معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

ماذا بوسعنا كجماهير عربية أن نفعل نصرة لغزة؟
01/11/2023

ماذا بوسعنا كجماهير عربية أن نفعل نصرة لغزة؟

د. علي زعيتر

يرزح أهل غزة منذ قرابة الشهر تحت وطأة جريمة منظمة ترتكبها عصابات الجيش الصهيوني بشكل يومي، فيما يبدو العالم من حول غزة موزعاً على ثلاثة أقسام:

١_قسم متواطئ مع العصابات الصهيونية، وغالبية هؤلاء من الأوروبيين والأميركيين، أي الغربيين عموماً، ومعهم بعض الحكام العرب المتأمركين كحكام المشيخات الخليجية وسواهم.

٢_قسم متعاطف ومتضامن مع أهل غزة، وهو يعتبر شريكاً لهم في مقاومتهم، وغالبية هؤلاء من شعوب دول محور المقاومة، كإيران، ولبنان، وسورية، واليمن، والعراق.

٣_قسم يرى ما يتعرض له أهل غزة من جرائم، وهو يشعر بآلامهم ومعاناتهم، ويكاد يبكي عليهم بدل الدموع دماً من هول ما يرى ويسمع، ولكن ليس بمقدوره فعل شيء، وهؤلاء بغالبيتهم من الشعوب العربية والإسلامية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية.

بالنسبة للقسم الأول، فمن نافلة الكلام القول، إن هؤلاء لا أمل فيهم يرتجى، ولا صواب منهم يحتذى، والحل معهم لا يكون إلا بإعمال المقاطعة والتضييق عليهم بشتى السبل، فهؤلاء لا يفهمون إلا لغة المصالح والضغوط المتبادلة، ولن يعيروا لمأساة غزة انتباهاً، إلا إذا عانوا وتألموا كما يألم أهل غزة.

أما القسم الثاني، فقد أدى هؤلاء قسطهم للعلى، وما نخال أن بمقدورهم فعل شيء، أكثر مما فعلوا، فهم يضحون بالأموال والمهج في سبيل غزة، وما شاهدناه في جنوب لبنان على مدى ٢٥ يوماً، لعله يكون أبلغ رد.

بقي أمامنا القسم الثالث، وهؤلاء بيت القصيد بالنسبة لنا، فهم الفئة المستهدفة من مقالنا هذا. ما الذي يستطيع أن يفعله هؤلاء لغزة وأهلها في ظل الأنظمة المتخاذلة التي تتحكم برقابهم؟

ماذا بوسع أهل مصر والمغرب والأردن والمشيخات الخليجية أن يفعلوا لإخوانهم في غزة؟ هذا هو السؤال الأساسي الذي ينبغي الإجابة عليه.

صحيح أن يد هؤلاء مغلولة وأن الأنظمة الحاكمة في بلدانهم تمنعهم من الإتيان بأي حركة فاعلة لتقديم يد العون لغزة وأهلها، ولكن بالمجمل يمكن لهؤلاء أن يقدموا الشيء الكثير نصرة لإخوانهم في غزة، من جملة ذلك:

أ_ الضغط على حكوماتهم المحلية من أجل طرد السفراء الصهاينة والأميركيين والفرنسيين والألمان، ونشدد ههنا على الألمان والفرنسيين بعد الصهاينة، ذلك أن الموقف الملكي الذي تتبناه ألمانيا وفرنسا غير مبرر بكل المقاييس.

نحن نشهد تعاطفاً فرنسياً وألمانياً قل نظيره مع الكيان الصهيوني، فما السبب يا ترى، وهل يجوز بعدُ أن يسكت الشارع العربي والإسلامي على تجاوزات هاتين الدولتين في حق القضية العربية والإسلامية الأم (قضية فلسطين)؟

من نافلة الكلام القول، إن أضعف الإيمان هو الضغط من أجل طرد سفراء ألمانيا وفرنسا من الدول العربية. هذا هدف قابل للتحقق. على الجماهير العربية أن تعمل على إنجازه في حال أرادت أن تضغط باتجاه تخفيف الوطأة عن أهل غزة، فلهاتين الدولتين تأثير كبير على الكيان الصهيوني، وبمقدورهما بما تمتلكانه من مكانة أن ترغما نتنياهو على مراعاة الحدود الإنسانية الدنيا في قصفه على غزة.

نحن ندرك تماماً، أنه ليس من السهل على أشقائنا العرب في الدول المطبعة أن يصلوا إلى هذا الهدف، ولكن يكفيهم شرف المحاولة، فعندما يدرك سفراء هاتين الدولتين أن الجماهير العربية بدأت تستيقظ سيراجعون حكوماتهم بهذا الصدد، فالسفراء هم آذان وأعين حكوماتهم في الدول المستضيفة.

بـ_ على المستهلك العربي والمسلم إلى أي قُطر عربي أو مسلم انتمى أن يدرك أن بوسعه إرغام الدول الغربية على التفكير ملياً قبل إطلاق مواقف مؤيدة للكيان الصهيوني من خلال المقاطعة الاقتصادية.

إذا أجمع العرب والمسلمون أمرهم على مقاطعة منتجات الشركات الغربية، فستتضرر اقتصاديات الدول الغربية، ما سيدفعها إلى مراجعة الكثير من مواقفها حيال القضية العربية المركزية.

جـ_الخروج بتظاهرات شبه يومية منددة بالعدوان الصهيوني على غزة وبمواقف الدول الداعمة له. قد يخال كثيرون أن هذا النوع من التحركات لا يؤتي أكله، ولكن من يراقب مواقف الدول الغربية عقب خروج التظاهرات المنددة بإحراق القرآن في السويد، يدرك أن هذا النوع من التحركات فعال بدرجة كبيرة.

فعلى إثر التظاهرات العارمة التي خرجت في العالم الإسلامي قبل أشهر اضطرت حكومات أوروبية عدة إلى استصدار قرارات وقوانين تحظر الإساءة إلى القرآن الكريم أو أيٍّ من المعتقدات الدينية. حتى السويد نفسها التي ظلت سلطاتها المحلية تتبجح بمبدأ حرية التعبير اضطرت في نهاية الأمر إلى أن تطرد العراقي المجرم الذي أحرق عدة نسخ من المصحف الشريف سلوان موميكا، وأن تحظر على مواطنيها القيام بذلك مجدداً، ما يعني أن سلاح التظاهرات فعال إلى حد كبير.

حسناً فعلت الجماهير التونسية إذ خرجت في الساحات العامة لتطالب بطرد السفير الفرنسي من العاصمة تونس. هذه الخطوة وإن جاءت متأخرة بعض الشيء، إلا أنها لا شك ستنجح في هز العصا لماكرون. وعلى أي حال لا شيء يقلق ماكرون ونظيره الألماني أكثر من الضغط الجماهيري. فرنسا ماكرون تدرك تماماً أن البساط قد سحب من تحت أقدامها في الكثير من الجغرافيا الأفريقية، لذا ما نخالها ستتجاهل هتافات الشعب التونسي.

د_على الجماهير الحرة في العالم بصرف النظر عن هويتها الدينية والقومية أن تعلم أن وسائل التواصل المملوكة لجانب دول الاستعمار كواتساب وفيسبوك ويوتيوب وأكس وآنستغرام ليست كتل خراسانية صلبة عصية على التفتيت، فهي الأخرى تخشى على مصالحها من التأثر، وعلى شعبيتها من التراجع، لذا بمقدورنا أن نضغط عليها لوقف تمييزها ضد الفلسطينيين عبر مقاطعة تطبيقاتها، واللجوء إلى تطبيقات منافسة بديلة.

لقد عكفت هذه الوسائل منذ انطلاقة معركة طوفان الأقصى على تجميد الحسابات الداعمة لفلسطين وعلى حظرها والتضييق عليها، فيما يشبه الرسالة المفتوحة لكل الناشطين الأحرار في العالم: إما أن تكونوا شهود زور على ما يجري في غزة، وإما فلا مكان لكم على تطبيقاتنا ومساحاتنا الافتراضية.

وعليه، إذا أجمعنا أمرنا على مقاطعة هذه الوسائل والاعتماد على وسائل أخرى، فإنه من الممكن جداً أن تراجع الشركات المالكة لها حساباتها بما يخدم توجهاتنا.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات