تقوية صورته.
إنّ أهم ما فعله الشباب الغزاوي إدراكهم لهذه الحقيقة، بضرورة تحطيم صورة الجندي الإسرائيلي القوي أكثر من التركيز على إبراز مظلومية شعبهم الفلسطيني، وبهذا الشكل العنيف والقوي جداً الذي قاموا به، فمن خلال تحطيمهم للجدار العازل وقتلهم وأسرهم للجنود والمستوطنين وإظهار إذلالهم، إنّما حطموا هذه الصورة النمطية التي كرسها العدو طيلة عقود من الزمن، بأن قدره التفوق، وقدر الفلسطيني الهزيمة.
الآن، وقد استلم الأمريكي إدارة الحرب مباشرة بجبهاتها، العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والاعلامية، بهدف إيقافها والحد من التداعيات الاستراتيجية الكبرى التي بدأت تحدثها منذ اختراق الجدار العازل لغلاف غزة، إنّما، للأسباب التالية:
أولاً: لأنّ هذه الضربة التي تلقاها الجيش الإسرائيلي وأفقدته الوعي إنما جاءت على يد جهة هي الأضعف نسبياً ضمن محور المقاومة.
ثانياً: لأنّ الفاعل هو الفلسطيني وعلى أرض فلسطين وبما يحفره ذلك في وعي المواطن العربي والمسلم.
ثالثاً: لأنّ تدهور الحرب يعني وضع الدول العربية المطبعة مع العدو، والتي في طور التطبيع العلني، في موقف محرج وخطير للغاية إن هي بقيت ساكتة، ولم يجد الفلسطيني سنداً له إلّا إيران والمحور المقاوم.
رابعاً: لأنّ اتساع دائرة الحرب نحو المحاور الأخرى للمقاومة، سوف يفرض على الامريكي الانخراط أكثر في حرب لا يريدها، ولا يُقدّر نتائجها، أضف لكونها تشغله عن مواجهة روسيا في أوكرانيا، وتبعده عن مخططه لمحاصرة الصين، عشية إعلان طريق الهند نحو أوروبا عبر الكيان الإسرائيلي وبشراكة عربية كبرى.
خامساً: لأنّ بلوغ الحرب نتائج كبرى يصير التسليم العملي بخيار الدولتين لحل القضية الفلسطينية أقل الأثمان، إن لم تفرض حلولاً أكثر إيلاماً على العدو.
سادساً: لأنّها قد تضطر الأمريكي بأن يخسر مفاعيل الضغوطات والحصار على دول المحور الممتد من إيران حتى لبنان، وليس أقلها، التضحية بالجهات التابعة له في هذا المحور.
تلك هي محفّزات الانخراط الأمريكي في مجريات الحرب، ولكن يبقى السؤال، هل يستجيب المحور المقابل، وبأيّ الأثمان؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024