معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

جولة بلينكن الخائبة وأجوبة العراق الصادمة
07/11/2023

جولة بلينكن الخائبة وأجوبة العراق الصادمة

بغداد ــ عادل الجبوري

كان العراق من بين الدول التي شملتها الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في المنطقة، في إطار المساعي المحمومة من قبل الولايات المتحدة الأميركية لإنقاذ الكيان الصهيوني من ورطة حربه مع المقاومة الفلسطينية، والتي كشفت كل مواطن ضعفه وخواءه وهشاشته.

لم يبق بلينكن في بغداد سوى ساعات قلائل ارتدى خلالها سترة واقية ضد الرصاص، وهذه بحد ذاتها إشارة واضحة إلى شعوره بالقلق والخوف من استهدافه، خصوصا أن العراق على الصعيدين الرسمي والشعبي، عبر عن مواقف داعمة بقوة للشعب الفلسطيني ورافضة للإجرام الصهيوني ضد قطاع غزة.

اقتصرت زيارة الوزير الأميركي لبغداد على لقائه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وتمحور البحث والنقاش على موضوعة الحرب الدائرة منذ شهر بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني.

وقد جاء وزير الخارجية الأميركي إلى بغداد، في إطار أهداف محددة وواضحة، تتمثل بحثّ الحكومة العراقية على إيقاف الهجمات التي تتعرض لها القواعد العسكرية التي توجَد فيها قوات أميركية في العراق وسوريا من قبل فصائل المقاومة، وكذلك في محاولة حلحلة الموقف العراقي الحازم بدعم الفلسطينيين وإدانة الكيان الصهيوني. ولعل هذا بعضا مما أوردته الخارجية الأميركية في بيان لها بهذا الشأن، والذي بدا مختلفا عن بيان المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء العراقية.                

فبيان المكتب الإعلامي للأخيرة أشار إلى أنه جرى خلال اللقاء، "بحث تطورات الأحداث المتصاعدة في قطاع غزّة، والتأكيد على ضرورة احتواء الأزمة وضمان عدم اتساعها، كما نُوقِش تدهور الوضع الإنساني للشعب الفلسطيني، وتأكيد أهمية التنسيق والعمل على إيصال إمدادات الغذاء والمياه والرعاية الطبية، وغيرها من المساعدات المطلوبة؛ لتلبية الاحتياجات الإنسانية للأهالي". وجدد السوادني-بحسب البيان-"موقف العراق الواضح والمبدئي برفض العدوان الصهيوني على غزّة، وضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وفتح المعابر لتفادي الكارثة الإنسانية المتفاقمة، التي راح ضحيتها المدنيون والنساء والأطفال، وضرورة أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته إزاء المجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية يومياً بحق الأبرياء من النساء والأطفال، واستهداف المستشفيات وأماكن الإيواء، واستمرار نهج التصعيد والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني".

بينما قالت الخارجية على لسان المتحدث باسمها ماثيو ميلر، "إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن اجتمع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في بغداد، وناقش الطرفان النزاع الدائر بين إسرائيل وحركة حماس وضرورة تجنب اتساع رقعة الصراع بما في ذلك في العراق، وإن الطرفين ناقشا أيضاً ضرورة ضمان عدم إجبار الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة بشكل قسري، وحث الوزير بلينكن رئيس الوزراء العراقي على محاسبة المسؤولين عن مواصلة الهجمات ضد القوات الأمريكية".

ويفهم من ذلك ان واشنطن تسعى بكل جهدها لإنقاذ الكيان الصهيوني من المأزق الذي وقع فيه، لكن من خلال تنازل وتراجع حركة حماس دون شروط، وهو ما يصر عليه رئيس وزراء الكيان  بنيامين نتنياهو، لأنه يدرك تماما، أن أي خيار آخر سيعني نهايته السياسية ونهاية الكيان الغاصب.

بالإضافة إلى ذلك، فأن الولايات  المتحدة الاميركية، تدرك تماما ان أي توسع او توسيع لميادين الصراع والمواجهة، سوف يؤدي الى استهداف وجودها ومصالحها على نطاق واسع في عموم المنطقة، وهذا ما يجعلها تتردد كثيرا في مسايرة نتنياهو الراغب في دخول واشنطن بقوة وزخم للقضاء على حركة حماس نهائيا.  

ولعله كان متوقعا أن لا يحصل بلينكن من وراء زيارته لبغداد ولقائه السوداني على أي تطمينات أو تعهدات معينة، بقدر التأكيد والتشديد والتجديد على مواقف العراق المبدئية بخصوص القضية الفلسطينية، وما يجري من مجازر مروعة ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

واللافت أن وزير الخارجية الأميركي، سمع في العاصمة الأردنية عمّان كلاما مشابها لما سمعه من بغداد وفيما بعد من أنقرة، وهذه المرة من صناع القرار في مصر والأردن، اللتين أبرمتا اتفاقيات سلام مع تل أبيب في عامي 1978 و 1994 على التوالي. ويفترض أنهما الأقرب في تنسيق المواقف مع الكيان الغاصب والولايات المتحدة الأميركية.

قد لا تعكس مواقف تلك الدولتين، ومعهما تركيا، القناعات الحقيقية لأنظمتها الحاكمة، ولكن لحسابات وتقديرات خاصة ترتبط بأوضاعها الداخلية وتوجهات الرأي العام فيها، والخشية من انزلاق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، فإنها لم تعد قادرة على تبني مواقف هادئة ودبلوماسية لصالح الكيان الصهيوني، بعدما بلغت جرائم الأخير في غزة مستويات خطيرة، بات من الصعب جدا السكوت عليها، حتى من قبل الكثير من الحكومات والشعوب الغربية، والأجنبية عموما.

وهنا يكمن مأزق واشنطن، وهو ذاته مأزق تل أبيب، والذي لا شك أنه سيتفاقم يوما بعد آخر، إذا لم يعمل صانعو القرار في البيت الأبيض على تدارك الأمر والقبول بالحد الأدنى من الخسائر والاستحقاقات، وعدم الاستمرار بطرق أبواب العواصم المختلفة بلا جدوى.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات