معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

انتقام أمريكي من "الصحوة العالمية".. بتجريم "معاداة الصهيونية"
08/12/2023

انتقام أمريكي من "الصحوة العالمية".. بتجريم "معاداة الصهيونية"

يونس عودة

في ذروة المذابح التي يرتكبها الكيان العنصري ومستوطنوه، في "تل أبيب"، باتت حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من شهرين "ماركة مسجلة" باسم بنيامين نتنياهو ومجلسه الحربي وراعيه الأكثر حصرية جو بايدن وإدارته الصهيونية. ويتوقف المراقبون عند مؤشر عدواني  خطير يعكس جوهر أميركا، بصفتها إدارة عنصرية تريد أن يتوالد من رحمها عالم يقوده عنصريون قتلة لا قيم انسانية ولا أخلاقية فيه، بموازاة صحوة ضمير شعبية تجتاح العالم، بعد أن ظهرت حقائق "إسرائيل" التي كانت تُغطَّى بغشاء من الأكاذيب على مدى 75 عامًا، وكان الشعب الفلسطيني والعديد من الشعوب العربية يدفعون الأثمان نتيجة أكاذيب الصحافة الغربية وهوليوود.

أصدر مجلس النواب الأميركي قرارًا مقززًا، قبيل استقبال بلاد العم سام، اللجنة الوزارية المنبثقة عن القمة العربية - الإسلامية لمناقشة تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها، حيث حرب الإبادة متواصلة من دون وازع أخلاقي، بالإضافة إلى استعراض الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار الفوري وحماية المدنيين العزل، وضمان تطبيق قواعد القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني.

يرى قرار مجلس النواب الأميركي أن "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"؛ علمًا أن الصهيونية مصنّفة عالميًا حركةً عنصريةً. وينصّ القرار غير الملزم، "بوضوح وحزم"، على أن معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية. مع أنّ بعض النواب، ومن بينهم يهود، وصفوا التشريع بأنه: "أحدث محاولة غير جادة من جانب الجمهوريين لاستخدام الألم اليهودي والمشكلة الخطيرة المتمثلة في معاداة السامية سلاحًا لتسجيل نقاط سياسية رخيصة"، بحسب تعبيرهم.

هذا القرار لم يكن الرسالة الوحيدة للجنة الوزارية بالازدراء المتعالي اتجاه دول تُعدّ في التصنيف السياسي "حليفة أو صديقة" لأميركا، ومن ثرواتها المنهوبة تعتاش أكثر الشركات الأميركية التي تذهب نسبة من أرباحها إلى الكيان المغتصب لفلسطين. فالرئيس الأميركي الحالي جو بايدن "الديمقراطي" هو القائل تكرارًا إنه: "ليس ضروريًا أن تكون يهوديًا حتى تصبح صهيونيًا، وأنا صهيوني وهذه حقيقة لا أعتذر عنها، كنت مؤيدًا قويًا جدًا لإسرائيل منذ أن دخلت مجلس الشيوخ الأمريكي العام 1973". أكثر من ذلك، فهو المجاهر بعدوانيته للإنسانية والعرب والمسلمين، من خلال ما أعلنه على الملأ: "لو لم تكن هناك "إسرائيل" لعملنا على إنشائها".

وقال آرون ديفيد ميلر، وهو المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط والذي عمل مع ستة وزراء للخارجية الأمريكية خلال ولاية رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، إن: "ارتباط بايدن بإسرائيل متجذر بعمق في حمضه النووي السياسي"، بينما قالت أوريت ستروك وزيرة المستوطنات في حكومة بنيامين نتنياهو إن: "بايدن صهيوني بحق، ومع أنه رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لكنه شخص صهيوني، ويحب إسرائيل".

من المخزي ألا تكون اللجنة المشكلّة برئاسة فيصل بن فرحان وزير خارجية السعودية، يشاركه فيها وزراء خارجية  قطر والأردن ونيابةً عن وزير خارجية تركيا السفير التركي في واشنطن، قد فهمت كل الرسائل قبل وصولها، ولا سيما الرسالة الأكثر إعلانًا، وهي أن إدارة بايدن المستهدفة في المحادثات ما تزال تكرر رفضها وقف القتل والإبادة لشعب غزة، خصوصًا وأينما تمكّن المحتل أن يمارس "ساميّته" في القتل والدمار والإبادة.

تشير التقديرات في الكيان - وهي ليست الأولى - إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستمكّن "إسرائيل" من مواصلة حربها على غزة لمدة شهر أو أكثر بقليل، وستسمح باستمرار الحرب في حال عدم تعقّد المعارك وتؤدي إلى "قتل جماعي آخر لمدنيين فلسطينيين وإذا لم تخرج الأزمة الإنسانية في القطاع عن السيطرة". وكأن القتل الجماعي لم يحصل بعد مع بلوغ عدد الشهداء وغالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء أكثر من 16 ألفًا من دون الذين ما يزالون تحت ركام منازلهم.

أمّا المخزي أكثر، فهو ألا تكون اللجنة المشكّلة بعد أكثر من ستّين يومًا من حرب الإبادة، والتي لا تريد الإدارة الأميركية وقفها، لقد التقط أعضاؤها كل الرسائل، ويعتقدون بأن زيارات رفع العتب أمام الشعوب مع الصحوة العالمية للخطر الصهيوني المدلل أميركيًا يمكن أن يغفر لمحادثاتهم من دون إجراء عملي واضح، وكلّهم لديهم قدرات إذا أحسنوا إدارتها لأوقفوا أميركا ومدلّلتها "إسرائيل" عن وقف الجرائم المتمادية.

إن العمل على الصهينة ليس حديث العهد، لكن الخطوات تنامت مع إلغاء نص قرار الأمم المتحدة الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية. وهذا القرار لا يصنّف الصهيونية حركةً عنصريةً فقط، وإنما يساوي الصهيونية تمامًا بالعنصرية، واتخذته الجمعية العامة وحمل الرقم 3379 (د –30) المؤرخ في 10 تشرين الثاني 1975، إلا أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عملت الدول التي تتقدم الدفاع اليوم عن ارتكابات "إسرائيل" من جرائم ضد الإنسانية، وتقودها الولايات المتحدة الأميركية، على إلغاء قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية من خلال الجمعية العامة بتاريخ 16 كانون الأول العام 1991 بقرار حمل الرقم 46/86.

من المعيب أن محادثة الأميركيين مع العلم المسبق بأنهم ليسوا فقط مجرد شركاء لأبشع المجرمين، بل هم من يقدمون أدوات الإجرام، وهم المدافعون الأوائل عن الجرائم، ولم يترددوا في اضطهاد حتى بعض أبناء شعبهم عندما طالب بالتوقف عن محاباة الصهاينة، فأصدروا بحقهم مذكرة جلب جماعية تحت مسمى "معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية"؛ باعتقادهم أنهم بذلك يعيدون القطيع إلى النظام.

الأرجح أن نقرأ في الأيام المقبلة أن اللجنة اجتمعت مع الأميركي فلان وفلان، واستعرضت ما يدور في غزة وطالبت بتسهيل عبور المساعدات، وطالبت باضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته عبر رفض أشكال الانتقائية كافة في تطبيق المعايير القانونية والأخلاقية الدولية، وحماية الشعب الفلسطيني من الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، بما فيها شرقي القدس. كما طالب أعضاء اللجنة بالعودة إلى مسار السلام العادل والدائم والشامل، من خلال تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحل الدولتين، وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967م وعاصمتها شرقي القدس.

وبعد.. يعود الكل إلى عائلته، والأميركي يلهو بسيل دماء الشعب الفلسطيني، لأنه اعتاد على مسرحيات الكلام وإخراجها، حيث لا عمل جدي ولا حتى تلويح باستخدام أي قدرة سوى الكلام. في وقت قال مسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إن هناك إجماعًا رفيع المستوى داخل الإدارة على أنه: "ليس من المنطقي أن يرد الجيش الأميركي بشكل مباشر على الحوثيين في اليمن، بعد الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار على ثلاث سفن مدنية"، وأن إدارة بايدن طلبت من "إسرائيل" ألا تهاجم اليمن خوفًا من اشتعال حرب إقليمية، وفي وقت أيضًا حوّل اليمنيون السفينة الإسرائيلية "غالكسي ليدر" التي اقتادوها من البحر الأحمر قبالة محافظة الحديدة في اليمن، إلى مزار سياحي، يتوافد المتفرجون على متن قوارب صغيرة للصعود إلى ظهر السفينة ويلتقطون صورًا وفيديوهات على متنها قاصدين بذلك ليّ ذراع "اسرائيل" وأميركا، بفضل القدرة التي استخدمت في مكانها والتوقيت السليم الذي تكاملت فيه الجهود.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات