آراء وتحليلات
صدى الجرائم الإسرائيلية يتردد في الجامعات الأمريكية.. والمنظمات اليهودية مرعوبة
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
في الوقت الذي يصطف فيه الغرب إلى جانب "إسرائيل"، ويعلن جهارًا وعلانية وبوقاحة لتصل حدود الشراكة، وانحيازه وتأييده ودعمه الأعمى والمخزي لـ"المحرقة" و"المذبحة النازية" المفتوحة والمستمرة بغزة إلى شكلٍ يتنافى مع أدنى المعايير الأخلاقية والانسانية التي تتبجح بها الأنظمة والمؤسسات الدولية الغربية، ولكن هناك نخبًا أكاديمية أمريكية تخترق جدار الصمت المفروض داخل حرم الجامعات هناك، وترفع صوتها اعتراضًا ورفضًا لجرائم "تل أبيب"، الأمر الذي أحدث رعبًا في نفوس المنظمات الصهيونية داخل الولايات المتحدة.
فبعض طلاب تلك الجامعات سارعوا الى الاستجابة لنداء فلسطين وناصروها على طريقتهم الخاصة، وتحدّوا سياسة القمع وكم الأفواه السائدة وحتى التهديد بالطرد والسجن في ما يسمى زورًا الدول الديمقراطية، وأعلنوا العداء للصهاينة وداعميهم، ينادون بالحرية والسلام لفلسطين وأهلها وشعبها الصامد الصابر الثابت على حقه.
ما الذي يحصل في بعض جامعات امريكا نصرةً لفلسطين؟
على مدى عقود، أثار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المشاعر والانقسامات حول حقوق الفلسطينيين وأمن الصهاينة. لكن اندلاع "المحرقة" الجارية في غزة، أدى إلى زيادة هذه التوترات في الأيام الأخيرة، وأطلق إنذارات ضد الجالية الصهيونية بأمريكا التي ادعت المظلومية، ورفعت سريعًا سلاح ما يسمى "معاداة السامية"، بوجه كل من يعترض على مجازر "اسرائيل".
ومع ذلك، شهدت كليات وجامعات في مختلف المناطق الأمريكية، تحركات متضامنة مع غزة ومؤيدة حتى لحركة "حماس" ومعادية لـ"اسرائيل"، وهو ما فاجأ الزعماء الصهاينة وأغضبهم في آن، ونشر الخوف والهلع في صفوفهم، لا سيما وأن هذه التحركات بدأت تأخذ منحى إشكاليًا متصاعدًا مع معرفتهم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، لكن غذتها الحرب على غزة.
أول الغيث جاء من جامعة جورجيا للتكنولوجيا، عندما كتب أحد الطلاب عبارة "فلسطين حرة" على الحائط الخارجي لجمعية "أخوية يهودية"، وفي 14 الجاري، عثر أعضاء "الاخوية اليهودية"، على رسالة مؤيدة للفلسطينيين مكتوبة تحت اللافتة، تركت انطباعًا عميقًا بالقلق عند الطلاب الصهاينة.
كما أصدر طلاب "الاخوية" بيانًا قالوا فيه نشعر "بالإحباط الشديد عندما نرى أنه بات لمعاداة السامية موطئ قدم في حرمنا الجامعي".
وعلى خط مواز، ذكرت منظمة الأخبار اليهودية "فوروورد" بجامعة ستانفورد الأسبوع الماضي، أن أحد الاساتذة طلب من الطلاب الإسرائيليين في الفصل التعريف عن أنفسهم، ثم أخذ ممتلكاتهم وطلب منهم الوقوف في الزاوية. وكان الهدف الواضح من التمرين بحسب المقال هو إظهار للطلاب جانبًا من تعامل "إسرائيل" مع الفلسطينيين.
وكان مسؤولون في الجامعة قد اعترفوا في بيان صدر في 11 تشرين الأول/أكتوبر بأنهم تلقوا تقريراً عن فصل دراسي "تناول فيه أحد المعلمين الصراع في الشرق الأوسط بطريقة تستدعي الطلاب في الفصل بناءً على خلفياتهم وهوياتهم". وتبعًا لذلك قال رئيس الجامعة وعميدها إن المدرب "لا يقوم بالتدريس حاليًا، وهذا التقرير يثير قلقًا بالغًا".
وفي السياق ذاته، قال أحد الطلاب من جامعة تافتس في ماساتشوستس، ويدعى ميكا غريتز وقائد في مجموعة تسمى "اليهودية في الحرم الجامعي"، إنه شعر بالرعب عندما قرأ رسالة بريد إلكتروني مذيلة باسم "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" في حرم الجامعة. الطامة الكبرى بالنسبة له، كانت أن الرسالة استخدمت الرموز التعبيرية للطيران المظلي للإعلان عن مسيرة في كامبريدج القريبة. كما اشادت الرسالة الإلكترونية بـ"المقاتلين لأجل الحرية" في إشارة إلى مقاتلي حركة المقاومة "حماس" الذين استعملوا الطائرات الشراعية في الهجوم عبر الحدود وأظهروا "الإبداع اللازم لاستعادة الأراضي المسروقة".
ماذا عن التحركات الأخرى ضد مجازر "اسرائيل"؟
على وقع المجازر الاسرائيلية في غزة، أعرب الطلاب المدافعون عن حقوق الفلسطينيين عن حزنهم وغضبهم لمقتل المدنيين في القصف الإسرائيلي لغزة. فعندما أصدرت إلين إم. جرانبرج، رئيسة جامعة جورج واشنطن، بيانا أدانت فيه "الاحتفال بالإرهاب" والذي أقامه الطلاب حدادا على أطفال غزة، ردت مجموعة تسمى طلاب GW من أجل العدالة في فلسطين ببيان مقابل على موقع إنستغرام بالقول: "كيف تجرئين، إلين جرانبرج. على وصف حدادنا بأنه "احتفال بالإرهاب".
الى جانب ذلك، قال أستاذ التاريخ راسل ريكفورد، في تجمع مؤيد للفلسطينيين في إيثاكا، نيويورك ــــ نشرت صحيفة "كورنيل ديلي صن" وآخرون مقطع فيديو لتصريحاته ـــ ان "العديد من سكان غزة من ذوي النوايا الحسنة، والعديد من الفلسطينيين من أصحاب الضمائر، يكرهون العنف مثلكم، وأنا أيضًا"، وأضاف "إن الكثير من مؤيدي القضية الفلسطينية كانت لديهم مشاعر جياشة بعد أن علموا بهجوم 7 أكتوبر، كان الأمر مبهجًا، إذا لم تبتهج بهذا التحدي لاحتكار العنف، وبهذا التحول في ميزان القوى، فلن تكون من بين البشر. لقد كنت مبتهجًا".
ريكفورد، رأى أن هجوم "حماس" يشير إلى أن "إرادة المقاومة الفلسطينية لم تنكسر". بطبيعة الحال، وبّخت رئيسة جامعة كورنيل، ورئيس مجلس أمنائها ريكفورد وقالوا إن تصريحاته قيد المتابعة.
في المحصلة، ما يحدث في جامعات امريكا من تصاعد وتنام للمشاعر المعادية للصهيونية، دفع بآدم ليمان الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة "هيليل الدولية اليهودية" الى القول "إن أجواء الحرم الجامعي بالنسبة للطلاب اليهود تتدهور على مدى عدة سنوات، وقد تفاقم ذلك بسبب الزيادات في معاداة السامية والشيطنة العنيفة لإسرائيل في الجامعات، وقد ساء ذلك في الأيام الأخيرة"، على حد تعبيره.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024