آراء وتحليلات
يحيى السنوار الثابت على قراراته القاسية.. والميّت الذي عاد للظهور وغيّر "حماس"
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
هو شاغل الدنيا والناس هذه الأيام. اسمه حاليًا يتردد على كل شفة ولسان داخل "اسرائيل" والعالم، وكفيل بإدخال الرعب والخوف إلى نفوس الصهاينة. نادرًا ما تسمع أو تشاهد أو تقرأ أو تسمع خبرًا عن فلسطين والمقاومة، إلاو يكون حاضرًا فيه ومتصدرًا العناوين.
إنه يحيى السنوار، أحد قيادات كتائب عز الدين القسام في حركة "حماس"، والمطلوب الأوّل لـ"اسرائيل" وجميع أجهزتها الاستخباراتية والأمنية، ونظرائها في الولايات المتحدة والغرب الأطلسي. وبعد عملية طوفان الأقصى، تحول إلى أحد أبرز الأهداف للحرب الدموية التي يشنها جيش الاحتلال على غزة، الى جانب القائد العسكري الكبير لحماس محمد الضيف.
من هو يحيى السنوار؟
لفهم سيرة وشخصية السنوار، يجب على المرء أولاً أن يفهم من أين أتى. عاشت عائلة السنوار مأساة النكبة التي رافقته وما زالت في كل محطة من محطات حياته حتى أيامنا هذه، بحسب زميله السابق في السجن عصمت منصور. وُلِد السنوار في مخيم خان يونس للاجئين في غزة عام 1962. وقد أُجبرت عائلته على مغادرة بلدة المجدل الفلسطينية في أعقاب حرب عام 1948، والتي أدت إلى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم في عام 1948، وطردهم من وطنهم الأم.
بحلول الوقت الذي ولد فيه السنوار، كانت خيام اللاجئين الموجودة بين الكثبان الرملية في خان يونس، قد تم استبدالها بمنازل صغيرة من الطوب، لكن الظروف كانت ولا تزال مزرية لحدّ الآن.
ما هي أبرز محطات حياته النضالية داخل السجن؟
عمليًا، تأثر السنوار، بتنشئته القاسية في مخيم للاجئين الفلسطينيين وعقود من الاعتقال الإسرائيلي. فهو أمضى 22 عامًا في السجن وهو يدرس عدوه عن كثب، ويقرأ كتبًا عن السياسة الإسرائيلية ويتعلم اللغة العبرية حتى أتقنها بطلاقة.
اعتقلت "اسرائيل" السنوار، لأول مرة عام 1982، عندما كان طالبًا جامعيًا في الجامعة الإسلامية في غزة، وبذات الوقت عضوًا مؤسسًا في الحركة الطلابية التابعة لحماس.
كان السنوار نشطًا خلال الانتفاضة الأولى، التي بدأت في غزة عام 1987. ثم ما لبث أن أصبح قريبًا من مؤسس "حماس" الشيخ أحمد ياسين، حيث كان يصلي معه في نفس المسجد بمدينة غزة.
في العام 1988، اعتقل السنوار مرة أخرى، على إثر إصابته بجروح عندما انفجرت عبوة ناسفة كان يصنعها. يتحدث أحد المحققين الصهاينة الذين تم تكليفهم بمهمة انتزاع اعترافات من السنوار ويدعى مايكل كوبي ـــ وكان قضى أكثر من 150 ساعة في استجوابه لصالح وكالة المخابرات الداخلية الإسرائيلية ـــ عن صلابته وحزمه النابع من قوة شخصيته، خصوصًا مع الفلسطينيين المتعاونين مع جيش الاحتلال عندما كان شابًا لا سيما خلال فترة ترؤسه لقوة الأمن الداخلي لحماس "المجد". كما وصف السنوار بأنه "ثابت في قراراته، حتى لو كانت قاسية". صفاته تلك، سلّطت الضوء على شخصية القائد المستقبلي.
كان العيش الكريم للشعب الفلسطيني أحد هموم السنوار الى جانب مشروع المقاومة، إذ ينقل زميله عصمت منصور عنه أنه كان يتحدث في السجن عن نقص خدمات البنى التحتية في المناطق والمخيمات الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ويشدد على ضرورة النضال ضد العيش على مساعدات الأمم المتحدة. ويضيف منصور "كان السنوار يعود دائماً إلى هذه القصص ويقول لنا: ناضلوا ضد الاحتلال".
كيف سطع نجم السنوار في حركة المقاومة حماس؟
مع تزايد بروز حماس في المشهد السياسي الفلسطيني، بدأ نجم السنوار في الصعود داخل الحركة، وكان ذلك على مرحلتين: الأولى، قبيل اشتعال شرارة الانتفاضة الثانية بفترة قصيرة، بعدما تم انتخابه قائدًا لحماس في السجن، حيث قاد الإضرابات في محاولة لتحسين ظروف السجناء، وهنا بدأ نفوذه بالتنامي.
والثانية، بعد إطلاق سراحه من السجن عام 2011، مع 1026 سجينًا فلسطينيًا آخر مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط ضمن عملية "وفاء الأحرار".
تميز السنوار بالبحث عن المتعاونين مع "إسرائيل"، وفقًا لكل من منصور وكوبي. وتشير نصوص الاستجواب وروايات مسؤولي الأمن في الكيان وزملائه الأسرى وغيرهم ممن التقوا به، إلى أنه كان استراتيجيًا حازمًا، وأكثر ميلًا إلى مواجهة عملاء الاحتلال وجنوده وضباطه من مسافة قريبة والتصدي لهم وقتلهم. من هنا نفهم أن مشاهد بطولات المقاومين في غزة وهم يضعون العبوات أو يطلقون الصواريخ والقذائف الموجهة على الدبابات وعناصر الاحتلال من مسافة صفر، انما تعود في أصلها لتكتيكات السنوار.
أين السنوار من عملية طوفان الأقصى؟
عُرف السنوار وفقًا للأصدقاء أو العدو الاسرائيلي، بوضعه قضية الأسرى في مقدمة أولوياته، بهدف تخليص السجناء الفلسطينيين من محنتهم، بحيث عدّ هذا الأمر السبب الرئيسي لإطلاق عمليات الأسر الجماعية للإسرائيليين في 7 أكتوبر.
نجح السنوار في مناسبات عدة بتضليل "اسرائيل" التي عجزت عن معرفة ما يخطط له. ففي مقابلات صحفية عامة قبل عملية طوفان الاقصى قال إنه لا يسعى للمواجهة "ولا أريد المزيد من الحروب"، ليتبين أنه كان يخدع "إسرائيل" ويعطيها شعورًا زائفًا بالهدوء.
علاوة على ذلك، يكشف شلومي إلدار، وهو صحفي إسرائيلي ـــ أصدر كتابًا عام 2012 عن حماس وأجرى مقابلات مع بعض كبار مسؤوليها ـــ أنه من خلال انضمامه إلى الجناح السياسي لحركة المقاومة حماس أدى السنوار دورًا فعّالًا أدى إلى طمس التمييز بين مقاتلي الجماعة ومسؤوليها. وإذ يشير إلدار الى أن "السنوار غيّر حماس"، اوضح "أن أياً من قادة الجماعة الآخرين لم يكن ليقوم بتنظيم هجوم بحجم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، خوفاً من رد الفعل العنيف. لكن السنوار مختلف" ويتابع إلدار: "التفسير الوحيد الذي يمكنني تقديمه هو أن هذه شخصيته".
في المحصلة، صحيح أن "إسرائيل" وصفت السنوار بأنه "رجل ميّت يمشي، وأنها مسألة وقت فقط قبل أن تلحق به قواتها"، غير أن قادة العدو لم يكملوا النصف الآخر للرواية، وهو عدم إفصاحهم عن سهولة هذه المهمة. فإذا كان جنود الاحتلال في غزة يعانون من الأشباح الذين يخرجون عليهم من أماكن مجهولة، ويلاحقونهم الى داخل حصونهم (أي الدبابات)، فكيف الحال مع السنوار المارد الذي خرج كالسراب (مع الضيف) في 7 تشرين الأول/اكتوبر وحطّما جميع مفاهيم العدو الامنية، وهزّا منظوماته الاستخباراتية الاقوى بالعالم، خصوصًا وأن العدو يعترف أن السنوار قد يكون محاطًا بدائرة داخلية من المقربين، بمن في ذلك شقيقه محمد، الذي زيف وفاته في عام 2014، لكنه عاد للظهور منذ ذلك الحين؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024